30-مارس-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

انقضت مائة يوم الأولى من حكم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، منذ تنصيبه في الـ 19 كانون الأول/ديسمبر 2019، وإلى غاية 28 آذار/ مارس 2020، حيث شهدت خلالها البلاد تفاعلات سياسية واجتماعية واقتصادية، مع خطط الرئيس التي طرحها للإصلاح السياسي والدستوري، وعودة الجزائر إلى المشهد الإقليمي، دون تحقيق تقدّم كبير في علاقة السلطة بالحراك الشعبي .

منذ بداية حكمه، لم يتمكن الرئيس تبون من إخماد فوران الشارع الرافض لجملة الوعود لتي تقدم بها

تبون غليان الشارع

برغم بروز أزمة نفطية وأزمة وبائية بتفشي فيروس كورنا، وانعكاساتها على أسعار المحروقات، والتغيّرات العاجلة في أداء سلطة سياسية لا تتيح إجراء تقييم موضوعي للمائة يوم الأولى من فترة حكم الرئيس تبون، فإنّ هذه الفترة، شهدت محاولة الرئيس إحداث اختراق على مستويين سياسيين؛ الأوّل على صعيد جبهة المعارضة السياسية والمدنية، إذ التقى تبون بعددٍ من الشخصيات من المعارضة، أمثال رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، ووزير الاتصال عبد العزيز رحابي، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، وغيرهم من الشخصيات. أما الثاني، فهو على مستوى المبادرة الدستورية، إذ شكّل لجنة خبراء لمراجعة الدستور، والتي سلمت له مسودّة قبل أيام.

اقرأ/ي أيضًا: تبون يصف فترة بوتفليقة بـ"العهد البائد"

ومنذ بداية حكمه، لم يتمكّن الرئيس تبون من إخماد فوران الشارع الرافض لجملة الوعود لتي تقدم بها، رغم تلويحه بأهميّة فتح الحوار مع النشطاء، وإبداء رغبته في لملمة أصوات الرافضين لبرنامجه السياسي منذ انتخابات نهاية السنة الماضية، وهو مؤشر لبقاء الشارع في حالة غليان، في حال ما إذا لم تتضح معالم التغيير بجدية تزامنا مع الإبقاء على بعض النشطاء الفاعلين في الحراك الشعبي وراء القضبان والحكم عليه بالسجن، واستمرار تكميم الأفواه المعارضة لسياسته في الشارع رغم أن تبون  اعترف في كذا من مرة أن " الحراك مبارك" وأن الانتخابات ما هي إلا ثمرة من ثمرات الحراك.

على مستوى الحرّيات، لم يتحرّك هذا المجال نحو الأمام، في الفترة الأولى من حكم تبون، رغم الوعود التي تقدم بها الرئيس سواءً في حملته الانتخابية، أو عند تقلد سدّة الحكم، والتي تتمظهر من خلال استمرار القمع المسلط على حرّية الكلمة والتعبير، واعتقال النشطاء والصحافيين، خصوصًا من البارزين في الحراك الشعبي الذي عرفته الجزائر منذ أزيد من عام، وإصدار أحكام وُصفت بالجائرة في حقّهم.

فضاء الحرّيات يضيق

من خلال المحاكمات التي طالت ناشطين وسياسيين، يبدو أن هذه االفترة التي تعدّت ثلاثة أشهر، يمكن تقييمها بأنّها كانت فترة عصيبة على السلطة والشعب على حدّ سواء، خصوصًا وأن معايير الحرّيات، تقاس من خلال الفضاء المتاح للحرّيات بحسب المحامية سعيدة آيت حمي، في تصريح لـ "الترا جزائر"، مضيفة أن الوصول إلى الحرّيات المتاحة للفعل الديمقراطي في الجزائر، لم يحن وقتها بعد رغم الوعود الكبرى للرئيس منذ اعتلاءه قصر المرادية.

المظهر الثاني في مجال الحرّيات، هو الحق في التظاهر الذي بات ممنوعًا في الجزائر وسجن الناشطين السياسيين، من أمثال فضيل بومالة، وكريم طابو، وغيرهم من الأسماء التي باتت اليوم تطرح علامات استفهام حول سبب تراجع الحرّيات، تقول المحامين آيت حمي.

