05-يوليو-2022
رئيس الجمهورية في جولة تفتيشية قبيل احتفلات عبد الاستقلال (فيسبوك/الترا جزائر)

رئيس الجمهورية في جولة تفتيشية قبيل احتفلات عبد الاستقلال (فيسبوك/الترا جزائر)

الذّكرى السّتون لعيد الاستقلال، يعتبر العِيد الثَّاني لعبد المجيد تبون، وهو على رأس الدّولة الجزائرية منذ اعتلائه كرسي الرئاسة في الثالث عشر ديسمبر/ كانون الأول 2019، حيث ارتأى الرئيس تبون أن تكون له حصة الأسد في جعله يومًا مميّزًا بعد ستّة عقود مرّت على زمن استعمار دام 130 سنة من العنف والتهجير واغتصاب الأراضي والحقوق والحرق والإبادات الجماعية، والتّجارب النووية التي لازالت آثارها لحدّ يومنا هذا، إلى غاية يوم الاستقلال الذي أنهته مرحلة الكفاح المسلّح على مختلف الجبهات الداخلية والخارجية دامت أكثر من سبع سنوات ونصف ودفعت فيها الجزائر أكثر من مليون ونصف شهيد علاوة على أكثر من خمسة ملايين شهيد زمن الاحتلال.

حظي الرّئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بأكثر عدد من الاحتفالات الجماهيرية بعيدي الاستقلال والشباب

تاريخيًا، حظي الرّئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بأكثر عدد من الاحتفالات الجماهيرية بعيدي الاستقلال والشباب لـ 20 مرة كاملة، إذ عرف الراحل بالبهرجة الكبيرة وتوظيف مختلف إمكانيات الدولة لإظهار فرجة الاحتفال وخطابات سياسي بالغ في رفع همة الشباب دون أن يسلّم المِشعل لهؤلاء الشّباب.

بوتفليقة.. 20 سنة 

منذ أن تمّ انتخابه رئيسًا خامسًا للجزائر المستقلّة ما بين نيسان /أفريل 1999 إلى غاية يوم الاستقالة في الـ2 نيسان/أفريل2019، لم يكتف الرّئيس الراحل بتوجيه رسائل للشّباب بأن يحملوا المشعل وأنهم أمل المستقبل في العديد من المناسبات والمواعيد التاريخية والخرجات الميدانية،  إذ خاطبهم في فعاليات إحياء ذكرى مجاز الثامن أيار/ماي 1945 بالقول:" جيلنا طاب جنانو وعاش من عرف قدر نفسه".

أعطى هذا الخطاب الشهير في العام 2012، الانطباع الأولي بأن الرّئيس لن يترشّح لعهدة رئاسية رابعة، إذ حان وقت رحيل جِيله من الوجوه والمسؤولين الذين عرفوا الثّورة التّحريرية وذاقوا الاستعمار، كما يوحي بأنه في طريقه نحو التنحّي عن السلطة وتركها للجيل الجديد من الشّباب.

وكان الخطاب الأشهر لبوتفليقة والأخير له قبل المرض الذي أبعده عن الواجهة لفترة طويلة، لكنه تزامن مع العيد الخمسين للاستقلال والشباب، غير أنه تراجع عن كلمات رسالته المناسباتية، وتغيرت لديه المعطيات السياسية، وعاود الترشّح مرة أخرى، ولم يفسح المجال أمام الشباب بدليل أن من قرر تعينهم سواءً في الحكومة أو في المناصب القيادية الكبرى كلّهم وجوه تجاوزت العقد الخامس والسادس والسابع من العمر.

لقد كان رفض الشّارع لبوتفليقة الذي عمّر في السلطة عقدين من الزّمن في الرئاسة غاب فيها عن الواجهة لمدة سبع سنوات، سببًا مباشرًا لمطالبته بتسليم السلطة للشباب وبعث الأمل في نفوسهم، إلى آخر يوم من حياته السياسية على رأس هرم الدولة الجزائرية لم يلتفت لتلك الأصوات، علاوة على تهميشهم الدائم واستغلالهم كمحتوى خطابي أو في مناسبات حملاته الانتخابية تارة وفي خطاباته المناسباتية تارة أخرى إلى غاية إذعانه لمطالب الشارع الجزائري ورفض الأخير ترشّحه لعهدة رئاسية خامسة.

بومدين بومدين

قد تتيح الظّروف الكثير من الوسائل تكون في صالح الحاكِم، ويتأثر بها المحكومين أيضًا، وقد تختلف المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية من رئيس لآخر، ففي حالة الرّئيس الراحل الهواري بومدين (محمد بوخروبة)، كان مذاقها مريرًا في الكثير من المرات، وعسيرًا أحيانًا ومبهجًا أحيانا أخرى وهو الذي عاش فرحة الاستقلال واحتفل بها لـ 13 مرة، أي منذ بداية فترة حكمه إلى غاية يوم وفاته أي الفترة ما بين 19 حزيران/جوان 1965/ 27 كانون الأول/ديسمبر 1978.

