27-ديسمبر-2020

أمام محكمة سيدي امحمد بالعاصمة (الصورة: الإخبارية)

شهد عام 2020 أبرز محاكمات الفساد السياسي والمالي واستغلال النّفوذ في الجزائر، ولم تكن أهميّة هذه القضايا مرتبطة فقط بحجمها وتأثيرها وصلتها بالمال والشأن العام، ولكن بسبب طبيعة ومستوى وصفة الشخصيات السياسية والحكومية والعسكرية المتورّطة فيها، من رؤساء الحكومات المتعاقبة والوزراء وكبار الموظفين الحكوميين إلى قادة في الجيش، و أفراد من أجهزة الأمن والمخابرات.
قضيّة مكافحة الفساد كانت من أبرز مطالب مكونات الحراك الشعبي منذ فيفري/شباط 2019
ولاشكّ أن قضية مكافحة الفساد كانت من أبرز مطالب مكونات الحراك الشعبي منذ فيفري/شباط 2019، حيث بدأت أولى فصول المتابعات القضائية عقب استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في الـ2 نيسان/أفريل من نفس السنة، مست مختلف كبار المسؤولين في الدولة الجزائرية ورجال أعمال من دواليب فترة حكم الرئيس بوتفليقة. 

وزراء وراء القضبان  

بناءً على ذلك، ومنذ بدء المحاكمات في العام 2019، على خلفية الحراك الشعبي، يوجد اليوم في السجون 24 وزيرًا، من حكومات سابقة، في فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، متّهمون في قضايا فسادٍ ماليٍّ وسياسي، واستغلال المنصب ونهب المال العام، أبرزهم رئيسا الحكومة أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، ووزير العدل الطيب لوح ووزير النقل الأسبق عمار تو، ووزيرا الأشغال العمومية السابقين عمار غول وعبد الغاني زعلان، ووزير النقل في آخر حكومة بوتفليقة بوجمعة طلعي ، ووزيرا الصناعة السابقين يوسف يوسفي ومحجوب بدة، ووزير السكن السابق عبد الوحيد طمار، إضافة إلى وزيري الفلاحة السابقين عبد القادر قاضي وعبد القادر بوعزقي، ووزير الصحّة السابق عبد المالك بوضياف، ووزيرا التضامن السابقين جمال ولد عباس والسعيد بركات، وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي، وزيرة السياحة السابقين نورية زرهوني، ووزير العمل السابق محمد الغازي، ووزير السكن السابق موسى غلاي.
بالإضافة إلى قائمة التمورّطين في قضايا فساد، يوجد مدير دوان رئيس الحكومة الوزير الأسبق مصطفى رحيال الذي أوقف في شهر حزيران/جوان الماضي، علاوة على إيداع الوزيرتين في حكومة نور الدين بدوي، كل من وزيرة الصناعة والمناجم السابقة تمازيرت جميلة، ووزيرة البريد وتكنولوجيا الاتصالات هدى إيمان فرعون.
إجرائيًا، وحتى الآن ومنذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، أُدين أغلب الوزراء بالسجن في القضايا التي أنفقته خلال ترأسها للوزارة في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية العام 2011. 
وفي المقابل من هذه الأسماء والشخصيات، استنفد وزير التجارة السابق عمارة بن يونس عقوبة السجن لسنة واحدة، في قضيّة التمويل الخفيّ للحملة الانتخابية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، علاوة على استفادة رؤساء حكومات وخمسة وزراء آخرين من تخفيض طفيف في عقوبات صدرت في حقّهم.
وزير الاتصالات السابق موسى بن حمادي، توفي في السجن متأثّرًا بفيروس كورونا، حيث لم تتم محاكمته أصلًا في القضية المنسوبة إليه، إضافة إلى ذلك يُلاحق خمسة وزراء آخرون في قضايا مختلفة خارج السجن ولم يتم توقيفهم بعد، بينهم رئيس الحكومة السابق نور الدين بدوي، وزير التجارة السابق محمد بن مرادي ووزير المساهمات وترقية الاستثمار السابق طمار حميد ووزير السياحة السابق عبد القادر بن مسعود، ووزير المالية الأسبق كريم جودي، بينما يوجد وزيران آخران قيد الملاحقة القضائية بعد فرارهما إلى، وهما وزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوشوارب في فرنسا، ووزير الطاقة الأسبق شكيب خليل في أمريكا.
آخر شخصية وجّهت إليها أصابع الاتهام مؤخّرًا، كانت وزيرة التربية السابقة نورية بن غبريط، التي استدعيت في الـ 23 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، للاستماع لها من طرف قاضي التحقيق بالغرفة الثانية لمحكمة القطب المتخصّص في الجريمة المالية بمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة الجزائرية، في قضايا فساد، وذلك خلال فترة تسييرها لهذا القطاع الذي تحوم عليه الكثير من الشبهات فيما تعلق بمسألة أموال الضمان الإجتماعي، وطباعة ونشر الكتاب المدرسي، فضلًا عن الترقيات وملفّ الموظفين المتعاقدين. 
وتعد هذه المرة الأولى، التي يتم فيها توجيه استدعاء مباشر لبن غبريط من أجل المثول أمام القضاء في قضايا فساد، ما يُفهم أن أسماء أخرى سيتم استدعاؤها للوقوف في المحاكم في ملفات قضائية أخرى.

استثناء المتورّطين من العفو

سياسيًا، مكافحة الفساد كانت من أهم تعّهدات السنة الأولى لحكم الرئيس تبون، وأهم وعد بها الشعب الجزائري في خطابه خلال أدائه اليمين الدستورية يوم 19 /كانون الأول/ديسمبر 2020، إذ شدّد الرئيس تبون على "أهمية مكافحة آفة الفساد بكلّ أشكاله بدون هوادة، مؤكّدًا على وضع حدّ للنّهب وخيانة الأمانة والسّلوكات المنحرفة".
وكخطوة أولى، قدّم تبون استراتيجيته في محاربة الفساد "تهدف الى استعادة هيبة الدولة من خلال الاستمرار في مكافحة الفساد وسياسة اللاعقاب وممارسات التوزيع العشوائي للريع البترولي" كما، ملتزما بـــ"دسترة السّلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته".
وكنتيجة لذلك استثنى الرئيس تبون الأشخاص المحكوم عليهم والمتورّطين في قضايا فساد أو نهب ثروات البلاد من العفو الرئاسي، وفي خطابه عشية الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور في الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اعترف الرئيس بأن "حجم الفساد الذي كشفت عنه المحاكمات الأخيرة، أظهر عُمق الضّرر الذي لحق بمؤسسات الدولة ".
عزّز الدستور الجديد من مكانة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته وجعلها مؤسّسة رقابية 
وفي هذا المجال بالتحديد، عزّز الدستور الجديد من مكانة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، وجعلها مؤسّسة رقابية في انتظار الإفراج عن الاستراتيجية وآليات فعالة للتبليغ عن الفساد وحماية المبلّغين المرتقب تنفيذها بدء من العام الجديد 2021. 
 
اقرأ/ي أيضًا: