24-ديسمبر-2019

الرئيس عبد المجيد تبون ركّز في خطاباته على تعديل الدستور (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

قال الرئيس عبد المجيد تبون، إنّ تحرير دستور جديدٍ وإقراره يعدّ من أولوياته، وإنّ الأمر إن لم يحدث في الأسابيع الأولى من حكمه فسيحدث في الأشهر الأولى على أكثر تقدير. فهل الأمر ضروريٌّ إلى هذا الحدّ؟

لم ينتظر زروال طويلًا ليقدّم "دستوره" للاستفتاء الشعبي عام 1996

لم يكن الحديث عن دستور جديد مع صعود رئيس جديد بالمفاجئ لكثير من المتابعين، وقد عرف الجزائريون أن الدساتير المتتالية ارتبطت بمجيء الرؤساء إلى سدّة الحكم، إلى درجة أصبح لكلٍ رئيس دستوره.

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس الجزائري ينهي معركة الدستور.. ما الفائدة؟

الأمر بدأ مع دستور 1963، الذي أقرّ برغبة من الرئيس أحمد بن بلة، وأن الأمر تم خارج إرادة المجلس التأسيسي، لكنه لم يعمّر في الحقيقة أكثر من 23 يومًا، مع الأحداث التي عرفتها البلاد حينها وجعلت القيّادة تعلّقه إلى أن انتهى مع انقلاب 19 حزيران/جوان 1965، ليأخذ هواري بومدين وقته ولا "يطلق" دستوره إلا قبل وفاته بأقلّ من سنتين في عام 1976.

ولأنّ دستور 1976 كان على مقاس هواري بومدين، فإن خلفه الشاذلي بن جديد اضطرّ أولًا إلى تعديله في بداية عهدته الأولى سنة 1979، حتى يشرعن طريقة انتخابه عن طريق تزكية من الحزب الحاكم، ثم يعدلّه سنةً بعد ذلك أي في العام 1980، بإقرار تعديلٍ وحيد يتمثّل في دسترة "مجلس المحاسبة" الذي راح ضحيتهُ غريمه عبد العزيز بوتفليقة، ويضطر لتعديله سنة 1988، بإقرار إصلاحات عقب أحداث تشرين الأوّل/أكتوبر، ولم يعتمد "دستوره" الخاصّ إلا سنة 1989 قبل مغادرته الحكم بحوالي ثلاث سنوات.

ولأنّ اعتماد "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" وصعودها "المرعب" جاء في إطار دستور 1989، فإن الذهاب إلى دستور جديد كان من أولويات الرئيس اليامين زروال الذي أصبح رئيسًا للجمهورية بموجب انتخابات 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995.

ولم ينتظر زروال طويلا ليقدّم "دستوره" للاستفتاء الشعبي عام 1996، وأهم ما جاء فيه تسقيف العهدات الرئاسية بعهدتين، وتأسيس الغرفة الثانية للبرلمانية التي ستكون "صمّام أمان" للجمهورية عند أي فوز لقوى "غير جمهورية" بالانتخابات مثلما جرى في الانتخابات البرلمانية لسنة 1992 الملغاة.

ولم يُعمّر اليامين زروال طويلًا في كرسي الرئاسة لكنّ "دستوره" تواصل طيلة فترة حكم الرئيس بوتفليقة وإن بتعديلات مختلفة.

بوتفليقة الذي كان يردّد إنه لا يريد أن يكون "ربع رئيس ولا ثلاثة أرباع رئيس"، استولى منذ البداية على صلاحيات رئيس الحكومة الدستورية وجعله مجرّد "منسق" بين الوزراء، ولم يدستر الأمر إلا سنة 2008 التي اضطر فيها لإجراءات تعديلات أهمّها فتح "العهدات الرئاسية" من أجل الذهاب إلى عهدة ثالثة وعهدة رابعة وخامسة، وكان قبل ذلك قد أقر تعديلًا طفيفًا سنة 2002، اعتمد بموجبه الأمازيغية لغة وطنية عقب أحداث "الربيع الأمازيغي الأسود" سنة 2001.

ورغم أنه في كل مناسبة كان يكرّر أنه سيعتمد دستورًا جديدًا مختلفًا، إلا أن بوتفليقة أجّل الذهاب إلى مراجعة "عميقة" لدستور زروال إلى سنة 2016، بإدخال كثير من التفاصيل والمواد.

الغريب في دستور بوتفليقة، أنه جعل من الإقامة الدائمة في الجزائر عشر سنوات كاملة شرطًا للترشّح للانتخابات الرئاسية، رغم أنه لم يكن هو نفسه يُقيم في البلاد عشية ترشّحه لأوّل مرة سنة 1999.

والأغرب أنه عاد مرةً أخرى إلى تسقيف العهدات الرئاسية وجعلها عهدة واحدة قابلة للتجديد مرّة واحدة، ورغم ذلك تقدّم لطلب عهدة خامسة لم تتم مع تفجّر الحراك الشعبي في 22 شباط/فبراير 2019.

بلغ التلاعب بالدستور وتغييره وفقًا لأمزجة الرؤساء إلى درجة أصبح عرضة للتلاعب والتأويلات المتناقضة

بلغ التلاعب بالدستور وتغييره وفقًا لمزاج هذا الرئيس أو ذاك، خاصّة مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، إلى درجة أصبح "القانون الأسمى" عرضة للتلاعب، والتأويلات المتناقضة. وبعد كل هذا، هل نحن فعلًا في حاجة إلى دستورٍ جديد؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تعديل الدستور والعجز الدائم في الجزائر

تعديل الدستور في الجزائر.. الوعد المنتظر