بعيدًا عن مشاكل قطاع التربية المتعلقة بالمناهج الدراسية والاكتظاظ داخل الأقسام، تطرح مشكلة القانون الأساسي لعمال القطاع أسئلة كثيرة، حول عملية الشد والجذب بين وزارة التربية الوطنية ونقابات التربية، حيث يتوقع نقابيو القطاع صدور القانون الأساسي قبل نهاية هذه السنة، منسجمًا مع مطالبهم الاجتماعية والمهنية وتطلعاتهم في التعويضات، ومنح المعلمين المكانة التي يستحقونها.
رغم غياب الاحتجاجات والإضرابات عن قطاع التربية بشكلٍ لافت في السنوات الأخيرة إلا أن القانون الأساسي لعمال التربية يضع القطاع على صفيح ساخن
تعهد وزير التربية الوطنية الجديد محمد صغير سعداوي في لقائه الأخير مع الشركاء الاجتماعيين على صدور القانون الأساسي لعمال القطاع في آجاله المحددة، وهو التشريع التنظيمي الذي ينتظر أن يساهم في استقرار الأوضاع داخل السلك التعليمي الذي طال انتظاره لهذه الخطوة الحكومية.
ورغم أن الاحتجاجات قد غابت عن قطاع التربية بشكل لافت في السنوات الأخيرة، وحتى الإضرابات التي كانت تشن اقتصرت الاستجابة إليها على عدد محدد من التربويين، إلا أن المشاكل العالقة وعلى رأسها القانون الأساسي لعمال التربية، تجعل قطاع التربية على الدوام يعيش على صفيح ساخن، حسب شركاء اجتماعيين.
صفحة جديدة؟
يأمل الشركاء الاجتماعيون أن يكون التغيير الذي حدث على رأس وزارة التربية بتعيين وزير جديد بداية لنزع العوائق التي أجلت صدور القانون الأساسي منذ مدة وتأخيره حتى نهاية العام الجاري كما وعد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وبالخصوص بعد أن حرص الوزير الجديد محمد صغير سعداوي على بداية مهمته بلقاء النقابات الممثلة لمختلف الأسلاك التربوية.
وقال سعداوي إن "الحوار مع الشركاء الاجتماعيين والعمل التشاركي هو السبيل الأنجع من أجل الوصول إلى تصوّر سليم لتسيير القطاع، قصد معالجة النقائص إن وجدت وتعزيز نقاط القوة بالاستناد إلى المبادئ والقواعد التي جسّدتها قوانين الجمهورية".
وشدّد الوزير على "أهمية عقد جلسات منتظمة مع الشريك الاجتماعي، لأن الاستماع إلى آراءِ واقتراحاتِ الطرف الأخر يساهم في تحسين الأداء"، معلنًا عن وضع برنامج دوري للتواصل مع النقابات لضمان التنسيق المستمر في القضايا المتعلقة بالجانب الاجتماعي لمستخدمي القطاع.
واتفق الجانبان على عقد لقاءات انفرادية مع كل نقابة للاستماع إلى انشغالاتها، وهي اللقاءات التي انطلقت الخميس الماضي، وهو ما تراه النقابات فرصة للتذكير بأهمية إصدار القانون الأساسي لعمال التربية في أقرب وقت.
إلى هنا، قال رئيس المنظمة الجزائرية لأساتذة التربية (مجال) بوجمعة شيهوب، إن الوزير السابق عبد الحكيم بلعابد كان من العوامل التي عرقلت خروج القانون الأساسي لعمال التربية إلى النور، بالنظر إلى أنه كان يصر على تقديم نسخة تتعارض مع ما كان يطلبه رئيس الجمهورية الذي تعهد بإعطاء المعلم والمربي المكانة التي يستحقها، مشيرًا إلى أنه كان يفضل نقابة على أخرى، باجتماع مع بعضها ليلًا.
وكشف شيهوب في حديثه مع "الترا جزائر"، أن القانون الأساسي المقدم من قبل الوزير بلعابد قد رفض مرتين خلال عرضه في اجتماع مجلس الوزراء، كون الوزير كان يصّر على تقديم مشروع قانون لا يتلاءم مع تطلعات القائمين في قطاع التربية.
ولم يتردد شيهوب في التعبير عن أمله أن تكون الإدارة الوزارية الجديدة مختلفة تمام الاختلاف عما كان يحدث في عهد الوزير بلعابد، خاصة بعد النظرة الإيجابية التي طبعت أول لقاء جمع بين الشركاء الاجتماعيين والوزير الجديد.
تكتم؟
تؤكد جميع النقابات أن القانون الأساسي كان ضمن الملفات الرئيسية التي تم طرحها خلال اللقاء الأول مع الوزير الجديد، وكذا خلال اللقاءات الانفرادية التي انطلقت الخميس الماضي، إلا أن بيانات الوزارة لا تذكر هذا الملف حتى اليوم بالاسم، وفق ما يتضمنه ما تنشره على صفحتها في فيسبوك.
ولم تتضمن البيانات الثلاثة التي نشرتها الوزارة على صفحتها والمتعلقة بالاستقبال الأول للنقابات مجتمعة أي جملة بشأن القانون الأساسي، والمتمثلة في اللقاء الأول الذي جرى يوم 30 تشرين الأول/نوفمبر الماضي بين الوزير مع ممثلي المنظمات النقابية المعتمدة في لقاء اعتبرته الوزارة أنه "تعارفي ترحيبي".
