17-أغسطس-2019

في شوارع وادي سوف (ديغوستيني/Getty)

تقول الحقيقة العلميّة إنّ تغيّرات جسديّة ونفسيّة تحصل للمرأة البالغة ما يعرف بـ"سنّ اليأس". وهي العتبة العمريّة، التّي تلي مباشرةً توقّفها عن الإنجاب، بتوقّف العادة الشّهريّة، في حدود الخامسة والأربعين، مع إمكانية امتدادها إلى ما بعد ذلك.

 توقف العادة الشّهريّة في سن اليأس يزرع شعورًا عند المرأة بأنّها لم تعد خصبة ومفيدة وقادرة على الجذب والإغراء

معاناة خاصّة

جسديًّا يقول الطّبيب نور الدّين حسّاني لـ"الترا جزائر" يكون الجسد الأنثويّ قد تعوّد، خلال ثلاثة عقود ونصف، على تشكّل البويضات شهريًّا في الرّحم، "فتبقى إحداها عالقة في حالة الحمل، وتسقط كلّها في حالة عدمه، فتقع حالة الحيض. وتوقف هذه العادة فجأةً، عند فوات سنّ الإنجاب، يؤدّي بالجسد إلى المبادرة بالتكيّف، فتشعر صاحبته بأوجاع مختلفة".

اقرأ/ي أيضًا: المرأة الجزائرية.. هل تكفي القوانين للحماية من التنميط؟

ونفسيًّا، حسب الطّبيبة النّفسيّة نبيلة وغّاش، يؤدّي توقف العادة الشّهريّة، التّي ترتبط في ذهن المرأة بأنوثتها إلى الخوف، والاعتقاد بأنّها لم تعد خصبة ومفيدة وقادرة على الجذب والإغراء، "فالأنثى تخاف حين يداهمها الحيض في البداية، لأنّه يضعها أمام حقيقة أنّها كبرت. وتخاف من توقفه لاحقًا، لأنّ ذلك يضعها أمام حقيقة أنّها بلغت سنّ الكهولة، خاصّة إذا لم تنجب أصلًا أو لم تنجب بما يحقّق تشبّعها الأموميّ".

وتشير محدّثة "الترا جزائر"، إلى ظاهرة اجتماعيّة في الجزائر هي أنّ الحديث عن الحيض مجيئًا وذهابًا مخلّ بالحياء، "ممّا يجعله حدثًا مسكوتًا عنه، في محيط المرأة، فتجد نفسها في مواجهة الأمر بمفردها، بكلّ ما يترتّب عنه نفسيًّا وجسديًّا".

من هنا، تدعو نبيلة وغّاش إلى تجاوز هذا المنطق، "وتحسيس الأسرة والمحيط العامّ بأهمّيّة مرافقة المرأة، التّي تبلغ سنّ اليأس، حتّى لا تقع في الكآبة، التّي قد تستمرّ معها، خلال السّنوات القادمة". تسأل: "متى يطوّر الجزائريّون مفهوم العيب ولا يحصرونه في الجسد، خاصّة جسد الأنثى؟ لماذا لا يجدون حرجًا في اقتراف العيوب المتعلّقة بالسّلوك والتّفاخر بها أحيانًا، بينما يعتبرون الحديث عن حاجات الجسد وأزماته عيبًا؟".

تجربة خاصّة

وفي معرض حديثها عن تجربتها الخاصّة، كتبت الشّاعرة والإعلاميّة فاطمة بن شعلال، في تدوينة فيسبوكيّة لها: "ما يعرف بسنّ اليأس ،هو مرحلة متعبة جدًّا في حياة المرأة عند سنّ معينّة، "ليس فقط جسديًّا حيث يظهر الوهن والصّداع والشّعور بالحرارة الخانقة حتّى في عزّ البرد، وهشاشة العظام وفقدان الجسد للكثير من إشراقته وصحّته وقوّته، وإنّما معنويًّا ومزاجيًّا أيضًا وبتفاوت من امرأة إلى أخرى".

تصبح المرأة في هذه المرحلة، تقول بن شعلال، هشّة على الصّعيدين الجسديّ والمعنويّ، فريسة سهلة للمرض وللاكتئاب والشّعور بلاجدوى حياتها والنّرفزة والغضب. سريعة الانكسار والدّموع والحساسيّة لأمور قد لا تستدعي كلّ تلك الحساسيّة خارج هذه المرحلة.

 "وأحيانًا تغدو عدوانيّة أو قاسية في تصرفاتها. وتجدها ضجرة، كثيرة الشّكوى من آلام في مناطق عديدة من جسدها، وهي ليست إطلاقًا آلامًا وهميّة كما يعتقد البعض، وإنّما سببها تغيّرات فزيولوجيّة تحدث للمرأة في هذه المرحلة".

وتخلص فاطمة بن شعلال إلى هذه المناشدة: "يا معشر الأصدقاء، لا سيما الذّكور. حاولوا أن تكونوا أكثر تفهّمًا ولطفًا مع أمّهاتكم وأخواتكم وزوجاتكم وبناتكم وهنّ يخضن هذه المرحلة الصّعبة، وساعدوهنّ على تخطّيها بأقلّ الأضرار، أنا أعيش هذه المرحلة".

جهل خاصّ

اقتحم "الترا جزائر" مجلسًا رجاليًّا وطرح هذا السّؤال: "هل ترافق نفسيًّا زوجتك أو قريباتك اللّواتي يبلغن سنّ اليأس؟". فلاحظ أنّ إدراك ما يقتضي مرافقة نفسيّة، في هذه المحطّة من حياة المرأة، غير كافٍ لدى الأشخاص المشكّلين للمجلس.

وراح البعض يسردون ما لاحظوه على قريباتهنّ سابقًا من علامات. واعترفوا بأنّهم عنّفوهنّ لاعتقادهم أنّهنّ مفتعلات أو تركوهنّ من غير مرافقة.

قال أحدهم، وهو مرشد تربويّ في إحدى المدارس: "نحن لا ننتبه أو لا نتفهم إذا انتبهنا إلى الحالة النّفسيّة للمرأة في حالة وحم، أو في حالة حمل أو في حالة حيض أو في حالة إجهاض، فكيف ننتبه إلى حالتها النّفسيّة، حين تبلغ سنّ اليأس؟".

وتساءل: "لماذا لا يتحدّث الأئمّة والأطبّاء والنّاشطون الجمعويّون عن هذا النّوع من الإهمال؟ لا يكفي أن نضمن للمرأة حقوقًا باسم القانون، إذا لم يصبح الاهتمام بخصوصياتها ثقافة عامّة في أوساط المجتمع".

يُنتظر من الجزائريّات المتعلّمات أن يساهمن في وضع حدّ للجهل المتفشّي في الأوساط الرّجاليّة بخصوص سنّ اليأس

يُنتظر من الجزائريّات المتعلّمات أن يساهمن في وضع حدّ للجهل المتفشّي في الأوساط الرّجاليّة بخصوصيّة سنّ اليأس، خاصّة من خلال مواقع التّواصل الاجتماعيّ، التّي تقول الإحصائيّات إنّهنّ يشكلن نصف المنخرطين فيها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

غضب واسع من تعرية 4 ناشطات في مخفر شرطة.. والأمن: "إجراء وقائي"!

حوار | مسعودة لعريط: خروج المرأة إلى الشارع عزّز دلالات الحِراك