22-يونيو-2019

(Getty) تصميم تقريبي

أحدث موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك انقلابًا في الحياة المعاصرة. وقد تجلّى ذلك في السّلوك والتّفكير واللّغة والعلاقات. بل وفي نظرة الإنسان إلى الوجود. حتّى أنّه يجوز لنا التّأريخ للعالم بما قبل وما بعد إطلاق فيسبوك، على غرار ما قبل وبعد اكتشاف الكتابة أو النّار أو العجلة أو المطبعة الحديثة.

باتت مشاركة اللّحظة الإنسانيّة العميقة، مثل الولادة والموت، تقتصر على موقع التواصل الاجتماعي

لقد تداخل الواقعيّ بالافتراضيّ، حتّى أخذ هذا الأخير كثيرًا من خصائص وحرارة الواقع، فباتت مشاركة اللّحظة الإنسانيّة العميقة، مثل الولادة والموت، تقتصر على فيسبوك، فلا ندري أيّهما الواقع.

اقرأ/ي أيضًا: "الرأس كيني".. موضة جديدة للسباحة في الجزائر؟

كما يمكننا أن نرصد جملة من التّحولات في العلاقات الإنسانيّة، خاصّة في المجتمعات العالم ثالثيّة، التّي تعاني فراغات في واقعها، حيث تغيب الحرّيّات الشّخصيّة والعامّة، فيصبح العالم الافتراضيّ مهربًا لأفرادها، ناقلين إليه كثيرًا من سلبياتهم في واقعهم، حتّى أنّهم يشعرون بالقرف والاستياء والفراغ، في حالة انقطاع الإنترنت.

من خلال تجربتي الشّخصيّة، قمت برصد جملة من السّلوكات، التّي أبغضها في التّعاملات الفيسبوكيّة. 

(1)

أن تعلن في صفحتك عن كلّ جديدك، فلا يكلّف أحدهم نفسه بإبداء إعجاب أو كتابة تعليق تعليق، أو يطلع مع سابق الإصرار والترصّد، ولا يعطيك انطباعًا بأنّه فعل ذلك، ثمّ يقتحمك في الدّردشة: هل من جديد؟

(2)

أن تضع مقالًا أو حوارًا أو مادّة فكريّة أو أدبيّة، فلا يكلّف المحسوب على الفكر والأدب نفسه بأن يعجب بها أو يعلّق عليها، لكن ما أن تضع صورة لقطّةٍ ترضع كلبةً حتّى يندفع إلى التّفاعل.

(3)

أن يحتفي محسوب على الفنّ والثّقافة أو الإعلام الثّقافي بفتاة تحمل اسمًا مستعارًا، وهي تضع صورًا لا قيمة فنّيّة لها، لكنّه لا يبدي تفاعلًا مع منشور لكاتب يعلن فيه عن فوزه بجائزة مهمّة، أو إصداره لكتابٍ جديد.

(4)

أن يتجنّب محسوب على الفنّ والثّقافة والأدب التّفاعلَ مع زميل له، مخافة أن يقول النّاس إنّه محسوب عليه، أو يقولوا إنّه منح تزكية لفلان.

(5)

أن يتفاعل معي شخص من باب أنّي أتفاعل مع منشوراته، فإن حدث أن قطعت أنا ذلك لسببٍ من الأسباب، قطع هو أيضًا ذلك.

(6)

أن يبادرني أحدهم بالإعجاب بمجرّد أن أضع منشورًا. علمًا أنّ الاطّلاع عليه يتطلّب خمسَ دقائقَ على الأقلّ.

(7)

أن أبدي فكرة ما، فيقرأها  أحدهم وفق فهمه، وينطلق في مصادرة حقّي في ذلك. علمًا أنّي وضعتها في صفحتي الشّخصية، وليس في صفحته.

(8)

شخص لا يعرفني ولا أعرفه، لكنّه يعلّق عليّ بطريقة تخلو من أيّ ذوق، كأن يجرّدني من حقي في التّحيّة.

(9)

أن أكتب أمرًا هو لي، فأجده في صفحة أحدهم من غير أيّة إشارة إلى المصدر. خاصّة إذا كان الفاعل محسوبًا على الفئة، التّي تعرف حقوق الملكيّة الفكريّة.

(10)

أن يقتحمني أحدهم في خانة الدّردشة طالبًا منّي إبداء إعجابي بمادّة وضعها، وحين لا أفعل، يعيد الكرة مرّةً ومراتٍ، كأنّني مطالب أخلاقياً بذلك. بينما لا يبدي هو أيّ تفاعل مع ما أضع من موادّ، كأنّني لست موجودًا أصلًا.

(11)

من غير أن يسلّم عليّ أصلًا يرمي رابطًا في خانة الدّردشة، ويطلب منّي أن أنقله إلى الآخرين حتّى يحصل لي الأجر.

(12)

أن يبدي إعجابه بمادّة وضعها أحدهم، ثمّ يطلع لي في الدّردشة الخاصّة متفّهًا لها.

 (13)

أن يبادرني بالدّردشة، وحين لا أردّ عليه لسبب من الأسباب الموضوعيّة، ينطلق  في سوء الظنّ بي واتّهامي بالتكبّر.

(14)

أن يعاتبني أحدهم على أنّني تفاعلتُ مع من لا يحبّه أو يتّفق معه، كأنّني مطالب بنصرته فقط لأنّه هو.

(15)

أن يزكّي "مثقف كبير" نصًّا هزيلًا، ويصفه بأنّه تحفة أدبيّة، فقط لأنّ هناك مصلحةً يتوخّاها من صاحبه/ صاحبته

(16)

أن يبادرني أحدهم برابط لا أخلاقيّ، من الرّوابط التّي تعلّمنا كيف نخترق حسابات الآخرين، وهو سعيد كأنه تدبّر لي عمرة لأمّي.

(17)

ألّا يراعي أحدهم أمانة الدّردشة، فينسخ دردشة وقعت بينه وبين شخص آخر، ويطلعني عليها، من غير أن أطلب منه ذلك. علمًا أنّني لن أفعل.

(18)

أن يطلب أحدهم صداقتي، وحين أقبلها لا يلقي تحيّة أو يبدي تفاعلًا إنسانيًّا ما معي.

تأخرت العلوم الانسانية في نقل اهتمامها إلى دراسة السلوكيات والنفسيات في العالم الافتراضيّ

أرى أنّ العلوم المتخصّصة في دراسة السّلوكات والنّفسيّات الإنسانيّة في الواقع، قد تأخّرت في نقل اهتمامها إلى دراستها في الافتراضيّ. وهو التّأخّر نفسه، الذّي تمارسه الفنون المعروفة بتعدّد الأصوات مثل الرّواية. فهل نشهد قريبًا ولادة علم جديد هو علم النّفس الفيسبوكي؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

مدينة جزائرية تبني بيوتًا للقطط المشردة

الكتابات الحائطية في الجزائر.. مرايا مهملة