أما البيانان الآخران، فيتعلقان باللقاء الأول مع النقابات كل واحدة على حدى، والذي انطلق الخميس الماضي، باستقبال أعضاء من الاتحادية الوطنية لعمال التربية المنضوية تحت لواء المركزية النقابية، والذي اتبع بعدها باستقبال أول نقابة مستقلة متمثلة في الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين.
واكتفت منشورات الوزارة بعبارات تلميحية متعلقة بالقانون الأساسي دون ذكره بالاسم رغم أهميته لعمال التربية، حيث جاء في بيان استقبال الاتحادية الوطنية لعمال التربوية أن " الوزير أكد أن هذه اللقاءات الثنائية مع الشريك الاجتماعي تشكل فضاءً للتشاور حول المسائل المهنية الاجتماعية المرتبطة بموظفي القطاع، وفرصة لطرح الانشغالات ومناقشتها بغية التكفل بها في إطار التشريع المعمول به"، وهو التلميح نفسه الذي تضمنه البيان المتعلق باستقبال الوزير للاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين.
وأمر الرئيس عبد المجيد تبون في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 22 أيلول/سبتمبر الماضي " باحترام التزامه المتعلق بإصدار القانون الأساسي لقطاع التربية قبل نهاية السنة".
إصرار النقابات
وعلى عكس بيانات الوزارة، فإن النقابات تصر في تصريحاتها سواء المكتوبة أو الشفهية على ضرورة إصدار القانون الأساسي في الموعد الذي أمر به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
وجاء في بيان للاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين "انباف" بحوزة "الترا جزائر" أن القانون الأساسي والنظام التعويضي شكلًا أحد المحاور التي نوقشت بين النقابة والوزير خلال لقاء الخميس الماضي.
وشدد "أنباف" على "ضرورة الإفراج على القانون الخاص والنظام التعويضي في الأجل الذي تعهد به رئيس الجمهورية، مع الأخذ يعين الاعتبار الأثر الرجعي للمرسوم الرئاسي رقم 14/266".
وذكر الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين بـ"المبادئ التي رفعها عبر اللجنة التقنية الوزارية المشتركة وعلى رأسها توحيد التصنيف بين أسلاك التدريس والإدارة والتفتيش، وتخفيض الحجم الساعي في جميع الأطوار".
وأضاف بيان الاتحاد "من أجل تحسين القدرة الشرائية لموظفي القطاع ، ألح الاتحاد على أن يكون النظام التعويضي محفزًا للجميع الأسلاك بدون تمييز، مطالبًا بتثمين كل المنح والتعويضات، وعلى رأسها منحة الأداء والمعالجة البيداغوجية مع استحداث منحتي الأستاذية والتأطير".
وتتخوف النقابات من أن يحمل القانون الأساسي الجديد إجحافًا في حق بعض الأسلاك، وبالخصوص في جانبه المتعلق بين فئتي التدريس والإدارة، حيث يتهم قانون 2012 أنه خدم الأساتذة أكثر من الإداريين، بالنظر إلى أن النقابات التي كان لها تأثير ميداني وقتها وتمكنت من جعل الوزارة تأخذ مطالبها على محمل الجد هي نقابات الأساتذة، وهو ما تسبب -حسب البعض- في عدم التحمس بعدها للترقية من فئات التدريس إلى أسلاك التسيير.
في مقابل ذلك، هذه النقابات أنه على الوزارة أن تجعل على الدوام الأستاذ في أعلى المراتب والاهتمام، كونه أساس العملية التعليمية التي يرتبط نجاحها بتمكينه من جميع حقوقه ومنحه الامتيازات والحوافز اللازمة التي تساعده على تحسين مستوى التعليم في البلاد، وبالخصوص في العصري الحالي.
هنا، شدد رئيس المنظمة الجزائرية لأساتذة التربية (مجال) بوجمعة شيهوب في حديثه مع "الترا جزائر" على ضرورة إنصاف الأستاذ في النسخة المرتقبة من القانون الأساسي، مشيرًا إلى أن "الوزير السابق كان يسعى للإضرار بفئة الأساتذة، وبالتحديد الأستاذ المكون في جميع الأطوار التعليمية، رغم أن هذا الأستاذ يعد مرجعًا في العملية البيداغوجية والتكوينية، لكن الوزير كان يسعى إلى حرمانه من الترقية، لأن هدفه كان هدم المنظومة التربوية، وهو ما جعل الرئيس يرفض ما جاء في القانون الأساسي المقدم له خلال اجتماعين لمجلس الوزراء".
رغم أن الغموض ما يزال يكتنف هذا الملف، إلا أن نقابات التربية ما تزال تتوقع صدوره قبل نهاية هذا العام
ورغم أن الغموض ما يزال يكتنف هذا الملف، إلا أن نقابات التربية ما تزال تتوقع صدوره قبل نهاية هذا العام، خاصة مع بدء الوزير الجديد في لقاءات مع الشركاء الاجتماعيين، والتي ينتظر أن تعالج نقاط الخلاف بين الوصاية والنقابات حول بعض مضامين القانون الأساسي الذي لم تطرح نسخته النهائية على ممثلي الأساتذة للتعليق عليها حتى الآن.