27-أغسطس-2019

الحراك الشعبي في الجزائر مازال متواصلًا (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

"منذ ستّة أشهر ونحن نخرج إلى الشارع كلّ جمعة، لقد تغيّر كل شيء في الجزائر، لقد انكسر حاجز الخوف، وبلغت المطالب سقفًا لم يكن ينتظره أحد، لقد بدأ هذا الحراك الشعبي بمطلب واحد وهو تغيير النظام الذي قاد الجزائر إلى الهاوية،. هناك محاولات التفاف على ثورتنا. هناك من يريد أن يُقنعنا بعمليات تجميل للنظام، ونحن نريد اقتلاعه من جذوره، تعبنا منهم وتعبنا من كوابيسهم".

تُعتبر استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعد عشرين عامًا من الحكم أحد أكبر انتصارات الحراك الشعبي

كانت هذه الكلمات صادرة عن عمّي محمد، حارس ليلي متقاعد، بات وجهًا محبوبًا في حراك مدينة البويرة شرق العاصمة، لقد أصبح منذ نصف عام شخصية شعبية في الشارع.

اقرأ/ي أيضًا: الجيش يبعثر أوراق الحوار.. العودة إلى النقطة صفر

البطل الوحيد

في يوم الثاني والعشرين من فبراير/ شبّاط، اهتزّت الجزائر العاصمة على وقع حركة احتجاجية عارمة، لقد اجتاح الجزائريون شوارع العاصمة التي كانت ممنوعة عليهم، وكان التظاهر فيها أمرًا محظورً لعدّة سنوات. امتلكت الجماهير الشارع، وبدأت نسمات الحرية تهبّ على ساحة البريد المركزي و ساحة موريس أودان، تزامنًا مع ما يحدث في كلّ ولايات الوطن، كانت شرارة تلك الاحتجاجات بسبب ترشّح بوتفليقة لعهدة خامسة، وهو ما اعتبره الجزائريون يومها إهانة للشعب وللتاريخ.

منذ ذلك الحين، صار الخروج للشارع يوم الجمعة من الطقوس المقدّسة شعبيًا، ولم يثن عزم الجزائريين، لا شهر رمضان ولا حرارة أيّام الصيف، ولا تزامن بعض أيّام الحراك مع العطل الموسمية، لقد اكتسب الجزائريون تحفيزًا من نوع خاص. كسروا حاجز الخوف الذي كان يسكنهم، ولم تتوقّف وتيرة الاحتجاجات رغم تأجيل الرئاسيات أولًا، ثم تنحّي بوتفليقة ثانيًا، لقد كانت الرسالة واضحة منذ اليوم الأوّل، ملايين الجزائريين الذي خرجوا للشارع كان مطلبهم تغيير النظام جذريًا وبناء جزائر جديدة بعد عشرين سنة من الفساد.

قبل 22 فبراير/ شبّاط الماضي، كانت الجزائر تشهد مسيرات واحتجاجات في كثير من القطاعات، سواءً في العاصمة أو في مدن أخرى، لكن غالبًا ما كانت تلك الحركات فئوية أو جهوية ذات مطالب مهنية أو اجتماعية، فكان من ذلك مسيرات قدماء الجيش، ومسيرات الأطباء والطلبة ومسيرات أعوان الحرس البلدي وغيرها، لكن الحراك الشعبي جعل الجميع من كل الفئات والأعمار ينصهر في مطلب واحد وتوّجّه واحد، فتوحّدت الصفوف وذابت الفروقات والخلافات والانتماءات، هذا ربّما أسمى غنائم الحراك الشعبي، لقد توحّد الشعب من جديد، واكتشف قوّته في الشارع، وهو ما دفع بالنظام للعودة إلى الطريقة التي واظب على ممارستها، فرّق تسد.

