19-أغسطس-2019

تحل شركة هواوي المرتبة الثانية في مبيعات الهاتف النقال بعد سامسونغ (Getty)

أثار تحقيقٌ استقصائي لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، حول تجسّس أعضاء في الحكومة الجزائرية على معارضين سياسيين بمساعدة شركة "هواوي" الصينية، عدّة تساؤلات، إن كان الأمر يتعلّق بوقائع حقيقيّة، أم أن المسألة لا تخرج عن حملة تشويهية يقودها الإعلام الأميركي ضدّ الشركة الصينية التي أصبحت رقمًا صعبًا في مجال التكنولوجيا.

لم تقدّم الصحيفة الأميركية أيّ دليل حول ضلوع الحكومة الصينية أو مسؤولي "هواوي"التنفيذيين في عملية التجسّس

في بلد مثل الجزائر، تتحكّم الحكومة بشكل كامل بقطاع الاتصالات والتكنولوجيا رغم وجود متعاملين خواص، ولذلك يبقى تأكيد الاتهام أو نفيه صعبًا في ظلّ تكتّم السلطات، وعدم التعليق على ما نقله الاستقصاء سالف الذكر.

اقرأ/ي أيضًا: تحذير.. السحر الأزرق يهدد الجزائريين!

بلا تفاصيل

يقول تحقيق الصحيفة الأميركية، إن فنّيين يعملون لصالح شركة "هواوي تكنولوجيز"، ساعدوا أعضاء حكومات في دول أفريقية، في عمليات تجسّس على معارضين سياسيين.

وحسب التحقيق، فإن موظفي شركة "هواوي"، استخدموا حلول المدينة الآمنة (نظام مراقبة بالكاميرات الذكيّة لحماية الأشخاص والممتلكات)، لمساعدة حكومات في الجزائر، وأوغندا، وزامبيا، للتجسّس على معارضين سياسيين.

ولم يرد في التحقيق أسماء المسؤولين الحكوميين الذين أمروا بالقيام بعملية التجسّس، كما لم يذكر أسماء المعارضين السياسيين الذين تم التجسّس عليهم، ما يجعل مصداقيته محلّ تساؤلات واستفهامات.

 ولم يُشر المصدر، إن كان التجسّس في الجزائر، حدث خلال حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أم أنّ العملية تمّت بعد رحيله أو عقب انطلاق حراك 22 فبراير/شباط الماضي.

ولم تقدّم الصحيفة الأميركية التي أجرت التحقيق الاستقصائي، أيّة أدلة حول ضلوع الحكومة الصينية أو مسؤولي "هواوي"التنفيذيين في عملية التجسّس.

"هواوي" تكّذّب..

من جهتها، نفت  شركة "هواوي" صحّة ما جاء في استقصاء الصحيفة الأميركية بشأن الحكومة الجزائرية.

وأعلن فرع الشركة الصينية بالجزائر، في بيان له "نشرت بعض وسائل الإعلام الجزائرية الأربعاء، مقالًا من صحيفة وول ستريت جورنال، تُشير فيه إلى أن موظفي شركة هواوي استخدموا نظام مراقبة، لمساعدة الحكومات الجزائرية والأوغندية والزامبية للتجسّس على معارضين سياسيين".

ودانت "هواوي" ما اعتبرته اتهاماتٍ لا أساس لها من الصحّة. وأردف البيان أن الشركة الصينية "ترفض تمامًا مزاعم وول ستريت جورنال غير المؤكّدة ضدّ أنشطتها التجارية في الجزائر وأوغندا وزامبيا".

وبينت الشركة الصينية أن قواعد سلوك العمل الخاصة بها، تحظر على أيّ موظف المشاركة في أيّ نشاط من شأنه أن يُعرّض البيانات أو خصوصية عملائها أو المستخدمين النهائيين للخطر، أو ينتهك القوانين المعمول بها، مؤكّدة التزامها بالقوانين واللوائح المحليّة في جميع الأسواق التي تعمل فيها، ودفاعها عن سمعتها ضدّ هذه المزاعم التي لا أساس لها من الصحّة. بحسب البيان.

وكانت الشركة الصينية التي بدأت استثماراتها في الجزائر منذ 2006، وقّعت صفقات مع مشغلي الهاتف الجوال الثلاثة في البلاد، وكذا مع المتعامل الحكومي للهاتف والإنترنت الأرضيين، إضافة إلى وجود اتفاقات تعاون مع وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي‎ والبريد والاتصالات السلكية واللاسلكي، خاصّة في مجال التكوين والتدريب.

