19-أغسطس-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

تتضاعف مصاعب الحكومة الجزائرية، شهرًا بعد آخر في قدرتها على تغيير لون نسبة نمو اقتصاد البلاد من الأحمر إلى الأخضر بسبب الرهانات الداخلية والخارجية التي تواجهها، خاصّة مع تواصل أزمة كورونا، بعد أن سجّلت البلاد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري انكماشًا قدره -3.9 بالمائة.

تبدو مهمّة الرئيس تبون صعبة لمواجهات الرهانات الاقتصادية التي تواجهها الجزائر

ومع تراجع النشاط التجاري والاقتصادي في البلاد بسبب الجائحة، وتراجع أسعار النفط، طرح الرئيس عبد المجيد تبون خطة الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي التي يقول إنها ستغير ملامح اقتصاد البلاد، فهل ستستطيع مبادرته النجاح رغم صعوبة المهمة والتوقعات السلبية التي رسمها صندوق النقد الدولي بشأن الاقتصاد الجزائري.

اقرأ/ي أيضًا: حوار | سليمان ناصر: يجب فرض وسائل الدفع الإلكتروني لتفادي أزمة السيولة

أرقام سلبية

في نهاية شهر تموز/جويلية الماضي، نشر الديوان الوطني للإحصاء أرقامًا صادمة للحكومة بشأن نجاعة الاقتصاد الجزائري في الثلاثي الأوّل من السنة الجارية.

وأظهرت هذه الأرقام أن معدّل نمو الاقتصاد سار في الاتجاه العكسي حتى بلغ -3.9 بالمائة خلال هذه الفترة، رغم أن تطبيق إجراءات الحجر الصحّي وغلق الحدود لم تتخذ إلا في شهر آذار/مارس عقب تسجيل أول حالة إصابة في 25 شباط/فيفري الماضي.

 

وتختلف هذه الأرقام بأكثر من خمس درجات عن معدل النمو الذي سجل في سنة 2019، وهي السنة التي عرفت هي الأخرى اضطرابًا سياسيًا، لكن رغم ذلك حافظا الاقتصاد على نمو في الخانة الخضراء بنسبة 1.3 بالمائة.

وحسب بيان لديوان الوطني للإحصائيات، فإن سبب هذا النمو السلبي للاقتصاد الجزائري، مردُّه الأزمة الصحية العالمية التي زادت من حدّة هذا التراجع.

وأوعز ديوان الإحصاءات هذا النمو السلبي، إلى الهبوط الذي عرفته أسعار النفط خلال العام الجاري، وهي التي تتحكّم بشكلٍ كبير في اقتصاد البلاد الذي يظلّ لحد اليوم مرهونًا بتقلبات سوق النفط.

وحسب الديوان الوطني للإحصاءات، فقد عرفت قطاعات المحروقات والخدمات التجارية والخدمات غير التجارية نسب نمو سلبية، فقطاع النفط عرف مؤشرات حمراء وصلت حتى -13.4 بالمائة، مقابل -7.1 بالمائة في 2019، أي بانكماش جديد بلغ قرابة ضعف الأرقام السلبية المسجلة في قطاع المحروقات العام الماضي.

وإذا كان التراجع في نسب نمو قطاع المحروقات متوقعًا، حتى ولو كان بمعدّلات أقلّ، إلا أن الأرقام السلبية مست قطاعات أخرى، كالخدمات التجارية التي عرفت لأوّل مرة هبوطًا بـ -2.8 بالمائة مقابل ارتفاع بـ5 بالمائة العام الفارط، وكذا الصناعة التي تراجع نموها بـ -0.5 بالمائة خلال الثلاثي الأوّل من 2020 مقابل 4.9 بالمائة في 2019، ولكنّها تبقى غير مقبولة مهما كانت المبرّرات، خاصّة وأن هذا التراجع جاء في وقت أصبحت فيه البلاد بحاجة لكل دينار.

مصاعب جديدة

تبدو مهمّة الرئيس تبون صعبة لمواجهات الرهانات الاقتصادية التي تواجهها الجزائر، فإضافة إلى الانخفاض المتواصل لأسعار النفط التي تظل دون سعر 50 دولارًا الذي بنيت عليه موازنة البلاد لعام 2020، تبقى الأوضاع السياسية الغامضة وتأخّر إجراء التعديل الدستوري المنتظر، تؤثر سلبًا على أيّة محاولة لتحقيق إقلاع اقتصادي أو الحد من تأثير الأزمة الحالية.