انتصارات سياسية

سياسيًا، تُعتبر استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتنحّيه بعد عشرين عامًا من الحكم أحد أكبر انتصارات الحراك الشعبي، بل كان الانتصار الأوّل الذي حققه الجزائريون في معركة التغيير، كان هذا أيضًا درسًا من الجزائريين لأهل الحلّ والربط، فمن كان يعتقد أنه لا يهزم أبدًا، أُجبر على التنحّي بعد ستّة أسابيع من الاعتكاف في الشوارع، هذا الانتصار لم يكن كافيًا، بل كان حافزًا لرفع سقف المطالب، ومواصلة الضغط الشعبي على السلطة، التي تحاول الالتفاف على مطالب الشعب ولا زالت تفعل ذلك.

معركة أخرى فاز بها الجزائريون في حرب التغيير، إنها الحالة التي وصلت إليها بعض الأسماء التي كانت إلى وقت قريب تظّن أنه من الصعب المساس بها أو الوصول إليها، تلك الأسماء التي وُصفت بـ"العصابة" بلغة الحراك الشعبي، صارت اليوم مجرّد ماضٍ أسود. لقد تمكّن الشعب بحراكه من سجن الجنرال توفيق وهو الذي كان صانعًا لرؤساء الجزائر منذ أكثر من ربع قرن، لقد يكون من المستحيل التصديق قبل بداية "ثورة الإبتسامة" أن أحمد أويحيى وعبد المالك سلّال ووزراء سابقين ومسؤولين سامين ورجال أعمال مقرّبين لبوتفليقة، يقبعون الآن وراء القضبان في سجن الحرّاش بالعاصمة.

بعيدًا عن الاستقالات والاعتقالات ومحاكمات رجالات بوتفليقة،  تحقّق فوز أخر يضاف لغنائم الحراك الشعبي، فلقد استعاد الجزائريون الفضاءات العامة التي كانت في أيدي النظام لعقدين من الزمن. في الجزائر العاصمة، وفي جميع أنحاء البلاد، أدرك الجميع أنه يمكن أن تطالب بالتغيير بطريقة سلمية بعيدًا عن فزّاعة الفوضى والتخرب. ثم بعد ذلك وكنتيجة مباشرة تصالح الجزائريون أيضًا مع العمل السياسي بعد استقالة شعبية جماعية منه.

طريق مسدودة..

يرى كثيرون أن الحراك الشعبي بعد مرور نصف عام، لم يعد بمثل الزخم الكبير الذي انطلق به، كمًّا وكيفًا، بينما يرى فريق آخر، أن حراك الشعب قد تراجع وعاد خطوة إلى الوراء رغم أنّ الكثير من المطالب السياسية لم تتحقّق بعد، فهل توقّفت مكاسب الحراك؟

لقد صار من الواضح أن الجزائر دخلت في نفق سياسي مظلم، وبدأت تسير في طريق مسدودة ، كما يبدو واضحًا أيضًا أن قائد الأركان أحمد قايد صالح بات صاحب الكلمة الفصل، منذ تنحي بوتفليقة، فالنسبة له، فإن جلّ المطالب الرئيسية للحراك قد استوفيت وتمّت الاستجابة لها، ولذلك فإن المظاهرات بحسب إيحاءات خطاباته لم تعد مبرّرة.

لازالت السلطة تركّز جلّ اهتمامها في خلق مناخ يسمح بتنظيم انتخابات رئاسية في أسرع وقت

من جهة أخرى، وبعد أن تمّ إلغاء الانتخابات الرئاسية لمرّتين، لازالت السلطة تركّز جلّ اهتمامها على خلق مناخ يسمح بتنظيم انتخابات رئاسية في أسرع وقت، إنها ربّما نقطة الخلاف الأبرز بين الشارع والسلطة، فحتى لجنة الحوار التي يقودها كريم يونس صارت جزءًا من النظام في نظر الشعب، الذي يجعل من الانتخابات خاتمة لمسار التغيير، بينما تراها السلطة شرطًا أساسيًا لضمان أيّ انتقال في السلطة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بن صالح يستقبل قادة الحوار.. الحراك في قصر الرئاسة

الحراك الشعبي.. من الشارع إلى صالونات الحوار