27-ديسمبر-2021

مهرجان أحكي فن بولاية تيزي وزو (فسبوك/الترا جزائر)

 

شهد عام 2021، في منتصفه، تغييرًا حكوميًّا ذهب بأستاذة الفلسفة مليكة بن دودة التّي بنى عليها كثيرون آمالًا عريضةً في ضخّ دماء جديدة في قطاع الثّقافة بحكم انتسابها إليه، لكنّها كانت نسخة مقلَّدة من نسخ وزاريّة سابقة فاشلة؛ وجاء بأستاذة البيولوجيا ومناضلة أحد أحزاب التّحالف الرّئاسيّ سابقًا وفاء شعلال، فأعطى بعدُها عن الحقل الثّقافيّ وانتماؤها السّياسيّ، مسبقًا، انطباعًا بكونها لن تضيف شيئًا أو بالكاد تحافظ على بعض "الحشرجات" التّي كانت موجودة.

أدّى الوضع الصحي خلال عام 2021 الذّي شهد غلقًا للنّشاطات الثّقافيّة بسبب الوباء، إلى ركود ثقافيّ عامّ، ولم يحفظ ماءَ الوجه إلّا نخبة من النّشطاء المستقلّين

ولم تحافظ وفاء شعلال إلًا على تقليد أطلقته سابقتها هو افتتاح الموسم الثّقافيّ، بكلّ نقائصه منها اقتصاره على قصر الثّقافة في الجزائر العاصمة، وكأنّ الجزائر هي العاصمة فقط، ولم تضف في المقابل مبادرات جديدة ومختلفة، بعد مرور ستّة أشهر على تعيينها.

اقرأ/ي أيضًا: انطلاق أيام المونودراما الأفريقية في طبعتها السادسة 

هنا، يقول النّاشط الثّقافيّ أشرف هامل عطيّة الله إنّه تفهّم صمتها وغيابها عن الواجهة، خلال الأشهر الثّلاثة الأولى، بحكم حاجتها إلى معرفة تفاصيل ومعطيات القطاع الذّي قدمت إليه من حقول أخرى، لكنّه تفاجأ بأنّ مرور نصف عام لم يكفِ لأن يبدر منها ما يدلّ على أنّها تملك برنامجًا أصلًا.

ويتساءل أشرف هامل عطيّة الله: "لقد كانت الثّقافة الغائب الأبرز أثناء عرض حكومة أيمن بن عبد الرّحمن لبرنامجها على غرفتيّ البرلمان، فلا الحكومة قدّمت تصوّرًا ثقافيًّا ولا النّوّاب سألوها! ولا ظهر من وزارة الثّقافة ما يدلّ على أنّها تملك رؤية تسعى إلى تطبيقها في الميدان! فأين مستشاروها وإطاراتها وميزانياتها؟".

يردّ النّاشط الثّقافيّ أيّوب روباش على هذا السّؤال بالقول إنّ العبارة التّي تتردّد في تصريحات الوزيرة الجديدة هي "بتوجيه من رئيس الجمهوريّة"، بما يشير إلى أنّ برنامجها الوحيد هو أن تكرّس الولاء من غير عطاء، وأن تعيد إلى الأذهان ما كان عليه الوضع، خلال فترة وزراء بوتفليقة الذّين كانوا يردّدون العبارة نفسها ليسلموا من التّغييرات الحكوميّة المتعاقبة؛ "من المنطقيّ أن يطبّق وزير الثّقافة والفنون برنامج الرّئيس ثقافيًّا، لكنّه مطالب أيضًا بأن يتحلّى بروح المبادرة وبمرافقة المشاريع القائمة وتوفير المناخات اللازمة لظهور مشاريع جديدة تقتضيها المرحلة؛ لكنّنا لا شيئًا من هذا".

يضيف محدّث "الترا جزائر": "أن يصبح حفل يقام في قصر الثّقافة على مستوى العاصمة برنامجًا ثقافيًّا لوزارة تشرف على ثماني وخمسين مديرية على مستوى الجمهوريّة؛ وتشرف على مئات المؤسّسات المدجّجة بالإمكانيات البشريّة والماليّة، فإنّ الأمر يدعو إلى الضّحك والحزن في الوقت نفسه. من كان لا يملك برنامجًا لماذا يأتي أصلًا، أو لماذا لا يستشير النّشطاء والفاعلين الفعليّين؟ ما معنى ألّا تزور الوزيرة الولايات ولا تستقبل أصحاب الخبرة الميدانيّة في مكتبها؟".

أدّى هذا الوضع، خلال عام 2021 الذّي شهد نصفه الأوّل غلقًا للنّشاطات الثّقافيّة بسبب الوباء، إلى ركود ثقافيّ عامّ. ولم يحفظ ماءَ الوجه إلّا نخبة من النّشطاء المستقلّين، رغم أنّ معظمهم غير مدعوم ماليًّا من الوصاية.