وما زاد في ورطة الحكومة تبعات أزمة فيروس كورونا، التي جمدت معظم النشاطات الاقتصادية في البلاد لعدة أشهر، وأضافت على الخزينة العمومية تكاليف جديدة تتعلق بتعويض المتضررين من توقف النشاط سواء كانوا عمالًا أو مؤسّسات اقتصادية ستغرف مرة أخرى  من صناديق الحكومة.

وخلال هذا الصيف، وجدت الحكومة نفسها مرغمة على تقديم تعهدات بدفع تعويضات للمتضرّرين من حرائق الغابات التي تقول إنها بفعل فاعل، إضافة إلى إسكان المتضرّرين من الهزة الأرضية بمنطقة حمالة بولاية ميلة، ودفع إعانات مالية للذين يرغبون في ترميم منازلهم.

وإضافة إلى ما سبق، على الحكومة أيضًا الوفاء بالتزامات سابقة أطلقتها تتعلق بتسليم برامج السكن خاصة المدرجة ضمن صيغة "عدل" و"الترقوي العمومي"، إضافة إلى الوعود التي أطلقها الرئيس تبون بشأن بناء سكنات جديدة للقضاء على أزمة السكن في البلاد.

خطة رئاسية

رغم العبء المالي للتحدّيات التي تواجهه وهو لم يكمل سنة من ولايته الرئاسية الأولى، يحرص الرئيس عبد المجيد تبون على الظهور بصورة الرجل الواثق من تحقيق انطلاقة اقتصادية جديدة لبلاد ظلت تنميتها ومختلف مناحي حياتها مرتبطة بصعود وهبوط سعر برميل النفط.

وأعلن تبون في 12 تموز/جويلية الماضي عن برنامجه الاقتصادي الذي أطلق عليه اسم "خطة الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي"، التي ترتكز على  توسيع الاكتشافات في قطاع النفط، ومنها تلك الموجودة في البحر التي تبقى غير مستغلة من طرف الجزائر، إضافة إلى إعادة النظر في تسيير شركة "سوناطراك" الحكومية، ووقف كل عمليات استيراد الوقود والمواد المكرّرة قبل الثلاثي الأول من سنة 2021، بهدف التقليل من فاتورة الاستيراد التي تثقل كاهل الدولة.

 وتضمّنت خطة تبون في قطاع الصناعة، العمل على بعث قطاع تركيب وتصنيع السيارات والصناعات الكهرومنزلية والتحويلية وفق شروط جديدة، لعلها تمحو خيبات الماضي الذي كبد الخزينة العمومية مليارات الدولارات.

ويظهر من خطة تبون أن قطاع المعادن سيشكل موردًا جديدًا ذا أهمية لاقتصاد الجزائر، الذي صارت عائدات النفط غير كافية لتغطية موازنة البلاد، بتشديده على ضرورة الاستغلال الكامل للطاقات المنجمية للبلاد، وبعث الصناعة الصيدلانية، وقطاع الفلاحة خاصة بالجنوب.

ولتنفيذ هذه الخطة يأمل الرئيس الجزائري، أن يستطيع قطاع المالية خاصة البنوك بمواكبة التطورات التي يشهدها هذا المجال، والذي بدأها باعتماد الصيرفة الإسلامية لأول مرة في البلاد، والتي تتوقّع وزارة المالية أن تحصل من خلالها الخزينة العمومية على قرابة 40 مليار دولار من السوق المحلية.

غير أن صندوق النقد الدولي لا يقاسم الرئيس تبون الطموح ذاته، إذ يتوقع مواصلة الاقتصاد الجزائري منحى نموه السلبي، ليستقر عند معدل سنوي يصل إلى – 5.2 بالمائة، مع عجز في الموازنة قد يكون الأكبر في منطقة شمال أفريقيا.

 

واقع الحال يقول إن اقتصاد الجزائر قد يتوجه إلى هذه "الأرقام الحمراء" بسبب أزمة كورونا

وحتى وإن كانت أرقام صندوق النقد الدولي دائمًا سلبية، لاعتبارات موضوعية وأخرى قد تكون سياسية، إلا أن واقع الحال يقول إن اقتصاد الجزائر قد يتوجه إلى هذه "الأرقام الحمراء" بسبب أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط وعدم تخلص البلاد من سياسات التسيير الفاسد، الأمر الذي يتطلب من الحكومة تحركًا اقتصاديًا فعالًا ومستعجلًا، لامتصاص غضب الشارع الذي أصبح لا يقبل المزيد من التأخير والوعود المؤجّلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تراجع نمو الاقتصاد الجزائري خلال الثلاثي الأوّل لسنة 2020

عجز في الميزان التجاري وإيطاليا تزيح فرنسا وتصبح الزبون الأوّل للجزائر