راصد

وجع في وهران.. هذه صرخات سكان حي الصنوبر "بلانتِير" قبل أن تبتلِعهم الأرض

27 أبريل 2025
انزلاق التربة في حي الصنوبر (بلانتير) سابقا بولاية وهران (صورة فيسبوك)
انزلاق التربة في حي الصنوبر (بلانتير) سابقا بولاية وهران (صورة فيسبوك)
فتيحة زماموش
فتيحة زماموش إعلامية وباحثة من الجزائر

في هُدوء فجر هذا اليوم، استفاق سكان حي الصنوبر (المعروف سابقًا باسم "بلانتير") في وهران غرب الجزائر على فاجِعة انزلاق التربة في الحي القصديري بمنطقة تُسمى "أرض الشباط". لكن بالنّسبة للكثير من قاطني هذا الحي المنكُوب، لم يكن سوى الهدوء الذي يسبِق العاصفة.

قبل ثلاثة أيام فقط من الكارثة، وجّه سكان حي "بلانتير سابقًا" نداء استغاثة إلى والي ولاية وهران  جاء فيها: "نناشد السلطات المحلية من أجل التدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة قبل وقوع كارثة..." 

قبل أشهر، كانت صرخاتهم تتعالى في محاولة يائسة لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه. صرخات تُلخّص مأساة قادمة، والتي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية تحت عنوان: "4 قتلى و13 جريحًا في انزلاق أرضي بحي قصديري في وهران"، مع تدخل السلطات المحلية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان من المُمكن تجنّب هذه الكارثة لو أنّ تلك الصرخات قد لقيت آذانًا صاغية؟

72 ساعة قبل انزلاق التربة.. الصرخة المكتومة

من سيدفع ثمن هذا الصمت القاتل؟ قبل ثلاثة أيام فقط من الكارثة، وجّه سكان حي "بلانتير سابقًا" نداء استغاثة إلى والي ولاية وهران ورئيس بلدية سيدي الهواري، في رسالة تحمل أملًا ضعيفًا في تغيير المصير، جاء فيها: "نناشد السلطات المحلية من أجل التدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة قبل وقوع كارثة بشرية لا قدر الله."

هذه الكلمات لم تكن مجرد شكوى أو عريضة روتينية، بل كانت صرخة مدوية مكتوبة بالخوف والقلق، نطق بها سكان حي "بلانتير". 

كان هذا النداء تحذيرًا صارخًا من كارثة وشيكة كانوا يرونها بأعينهم تتشكل مع كل تصدع جديد يزحف على جدران منازلهم، ومع كل تشقق يزداد اتساعًا في طريقهم الرئيسي، ومع كل اهتزاز ينذر بانهيار البنية التحتية التي ترتكز عليها حياتهم.

قبل أسبوع، عاش هؤلاء السكان تحت وطأة قلق مستمر. يقول إسماعيل بن عبد المؤمن، أحد سكان الحي: "لأكثر من ثلاثة أشهر، وقبل شهر رمضان، عشنا في قلق مستمر بسبب تشقق المباني والطريق الرئيسي للحي، وكذلك تصدع البنية التحتية للأرض. هذا التصدع مستمر، ويزداد تأثيره بسبب الأنفاق الموجودة منذ الحقبة الاستعمارية تحت الحي."

كان هذا النداء تحذيرًا صارخًا من كارثة وشيكة كانوا يرونها بأعينهم تتشكل مع كل تصدع جديد يزحف على جدران منازلهم

الوعود كانت كثيرة، كما يشير السكان في تصريحاتهم للإعلام المحلي، وهي مفارقة مؤلمة. فقد تحولت تلك "الصرخة المكتومة" إلى صرخة فزع حقيقية تحت الأنقاض.

فهل سيجد صدى هذه الصرخة آذانًا أكثر إنصاتًا اليوم؟ خاصة وأن عشرات العائلات التي تقطن في سكنات هشة تعرف بـ"السكن الفوضوي" قد تكون على موعد مع كارثة إنسانية أخرى.

