17-يونيو-2022
برلمانيون جزائريون أمام مبنى المجلس الشعبي الوطني (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

برلمانيون جزائريون أمام مبنى المجلس الشعبي الوطني (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

أثارت قضية اعتقال وحبس النّائب عن جبهة التحرير الوطني وقائد فرقة الدرك الوطني بمنطقة المغير جنوب الجزائر، بعد محاولة تسريب مواضيع وأجوبة امتحانات شهادة التعليم المتوسط، قضية تمسّ مشروعية الممارسة النيابية في الجزائر، ومسألة الحصانة التي يتمتع بها المنتمون لدوائر السلطة التشريعية في الجزائر.

يقرأ متتبعون للشأن السياسي العام في الجزائر  بشأن إسقاط الحصانة أن السلطات تريد من خلالها أن تبعث برسالة إلى النواب مفادها أنه لا أحد يمكن أن يكون بمنأى عن الملاحقة القانونية والقضائية

مسؤولية ممثِّل الشّعب

طرحت قضية مسألة الحصانة من جديد، وماهي الظروف التي التمتّع بها أعضاء البرلمان بغرفتيه في أحد أهم أجهزة الدولة في الجزائر، كسلطة تشريعية من جملة السلطات الأخرى التنفيذية والقضائية، إذ يعتبر "صوت الشعب والمعبّر عن إرادته، باعتباره أكثر الهيئات التمثيلية للشعب والوحيدة التي تتكلّم باسمه".

لكن تبعًا لذلك، فإن متابعة نائب جبهة التحرير الوطني عن ولاية المغير، مع انتظار ما ستسفر عنه عملية إخطار المجلس الذي ينظر في رفع الحصانة عنه من عدمها، تشكل نوعًا من التعدي على حقوق الشعب، خاصّة وأن الحصانة التي يتمتع بها النواب تعيد اليوم فتح ملفّ بالكاد أغلقه الدستور الجديد منذ استفتاء نوفمبر 2020.

 باب الحصانة النيابية كان مفتوحًا قبل هذا التاريخ، لكن الوثيقة الرسمية (الدستور) حصرته في قضايا تخصّ عمل النائب وصلاحيات التمثيلية وفي مهامه النيابية فقط، وما يصفها الدستور في مادته 129 "الأعمــال المرتبطة بممارسة مهامه كما هي محددة في الدستور " بينما لا يتمتّع عضو البرلمـــان بالحصانة في قضايا الحقّ العام".

وتنطبق على النائب المعني بقضية الغش، المادة 131، والتي تنصّ أنه "في حالة ضبط أعضاء البرلمان متلبسين بجنحة أو جناية يجب إخطار المجلس التابع له العضو فورًا بما اتخذ ضده من إجراءات ليصدر قراره بعد هذا الشأن".

 لكن هذه المادة تؤكّد أيضًا أنه يمكن للمؤسسة النيابية طلب وقف المتابعة  القضائية والإفراج عن النّائب وذلك إذا قدّرت أنّه غير  مذنب، وتنصّ الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه" يمكن للمكتب المخطر أن يطلب إيقاف المتابعة وإطلاق سراح النائب أو عضو مجلس الأمة على أن يعمل فيما بعد بأحكام المادة 130 "، والتي تنصّ على أنه " يمكن أن يكون عضو البرلمان محل متابعة قضائية عن الأعمال غير المرتبطة بمهامه البرلمانية بعد تنازل صريح من المعني عن حصانته، ووفي حال عدم التنازل عن الحصانة، يمكن جهات الإخطار إخطــار المحكمة الــدستــوريــة لاستصدار قرار بشأن رفع الحصانة من عدمها.

حدود الممارسة النيابية

حادثة "المغيّر" هي الأولى من نوعها إذ سجّلت تورّط عضو في الهيئة النيابية في عهدتها التاسعة منذ تأسيس الغرفة السّفلى للبرلمان الجزائري، وهي ما تطرح من جديد قراءة مستجدة لنظام الحصانة البرلمانية على ضوء التعديل الدستوري لعام 2020، بعيدًا عن القراءة والفهم الخاص بالسياسيين، خاصة وإن علمنا أنّ المسألة ستلقي بظلالها على مختلف القضايا الأخرى في علاقة بالفساد.

ووفق ما سبق، وفي تفسير للشقّ القانوني، قال المحامي عبد الكريم سعدون أنه حتى وإن تدخل المجلس لوقف المتابعة مؤقتًا أو الإفراج عن النائب، فإنه سيكون مضطرًا في حال تمّ إخطاره بأن يطلب من النائب التنازل عن حصانته، أو أن الحلّ لدى وزارة العدل التي ستعمل على استصدار قرار بشأنه من المحكمة الدستورية يقضي برفع الحصانة عنه.

ومن خلال هذه القضية، ورغم أن المادة 130 من الدستور الحالي أجازت متابعة عضو البرلمان قضائيًا دون إذن مسبق من مجلسي البرلمان، يبدو أن موضوع الحصانة البرلمانية يدور عديد الأسئلة النابعة من اللبس أولًا والإبهام ثانيًا الذي يعتريه مظاهرها خاصّة في النظام الدستوري الجزائري.

مستوى الآداء

وفي هذا الصّدد، تساءل المتابعون لشُؤون الجِهاز التّشريعي في الجزائر والقانونيين حول مدى فعالية الحصانة البرلمانية في ضمان استقلال السّلطة التّشريعية عن بقية السّلطات في الدّولة وفي رفع مستوى الأداء البرلماني للنائب أو العضو في الهيئة التشريعية؟

 قرأ المحامي فريد بلكيموش (أستاذ جامعي بكلية العلوم القانونية بجامعية قسنطينة" أنّ الحصانة التي كان يتمتع النواب قبل دستور 2020، كانت بما يسمى قانونيًا بـ"الحصانة الإجرائية المراد منها حماية أعضاء البرلمان من تعسف السلطات الأخرى إذا ارتكبوا جنحة أو جناية خارج العمل النيابي، إذ كانوا بعيدين عن "المحاسبة والمتابعة ولا يتم استجوابهم ولا حتى توجيه التهم لهم إلا بعد إخطار مكتب المجلس التابع له البرلماني المعني بالتهم المنسوبة إليه".