رأي المشرّع الجزائري

 يسمح قانون الإجراءات الجزائية للجهات الأمنية، بالتنصّت على مكالمات واتصالات الأشخاص، بعد حصولها على إذن من وكيل الجمهورية المحقّق، والتي تكون في حالات معينة وفق ما يسمح به قانون الإجراءات الجزائية الجزائري المعدّل في 2017.

وخصّص القانون، الفصل الرابع كاملًا لهذا الملّف، تحت عنوان "في اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور"، حيث جاء في المادة 65 مكرّر 5، أنه "إذا اقتضت ضرورات التحرّي في الجريمة المتلبس بها أو التحقيق الابتدائي في جرائم المخدرات، أو الجريمة العابرة للحدود الوطنية أو الجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، أو جرائم تبييض الأموال أو الإرهاب أو الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف، وكذا جرائم الفساد، يجوز لوكيل الجمهورية المختصّ أن يأذن باعتراض المراسلات التي تتمّ عن طريق وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية".

ويسمح القانون بـ"وضع الترتيبات التقنية دون موافقة المعنيين من أجل التقاط وتثبيت وبثّ وتسجيل الكلام المتفوّه به بصفة خاصّة أو سريّة".

 وفي حال صدق تحقيق الصحيفة الأميركية، فإن الحكومة الجزائرية، يمكن أن تستخدم تقنيات التجسّس، في نطاق المسموحات المذكورة في المادة السابقة، سواءً  كانوا معارضين أو موالين.

غير أنه خارج المبرّرات السابقة، فإن أيّ اعتراض للمراسلات يكون جريمة يعاقب عليها القانون؛ فالمادة 303 من قانون العقوبات الصادر عام 2006، والذي عُدّل في السنوات الأخيرة، ينصّ على أنه "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى 3 سنوات كلّ من تعمّد المساس بحرمة الحياة الخاصّة للأشخاص، بأيّة تقنية كانت وذلك بالتقاط أو تسجيل أو نقل مكالمات أو أحاديث خاصّة أو سرّية، بغير إذن صاحبها أو رضاه، أو التقاط أو تسجيل أو نقل صورة لشخص في مكان خاص، بغير إذن صاحبها أو رضاه".

حملات مغرضة

يبدو أن الاتهامات التي وُجّهت إلى "هواوي" في الجزائر، قد لا تخرج عن خانة الحرب الذي شنّها الغرب ضدّ المتعامل الصيني، خاصة من قبل فايسبوك، وغوغل، وعدّة مؤسّسات أميركية وأوروبية، بعد التقدمّ التكنولوجي الذي حقّقه الجيل الخامس للتقنية الذي ابتكرته "هواوي"، والذي يسمح بأن تتجاوز سرعة التنزيل من خلال الشبكة الفائقة "1 جيغا بايت في الثانية".

وخلال العامين الأخيرين، أرسلت الولايات المتّحدة دبلوماسيين إلى جميع أنحاء العالم لمطالبة الدول الأخرى بتجنّب التعامل مع شركة "هواوي"، التي تتّهمها ببناء قنوات خلفية في أجهزتها، تتيح للحكومة الصينية إمكانية التجسّس.

وتزعم إدارة الرئيس دونالد ترامب، أن القانون الصيني يُلزم شركة "هواوي" بالتعاون مع وكالات التجسّس في بكين.

واستنادًا إلى طلب أميركي، احتجزت كندا في ديسمبر الماضي، منغ وانزو، المديرة المالية للشركة والابنة الكبرى لمؤسّسها رين شينغفي.

يسمح القانون الجزائري باعتراض المراسلات إذا تتعلّق الأمر بالتحرّي عن الجرائم والمخدّرات واختراق للأنظمة المعلوماتية

سواءً صدق تحقيق الصحيفة الأميركية أو لا، فإن الجزائر في الوقت الحالي تبدو في غنًى عن الدخول في حرب تكنولوجية ليست طرفًا فيها، بالنظر إلى الأوضاع السياسية المتوتّرة، يضاف إلى كلّ هذا، غياب صوت الحقوقيين والمدافعين عن الحرّيات الفردية وحقوق الإنسان في مثل هذه القضايا.

اقرأ/ي أيضًا: 

شاب تونسي يكتشف ثغرات في فيسبوك ويكافأ

معتقدات خاطئة عن فيسبوك