بوجهه القادم من قرية صغيرة بولاية قالمة شرق الجزائر، ومن شخصية العقيد الذي عرف الثورة التحريرية وكان من بين قياداتها، كانت خطابات الرئيس بومدين مملوءة بحزن ذلك الثّوري وبأمل الباعث في الجزائريين القوة من أجل البناء والاعتناء بالأرض والوطن، غير أنه في النهاية توفي دون أن يستكمِل المسيرة.

 

 

الشّاذلي بن جديد

كما حظي الراحل الكولونيل الشّاذلي بن جديد تقريبًا بنفس مرتبة بومدين في عدد احتفالاته بعيد الاستقلال، إذ أشرف على الفعاليات الشعبية لـ 12 مرة على التوالي، أي منذ تربّعه على عرش الرئاسة بقصر المرادية بأعالي العاصمة الجزائرية في التاسع  شباط/فيفري 1979 إلى غاية 11 جانفي/ كانون الثاني 1992، وعاش فترات عصيبة من الحكم وقاسية من حيث المبنى والمعنى، لما أسفرته الظروف الاجتماعية من ثورة الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 1988، وتعديل الدستور في 1989 وإقرار التعددية السياسية والإعلامية، ثم فترة عسيرة انتهت بإلغاء نتائج الانتخابات التّشريعية التي فازت فيها وقتذاك" الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة".

الشاذلي احتفل بعيد الاستقلال في ظروف مضطربة أحيانًا، فنهاية سنوات السبعينات كانت صعبة لنزيل قصر المرادية على أنقاض سابقه الذي أسر قلوب الملايين، ومن الصعب نسيانه وهو الذي لقب بالزعيم، فورث عنه إرثًا ثقيلًا ثم تنحى عن الحكم بفعل أحداث أدخلت البلاد في دوامة العنف، فكان أمل الجميع عودة الأمن ولم يعش الملايين شبابهم كما يجب.

قبّعة العسكري  لـ 5 مرات 

من حكم الكولونيل إلى حكم الجِنرال، حظي ابن منطقة باتنة عاصمة جبال الأوراس اليامين زروال، بالاحتفال بعيد الاستقلال وهو الرئيس الرابع للجمهورية، إذ أشرف على الاحتفالات بشيء من الصمت السياسي، وذلك لخمس مرات على التّوالي، خاصّة وأنه أقبل على تسيير فترة عصيبة من تاريخ الجزائر، ما بين 30 كانون الثاني/جانفي 1994 إلى 27نيسان/أفريل 1999، وهي الفترة التي عرف فيها الجزائريون أحلك الأيام من ضمن مرحلة دموية سميت بـ" العشرية السوداء" خرجت منها بتركة ثقيلة قوامها 200 ألف قتيل وآلاف المفقودين والضحايا.

أحمد بن بلة

رغم تنصيبه كأول رئيس للجمهورية وتسييره لمرحلة ما بعد الاستقلال، ورث الرئيس الراحل أحمد بن بلّة ترِكة ثقيلة فقر وحطام الدولة التي وجب أن تنهض من أنقاض الاستدمار الغاشم، لكنه واجه نيرانًا صديقة، فلم يحظ إلا باحتفالات ثلاثة فقط لعيد الاستقلال، وذلك في فترة حكم دامت سنتين فقط أي ما بين 15 أيلول/سبتمبر 1963 إلى غاية 19 حزيران/جوان 1965، وهي الفترة التي عاشت فيها الجزائر مخاضا عسيرًا بسبب تجاذبات وصراعات الحكم التي أعقبت ثورة التّحرير الوطني.

إضافة على الأرقام الخاصة بعدد الاحتفالات التي أشرف عليها رؤساء الجزائر المستقلّة، هناك أسماء أخرى ذات قامة وقيمة احتفلت بهذه المناسبة الوطنية، غير أن الرّمزية التاريخية لهذا العيد وهذا اليوم بالذات، تختلف كلّ مرة وتتباين أهدافها بين فترة حكم رئيس وآخر، إذ تستجيب لمعطيات الشّارع وتغيّراته، متأثّرة بالسياقات التاريخية والإمكانيات والظروف المتاحة.

يفرض الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد منطقه على الأحداث الجارية

بغض النّظر عن احتفالات الذكى الستين لعيد الاستقلال والشباب، يفرض الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد منطقه على الأحداث الجارية، حيث ترتفع مطالب بتحسين ظروف العمل ورفع الأجور ورفع القدرة الشرائية وتوفير مناصب الشغل وإشراك فعاليات المجتمع المدني في القرار السياسي.