16-مارس-2020

التقسيم الإداري الجزائري من مخلفات الفترة الكولونيالية (فيسبوك/الترا جزائر)

تداول روّاد منصات التواصل الاجتماعي، فيديو لخرجة ميدانية قام بها والي ولاية مستغانم غرب العاصمة، واستهجن متابعو الفيديو سلوك الوالي معتبرين تصرفه إهانة لمواطن مسن ومواطنة من الأحياء الفقيرة.

يمتلك الوالي صلاحيات واسعة بقوّة القانون ويتمتّع بسلطات المتابعة والمراقبة والتنظيم

أثار الفيديو الذي ظهر فيه الوالي، جدلًا سياسيًا حول التنظيم المركزي والإداري الحالي، وموقع الوالي في هرم السلطة، وحدود صلاحياته الدستورية، إضافة إلى علاقة مؤسّسة الوالي الإدارية مع المنتخبين المحليين، وأعضاء المجالس الولائية المنتخبة، وأيّهما أكثر تمثيلها، ومن منهم يملك أكثر شرعية.

اقرأ/ي أيضًا: والي العاصمة يكرّس هيمنة الإدارة على المنتخبين

 في السياق ذاته، دعت أطراف سياسية وحقوقية، إلى إعادة النظر كليًا في نظام الإدارة المحليّة، لإنهاء التداخل القائم بين المعين والمنتخب، والحدّ من سلطات الإدارة المركزية، لتعود العلاقة بين المواطن وأجهزة الدولة.

سلطات موسّعة

يمتلك الوالي صلاحيات واسعة بقوّة القانون، حيث يتمتّع بسلطات المتابعة والمراقبة والتنظيم، وينفّذ المشاريع الحكومية داخل حدود ولايته الترابية، إضافة إلى صلاحيات رفض أو قبول أي مشروع، ويعد الوالي ممثلًا لرئيس الجمهورية إقليميًا، إذ يترأّس اللجنة الأمنية، ويعد ميزانية الولاية، وهو الآمر بصرفها، إضافة الى الصلاحيات الإدارية والتنظيمية.

الجهاز السياسي

 يُعدُّ الوالي، بمثابة الجهاز السياسي للنظام المركزي، حيث يتدخّل في الشأن الحزبي والجمعوي وحتّى الثقافي، فيعمل على تضييق المساحات والفضاءات للأحزاب المعارضة، ويحرص على إقامة شبكة علاقات ومساندة، ودعم جمعيات وأحزاب مساندة للسلطة السياسية، وهذا قصد التعبئة الجماهيرية تنفيذًا لسيناريوهات الحكومة، ولطالما اشتكت أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية، من الحرمان من إقامة نشاطات ميدانية وتجمّعات شعبية، بعد رفض مديرية التنظيم والمنازعات تسليم رخصة النشاط.

وخلال كل استحقاقٍ انتخابي، توجه جمعيات سياسية أصابع الاتهام إلى الوالي وإدارته المحليّة في عملية التزوير الانتخابي.  

تنظيم إداري من الحقبة الاستعمارية 

يعتبر نموذج التقسيم الإداري الجزائري، من مخلفات  الفترة الكولونيالية، بحيث حافظت الجزائر على النمط الإداري والتقسيم الإقليمي، فمع نهاية العهد الاستعماري كان بالجزائر 15 عمالة يرأسها الوالي، لتُوسّع الأقاليم بعد الاستقلال تحت مسمّى الولاية، حفاظًا على النمط اليعقوبي الفرنسي.

المركزية الإدارية

في هذا السياق، أوضح أستاذ القانون فيصل بوصعيدة، أن منصب الوالي هو تجسيد للمركزية الإدارية، بينما الأصل في اللامركزية الإدارية قانونًا هو الانتخاب.

وأشار بوصعيدة في حديث إلى "الترا جزائر"، أن نظام الوالي ليس خطيرًا فقط لأنه يوسّع صلاحيات الوالي في تمثيل الدولة، كاشفًا أن تعيين الوالي لا زال لحد الآن غير خاضع لأيّة معايير موضوعية، عدا ما جاء في المادة 13 من المرسوم التنفيذي رقم 230-90، على أنه يعيّن من بين الكتاب العامين للولايات ورؤساء الدوائر، غير أنه يمكن تعيين خمسة في المائة منهم، من خارج هاذين السلكين.

 وأوضح المتحدّث أنه من الغريب عدم خضوع إجراءات التعيين في هذا المنصب لأيّ معايير، إذ يجب أن يتمّ إصدار مرسوم خاصٍّ بسلك الولاة لتحديد كل ما يتعلق بهم.

وبخصوص إمكانية استحداث اقتراع عام لانتخاب الولاة، أفاد المتحدّث أن انتخاب الوالي يتوافق أولًا مع اللامركزية، وثانيًا هو تجسيد للديمقراطية المحليّة، أمّا التعيين فالمفروض أن يكون مؤقتا واستثنائيًا، وشدّد على ضرورة إصدار المرسوم المحدّد لمهام سلك الولاة، لوضع التوازن بين سلطة الوالي ومهام المنتخبين.

في السياق نفسه، دعا بوعصيدة إلى تقليص صلاحيات الولاة، بناء على اتفاق بين القانونيين يقضي بوجوب الحد من تغول السلطة التنفيذية، للمرور إلى دولة القانون.

الوالي والمنتخب

تجدر الإشارة، إلى أن  عدّة ولايات قد شهدت حالة من الانسداد بسبب الصراع بين الجهاز التنفيذي، ممثلًا في الولاة والمجالس الولائية المنتخبة، أو مع بعض رؤساء البلديات، وتعود كلمة الفصل إلى الولاة عبر إقالة رؤساء البلدية، أو ربط تحالفات مع أحزاب سياسية قصد تعيين رئيس المجلس الولائي من الموالاة.

و في هذا الشأن، يرى قانونيون أنه اعتمادًا على المبدأ العام، لا يجوز للمعيّن إقالة المنتخبين، وفق مبدأ القانون في توازي الإشكال، والذي يقرّر من خلاله أن من يعين هو من يقيل أو يرقّي وليس من يُنتخب.

كتب الوالي السابق بشير فريك كتابًا بعنوان "الولاة في الجزائر في خدمة من؟"

 على العموم، تتجاوز مسألة منصب الولاة الطابع التنظيمي والتقسيم الإداري المحلّي إلى المستوى السياسي، هنا كتب الوالي السابق بشير فريك كتابًا بعنوان "الولاة في الجزائر في خدمة من؟"، ليطرح  من خلاله مقاربة سياسية وليست تقنية، حول مهام سلك الولاة وعلاقاتها بالنظام السياسي وشبكات المال والفساد وتزوير الانتخابات، إضافة إلى التضييق على الحرّيات الجمعوية والسياسية. يفرض نظام المشاركة السياسية اليوم تعيين ممثلين للشعب، من أبسط مسؤول إلى أعلى مسؤولية، خاضعة للمراقبة الشعبية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"الأرسيدي" يردّ: منعُنا من استغلال المقرّ لم يحدث حتى في زمن بوتفليقة

أهان مواطنًا بسبب ملابسه.. جزائريون يطالبون بإقالة والي مستغانم