وعلى مستوى الاتصال، تطوّرت السياسة الاتصالية للحكومة والرئاسة، إذ برزت بقوّة في الأشهر الأولى من حكم الرئيس تبون على غرار الحوارات في التلفزيون التي أجراها الرئيس، لعرض وجهة نظره حيال عدّة تساؤلات في شتّى المجالات، فضلًا عن استقبال الصحافيين من مختلف المؤسّسات الإعلامية العمومية والخاصّة، علاوة على السياسة التواصلية للرئيس سواءً على حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، أو على صفحة الرئاسة في موقع فيسبوك.

اللافت، أن حلقة الاتصال بين الرئاسة والمواطن لمدّة تزيد عن سبع سنوات كانت مفقودة، بحسب الأستاذ في الإعلام خالد دراجي، إذ اتصل هذا الانقطاع بسبب مرض الرئيس و"سياسة الغلق التي كانت تمارسها مؤسّسة الرئاسة/ على مختلف أخبار الرئاسة والرئيس في فترة بوتفليقة، مضيفًا في حديث إلى "الترا جزائر"، "أننا كنا نشاهد الرئيس في صور من التلفزيون الجزائري وبيانات رسمية  جافة".

لمسة داخلية لكسب المواطن

في الشأن العام الداخلي، دفع الرئيس تبون خلال المائة يوم الأولى للحكومة والمسؤولين، إلى تبنّي نمط وأسلوب جديد في إدارة الشأن العام لمتابعة انشغالات المواطن والعمل بفعالية لإيجاد حلول لمشكلاتهم اليومية.

وفي هذا المجال، برز الوزراء في زيارتهم الميدانية، للالتقاء بالمواطنين في الداخل الجزائري، إذ تحدّث الرئيس تبون على ضرورة الالتفات إلى "مناطق الظلّ" في الجزائر العميقة، من القرى المعزولة والتي تفتقر إلى ظروف الحياة الكريمة.

اقتصاديًا، طرح الرئيس تبون رؤية جديدة للاقتصاد الجزائري، بإخراج البلاد من اقتصاد الريع، اذ اقترح تطوير الصناعة، واقتراح إنشاء مؤسّسات جديدة كالمؤسسّات الناشئة والتكنولوجية.

لكن هذا المقترح برأي الاقتصاديين، لم يحقّق بعد أي مستوى، إذ يعتبر الخبير الاقتصادي الأستاذ عمار فلاح في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن هذه الخطوة الاقتصادية تحتاج إلى مخطط متوسط المدى وطويل المدى، لافتًا في تصريح لـ "الترا جزائر"، إلى أن تنفيذها في أرض الواقع يتطلّب أولًا تحديد المجالات التي ترتكز عليها، ومدى إمكانية إطلاقها فعليًا، ومدى مردودها إيجابيًا على مستوى الاقتصاد الجزائري.

 

دور خارجي فاعل

في الشأن الخارجي، حصل تطوّر في الملف الخارجي، إذ استعادت الجزائر دورها الإقليمي في مناقشة مشكلات المنطقة مثل ليبيا والمالي، علاوة على استقبال الجزائر لعدد من رؤساء الدول، وشارك الرئيس تبون في مؤتمر دولي ببرلين حول الأزمة الليبية، علاوة على زيارة دولة للملكة العربية السعودية، وهي مؤشرات إيجابية بحسب الأستاذ في العلوم السياسية خالد لونيس في حديث إلى "الترا جزائر"، معتبرًا أن الجزائر لم يكن لها هذا الدور خلال السبع سنوات الأخيرة، في فترة بوتفليقة، موضحًا أن هذا المؤشّر من شأنه أن يرفع أسهم الجزائر مستقبلًا، كلعب دور محوري في حلّ الأزمات وفي إنشاء علاقات قوية.

من المبكّر الحكم على فترة المائة يوم الأولى التي حكم فيها الرئيس تبون، بسبب أزمة النفط والأزمة الوبائية

من المبكّر الحكم على فترة المائة يوم الأولى التي حكم فيها الرئيس تبون، بسبب أزمتي النفط والوباء، ما دفعه إلى تغيير أجندته السياسية والاقتصادية التي كانت في هرم أولوياته، ولكن في الوقت نفسه، كان يمكن أن تكون هذه الأزمات فرصة أخرى للرئيس الجديد، لتحصيل بعض النقاط السياسية لصالحه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون لصحيفة "لوفيغارو": لم يضعني الجيش رئيسًا للبلاد

البراءة لنجل الرئيس عبد المجيد تبون