 

قبل عام من يوم 27 أفريل 2025 

قبل سنة من الآن وجّه سكان حي "بلانتير" رسالة إلى والي وهران جاء فيها: "نحن في خطر بسبب الانزلاقات الأرضية وسقوط الصخور من طريق سيدي الهواري إلى حي الصنوبر."

بات الوضع يشكل تهديدًا يوميًا للأسر التي تعيش هنا؛ الأطفال الذين يتوجهون يومياً إلى المدارس، وآباء يسعون لكسب رزقهم
 

صرخة ألم.. يُهدد انزلاق التربة بجانب طريق "سيدي الهواري" الذي يؤدي إلى حي "بلانتير" العُلوي سكان الحي، وأصبح مصدرًا يوميًا للقلق والخوف بالنسبة لهم، بالإضافة إلى سقوط الصخور من الجبل المحاذي للحي. 

هذا الوضع المُقلق يفرض تهديدًا مستمرًا على حياة المواطنين الذين يضطرون للاعتماد على هذا الطريق بشكل يومي.
"نحن لا نريد أن نخسر المزيد من الأرواح أو أن تحدث كارثة أمام أعيننا"، هكذا عبر سكان "حي بلونتير" عن مشاعرهم في حديثهم مع المسؤولين. 

بات الوضع يشكل تهديدًا يوميًا للأسر التي تعيش هنا؛ الأطفال الذين يتوجهون يومياً إلى المدارس، وآباء يسعون لكسب رزقهم، وأطباء وممرضون يتنقلون إلى مستشفيات المدينة. الجميع يستخدم الطريق نفسه، ولكن لا يعرفون متى ستحدث الكارثة.

خُطط للإنقاذ
من جهتها، أفادت مصادر من بلدية وهران أنّ الوضع أصبح يتطلب تدخلًا عاجلًا. ووضعت البلدية المخطط الاستعجالي الموجه للحي، في إطار إنقاذه، ويتضمن إعادة تهيئة الطرقات وترحيل السكان من البيوت الهشّة التي انتشرت في وهران، ولا يزال هذا التدخل قيد الدراسة والتنفيذ، في محاولة لحماية السكان وتأمين حياتهم.

حي " بلانتير" بوهران

 

الهامشية.. حي الصنوبر معاناة مستمرة 

السكنات الفوضوية التي بنيت على أطراف حي "بلانتير" تمثل تجمُّعات سكنية نمت وتوسعت بشكل غير منظم، حيث تم الاستيلاء على أراضٍ بطرق غير قانونية. هذه المباني، التي غالبًا ما تُشيد على أطراف الحي العتيق، تظهر ككتل متراصة من الأكواخ والمساكن المؤقتة التي تعكس الصورة القاسية للعيش في ظروف غير إنسانية.

المثير للانتباه أنّ هذه السكنات بُنيت على أراضٍ تفتقر إلى أدنى شروط الحياة الأساسية. فغالبًا ما تكون هذه المنازل غير مربوطة بشبكات الكهرباء والغاز والماء.

كما تفتقر إلى المرافق الاجتماعية والصحية الأساسية التي تُعتبر حقًا من حقوق المواطنين. كما يسكنها غالبًا الطبقات الفقيرة التي تعاني من ظروف معيشية قاسية.

عوامل اجتماعية

بالنّسبة للسكن الفوضوي في الجزائر، فإنه يعد نتيجة لعوامل اجتماعية وسياسية مرت بها البلاد، وخاصة في الفترة الأمنية العصيبة التي شهدتها الجزائر. حيث تسببت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في انتشار هذا النوع من السكن، في غياب تام للرقابة والتنظيم.
أما بالنسبة للحياة الاجتماعية في حي "بلانتير"، فإن السكان يعانون من عزلة شديدة، وقد ازدادت حدتها مع تدهور الطرق والمرافق. هذه العزلة أثرت بشكل كبير على حياة السكان اليومية، مما جعلهم يشعرون بتهميش متزايد وعدم القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية.