يقول الجامعيّ والنّاشط الثّقافيّ أيمن بن محمّد إنّ النّصف الأوّل من السّنة مضى فارغًا بحكم الحجر على النّشاطات الثّقافيّة؛ رغم أنّ الفضاءات الأخرى ظلّت مفتوحةً، فيما مضى نصفها الثّاني في الانتظار؛ "فلم تشهد الجزائر أحداثًا ثقافيّة كبيرة. أين المهرجانات التّي كانت تدلّ على أنّ هناك نبضًا ثقافيًّا في البلاد؟". ويدعو بن محمّد إلى القيام بجرد للجمعيات النّشيطة فعلًا لتقوم الوزارة بدعمها؛ وفق دفتر شروط صارم، "حتّى نضمن حسن الأداء واستمراريّة العمل وتشجيع الكفاءات. فما يحدث اليوم هو أنّ الوزارة تحوّلت إلى مركز ثقافيّ ينافس الجمعيات؛ فلا هي قامت بدورها في الدّعم والمرافقة، ولا الجمعيات استطاعت أن تذهب بعيدًا في برامجها من غير دعم حقيقي".

في السّياق؛ يقول وليد عبد اللّاهي رئيس جمعية المنارة الثّقافيّة في ولاية بومرداس إنّ جمعيته نظّمت أيامًا مسرحيّة لفتت الانتباه إليها على مدار أسبوع كامل، "وقد تبرّع فريق إحدى المسرحيّات بمستحقّاتهم لرفد التّظاهرة، في واحدة من تجلّيات التّطوّع الشّبابيّ لصالح العمل الثّقافيّ.

ما معنى أن تكتفي وزارة الثّقافة والفنون، يقول محدّث "الترا جزائر، بمرافقة التّظاهرات الجادّة بمنح الرّعاية السّامية ورقيًّا من غير مساهمة مالية تذكر؟ هل مجرّد توفّر الجمعيات على الاعتماد يكفي لحصولها على الدّعم المالي أم يجب أن تتوفّر فيها شروط الكفاءة والديمومة والابتكار، ذلك أنّ كثيرًا من الدّعم يذهب إلى غير مستحقّيه؟

ونظّمت جمعية الدّرب الأصيل في ولاية الأغواط، 400 كيلومترًا إلى الجنوب من الجزائر أيّامًا أفريقيّة للمونودرام، فكانت من أبرز التّظاهرات التّي شهدها عام 2021 تنظيمًا وثراءً فنّيًّا، "غير أنّ مساهمة وزارة الثّقافة فيه كانت الرّعاية الوزاريّة السّامية ورقيًّا، فيما كانت الأعباء المالية على عاتق أطراف أخرى". يقول الفنّان علي قربون مدير التّظاهرة. يسأل: "من الأولى يجني ثمرة الآخر؟ المجتمع الثّقافي المدني يجني ثمرة الوزارة أم الوزارة هي من يجني ثمرة الثّاني؟".

هنا، يعترف المخرج المسرحيّ سيد أحمد قارة بأنّ ما وقف عليه من ألق وعمق وتنوّع وابتكار بأقلّ التّكاليف الماليّة، في كثير من المبادرات الجمعويّة، يضع الوصاية أمام عدّة أسئلة وجيهة منها أين أنتم ممّا يحدث في الميدان؟ ما هي جدارة كثير من إطاراتها في أن يكونوا مسؤولين ثقافيّين؟ متى نصل إلى التّكامل اللّازم بين كلّ أطراف المنظومة الثّقافيّة من أجل مشهد صحيّ وحقيقي؟

ينفي جمال قرمي المدير الفنّي للمسرح الوطنيّ الجزائريّ أن تكون الوزارة غائبةً تمامًا، "فهي ليست مجرّد مقرّ في هضبة العناصر، بل هي شبكة من المؤسّسات على مستوى 58 ولايةً

وينفي جمال قرمي المدير الفنّي للمسرح الوطنيّ الجزائريّ أن تكون الوزارة غائبةً تمامًا، "فهي ليست مجرّد مقرّ في هضبة العناصر، بل هي شبكة من المؤسّسات على مستوى 58 ولايةً. ومن التّعسّف أن نغفل عمّا تقدّمه مسارح ومكتبات ودور ثقافة وهيئات تابعة للوزارة". يضيف: "ليس هناك طرف أفضل من آخر. هناك رهان مشترك علينا أن نخوضه هو أن يلعب كل طرف دوره، في الحالات كلّها؛ تبقى الوصاية الثّقافيّة أكثر الأطراف مطالبةً بأن تكون في صدارة المهتمّين بتوفير المناخات المشجّعة على الإبداع والخادمة للمبدعين، لأنّها تملك أكثر من غيرها الإمكانيات المطلوبة.

 

اقرأ/ي أيضًا

السينما الجزائرية.. أفلامٌ في العراء

حوار| الناقد محمد عبيدو: السينما الفلسطينية انتماء نضالي وإنساني أولًا