ولكن لا تستقر الحصانة البرلمانية حسب الأستاذ بلكيموش على مفهوم قانوني واحد، وهذا نظرًا لتعدد وظائف البرلمان ومعيقات حصرها في نطاق محدد، لافتًا في تصريح لـ" الترا جزائر" إلى أنه من أثقل وظيفة يؤدّيها البرلمان هي الوظيفة الرقابية".

وأَضاف في هذا الإطار ، أن الرقابة تتصادم دومًا مع عديد السلطات وحتى الوظائف السامية في الدولة، موضحًا أن "الحصانة ببساطة هي امتيازات يتمتع بها نواب المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، أو بالأحرى ما يشبه ضمانات إذ من جهة تؤكّد لهم أهمية الوظيفة ومن جهة أخرى توفّر لهم الطمأنينة حتى يؤدون أعمالهم على أحسن وجه".

بين الدّساتير

تطوّرت الحصانة عبر مختلف الدّساتير الجزائرية، ففي إطلالة خفيفة على الحصانة البرلمانية خلال نِظام الحِزب الواحد، في ظلّ هيمنة أجهزة الحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني) على القرار السياسي تبعا لدستور 1963-1976، إذ لا يمكن الحديث عن ممارسة فعلية للعمل النيابي التشريعي الرقابي في ظل الأحادية السياسية، وحالة التداخل التام بين أجهزة الحزب الواحد والسلطة التسريعية، فلًا يحتاج النائب إلى أية حصانة برلمانية، إذ هي امتداد وتجسيد فعلي لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث (تنفيذية وقضائية وتشريعية).

أما بناء على دستور 1989 ثم دستور 1996، فترة التعددية الحزبية فإن الحصانة شملت أعضاء مجلسي الشعبي الوطني والأمة، بالدفاع عن مصالح المجالس المحلية المنتخبة وبعض الفئات الأخرى.

المنتخَب والمعيّن 

في هذا السياق، لفتت المحامية أستاذة القانون سعيدة بوفناية إلى ما كرّسه الدستور 1996 بسبب نظام الغرفتين، إذ أضفى التغيير التنظيمي للهيئة التشريعية الحصانة البرلمانية كحماية للمنتخبين (المجلس الشعبي) والمعيّنين (مجلس الأمة) على حدّ سواء.

وأشارت في حديث لـ"الترا جزائر" إلى أنه في العرف القانوني يقصد بالحصانة عموما إنها الحماية القانونية لبعض الأشخاص بداعي وظائفهم أو وضعهم، وامتيازات يتمتعون بها تضمن لهم الحماية صدّ كل المتابعات القضائية.

وأضافت أن التعديل الدستوري لسنة 2020، أعاد النظر في منظومة الحصانة البرلمانية بالتوازي مع السلطات الثلاث، لا سيما مع ما تعلق بالحصانة ضدّ الإجراءات الجنائية.

في إطار التعديلات الدستورية الأخيرة، يدعو المؤسس الدستوري الجزائري إلى إسقاط الحصانة ضد الإجراءات الجنائية، وذلك عن طريق "تجريد أعضاء البرلمان منها والسماح بالمتابعة القضائية في حالة التنازل الصريح من المعني أو بإخطار المحكمة الدستورية من جهات الإخطار لاستصدار قرار بشأن رفع الحصانة من عدمهاـ".

ووفق ذلك فإنه إجرائيًا يتمّ خصوصًا إذا ما ثبت تورّط النائب في أعمال جنحية أو جنائية لا علاقة لها بممارسة العهدة البرلمانية، مثلما جاء في المادة 129 من الدستور الحالي، ونصّها:" يتمتع عضو البرلمان بالحصانة بالنسبة لأعمال المرتبطة بممارسة مهامه كما هي محددة في الدستور"، وذلك ما يختلف عما كان في السابق، عندما كانت الحصانة البرلمانية موضوعية أو مطلقة أي " عدم المسؤولية البرلمانية".  

رسالة سياسية

بالعودة إلى حالة قضية النّائب عن ولاية المغير وحالة الغشّ، يقرأ متتبعون للشأن السياسي العام في الجزائر أن السلطات تريد من خلالها أن تبعث برسالة إلى النواب، مفادها أنه لا أحد يمكن أن يكون بمنأى عن الملاحقة القانونية والقضائية في أية قضية وأن البرلمان نفسه لم يستطع أن يوقف الملاحقة مادامت المحكمة الدستورية تستطيع رفع الحصانة عنه

هنا، أكد النّاشط الحقوقي وأستاذ العلوم السياسية كريم جزّار لـ" الترا جزائر"، أن  هذه القضية تفتح الباب واسعًا لحالة من الردع تفرض حالة رقابة ذاتية على النواب، خاصة أعضاء الهيئة التشريعية المتمردين من كتل المعارضة.

السّلطة يمكن أن تلاحق أي نائب عن منشور في وسائط التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك

ومن خلال هذا التّأويل، يُفهم من ورائه أن السّلطة يمكن أن تلاحق أي نائب عن منشور في وسائط التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، يتحدث عن قضايا عامة أو مشاركة في تجمع غير مرخص أو أيّة قضية أخرى لا تكون لها صلة بعمل النائب.