الاحتياجات الإنسانية أولًا

السكان هُنا ليسوا مجرد أرقام في تقرير حكومي، بل هم أناس حقيقيون يواجهون تحديات يومية وصعوبات مستمرة. فالأطفال يذهبون إلى المدرسة في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يعبرون طرقًا متهالكة تهدد حياتهم في كل لحظة. أما العائلات، فهي تتحمل عبء الخوف المستمر من الانزلاقات الأرضية التي قد تودي بحياتهم في أي وقت.
لكن تبقى الحاجة مُلِحَّة لتدخل فوري من المسؤولين لإنقاذ هذا الحي التاريخي، وضمان سلامة السكان، وإنقاذهم من الكارثة التي باتت تهددهم بشكل يومي. هذا التدخل ليس فقط أمرًا إنسانيًا، بل هو مسؤولية وطنية لحماية أرواح المواطنين والحفاظ على حياة عائلاتهم.

منذ 2017 .. الترحيل بحي الصنوبر بالأرقام

  • تم ترحيل 1300 عائلة كانت تقطن في رأس العين بحي الصنوبر إلى المجمع السكني الجديد في وادي تليلات.
  • تم إعادة إسكان 700 عائلة واستكمال الحصة الموجهة لسكان "بلانتير"، والمقدرة بـ 2000  وحدة سكنية جاهزة.

قبل 5 سنوات.. المُفارقات 

في شهر فبراير 2020، أقدمت السلطات المحلية ببلدية وهران على هدم 25 بناية فوضوية في حي "الصنوبر"، وذلك في إطار جهودها لمحاربة البناء العشوائي والتوسع غير القانوني لما يُعرف بـ"البيوت القصديرية". 

وقد أكدت تصريحات المسؤولين حينها أنّ هذه العملية كانت تهدف إلى تحسين الطابع العمراني للمدينة والتصدي للتوسع غير المنظم الذي شوه مظهرها.

  1. مفارقة التوسع العشوائي

لكن، ورغم هذه الخطوة، لم تتمكن العملية من إيقاف التوسع العشوائي، حيث استمر العشرات من السكان في بناء سكنات جديدة والتمدد على حساب الحي القديم الذي يعود تاريخه إلى الفترة الاستعمارية. هذا الواقع يثير العديد من الأسئلة حول المسؤولية المدنية للمسؤولين المحليين في الإشراف على التنظيم العمراني وحماية الأحياء القديمة من التوسع الفوضوي.

  1. مفارقة إهمال العمران الفوضوي

يطرح هذا الوضع تساؤلات حول مدى جدية السلطات المحلية في محاربة التوسع العمراني العشوائي، ومدى التزامها بمواجهة الإهمال العمراني الذي يؤدي إلى تدهور الحيز الحضري على حساب الحفاظ على الأحياء التاريخية.

 

الكلمات المفتاحية

حملة تنظيف المقابر في الجزائر

صور وطلاسم حملات تنظيف المقابر تثير جدلًا واسعًا.. ومثقفون: توقفوا عن تعليق الخيبات على مشجب السحر

تشهد الجزائر منذ أسابيع حملات مكثفة لتنظيف المقابر اجتاحت كل الولايات، بترويج واسع النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تحوّل الموضوع من مجرد مبادرات تحرص على العناية والنظافة، إلى هوس شعبي، بما يعتقد أنها أعمال سحر وشعوذة تغزو هذه الأماكن، بفعل ما يتم اكتشافه من طلاسم وصور ورموز، في تعبير عما يصفه البعض ب"الانتشار المرضي" لمثل هذه الاعتقادات في المجتمع.


جامعة الجزائر 3

على خلفية قضية أستاذ التاريخ محمد الأمين بلغيث.. الحريات الأكاديمية تحت الاختِبار

تعرِف الساحة الجامعية والأكاديمية في الجزائر جدلاً جديدًا يُثير الانتباه في أعقاب قرار من جامعة الشلف (غرب) الذي يمنع أساتذة قسم التاريخ من الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام الأجنبية دون الحصول على ترخيص مُسبق من إدارة الجامعة.


محَاذير.. بين تصريحات الباحث في التاريخ بلغيث وتصاعُد خِطاب الكراهية

محَاذير.. بين تصريحات الباحث في التاريخ بلغيث وتصاعُد خِطاب الكراهية

تُشبه اللّغة المشحونة على منصات التواصل الاجتماعي مَن يتجرّع السمّ وهو يظن أن غيره سيهلك به؛ إذ يتسرّب أثرها ببطء إلى الوعي الجمعي حتى تُميت روح التعايش مثل كُرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت ويصعُب تداركها.


بلغيث

"يتكلم بلسان الموساد".. هجوم حادٌّ على المؤرخ محمد الأمين بلغيث بعد ربطه الأمازيغية بالفرنسية والصهيونية

لم يلبث المؤرخ محمد الأمين بلغيث، بعد فترة من التواري، أن فجّر الجدل من جديد، بحديثه عن أطروحاته التي ينكر فيها البعد الأمازيغي للجزائر ويستدعي فيها فرضيات تاريخية تشير إلى الهوية العربية للبربر الذين يسكنون هذه الأرض من آلاف السنين.

كيليا نمور_0.jpg
رياضة

تغييرات مصيرية في مسار كيليا نمور تحضيراً لأولمبياد 2028.. وخط الرياضة يسير مع الفن والتأثير

أعلنت البطلة الأولمبية الجزائرية كيليا نمور عن مرحلة جديدة في مسيرتها الرياضية، تتمثل في تغيير ناديها ومدربها استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية المقررة في لوس أنجلوس عام 2028، حيث ستخوض هذا التحدي الكبير تحت الراية الجزائرية.

الصحفي رؤوف حرز الله
أخبار

قضية منع الصحفي رؤوف حرز الله من السفر تتفاعل.. منظمات حقوقية تندد ووزير الاتصال يلجأ للقضاء

أكدت منظمة شعاع الحقوقية أن قرار منع الصحفي الجزائري عبد الرؤوف حرز الله من السفر، دون إشعار رسمي أو إجراءات قضائية معلنة، يعدّ انتهاكاً صارخاً للضمانات القانونية والدستورية التي تكفل حرية التنقل وحقوق المواطنين الأساسية.


دومينيك دوفيلبان, رئيس الحكومة الفرنسية سابقا
أخبار

دومينيك دوفيلبان يهاجم "الخطاب الحربي" لبرونو روتايو ضد الجزائر.. ويشيد بجورجيا ميلوني

انتقد رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، بشدة الخطاب العدائي تجاه الجزائر الذي تبناه بعض السياسيين الفرنسيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو ريتايو، محذرًا من العواقب الخطيرة لهذا النهج الذي وصفه بـ"الخطاب الحربي" وغير الواقعي.

طلبة الجامعي
أخبار

إصلاح نمط تكوين الدكتوراه.. هل هي خُطوة لتصحيح المسار الأكاديمي؟

تنجه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إحداث تغيير جوهري في نمط التكوين في طور الدكتوراه، من خلال اعتماد نموذج "مضاف الدكتوراه"، الذي يهدف إلى ربط التكوين بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.

الأكثر قراءة

1
أخبار

هل خسرت رونو 120 مليون أورو في الجزائر؟ وزير الصناعة الأسبق يكشف معطيات جديدة


2
أخبار

النيجر ستستقبل 4 آلاف مهاجر رُحّلوا من الجزائر دعمًا لبرنامج "الإعادة إلى الوطن"


3
أخبار

تصعيدٌ مستمر بين البلدين.. الجزائر ترد على فرنسا بشأن فرض التأشيرات على حاملي الجوازات الدبلوماسية


4
اقتصاد

مشروع قانون المناجم في طريقه للتمرير.. مخاوف المعارضة تتوسع من "رهن الثروات الوطنية" و"التبعية للخارج"


5
ثقافة وفنون

الحسناوي وفاظمة.. قصة حب لم يقتلها المنفى وخلدتها الأغاني