19-يناير-2020

عبد المجيد أبدى استعداد الجزائر لاحتضان الحوار الليبي (تصوير: هانيبال هانشكي/أ.ف.ب)

تعتبر مشاركة عبد المجيد تبون، في المؤتمر الدولي حول ليبيا المنعقد اليوم الأحد ببرلين، أوّل خرجة دولية وأجنبية منذ انتخابه في 12 كانون الأول/ديسمبر الماضي.

تبون: الجزائر مستعدّة لاحتضان الحوار بين الليبيين، والنأي بالمنطقة عن أيّة تدخّلات أجنبية

وجاء في كلمة الرئيس تبون، أن الجزائر مستعدّة لاحتضان الحوار بين الليبيين، والنأي بالمنطقة عن أيّة تدخّلات أجنبية، داعيًا إلى تثبيت الهدنة والكفّ عن تزويد الأطراف الليبية بالسلاح، في إشارة ضمنية إلى فرنسا، حيث سبق وأن ضُبطت صواريخ فرنسية المصدر (أميركية الصنع)، في يد قوّات حفتر في وقت سابق.

في هذا السياق، سبق وأن أكّدت الجزائر حرصها على البقاء على مسافة واحدة من كل الأطراف المتصارعة، ورفضها لأيّ تدخّل عسكري في المنطقة، مشدّدة على ضرورة إرساء مسار سياسي يجمع بين الفرقاء للعودة سريعًا إلى الحوار الوطني الشامل.

محاولة التموقع إقليميًا

يتساءل بعض المتابعين عن الأهداف المرجوة من زيارة تبون إلى برلين، إن كانت محاولة للتموقع كقوّة إقليمية في المنطقة، من خلال إعادة إحياء الدبلوماسية الجزائرية، أم أنها مبادرة لكسب الشرعية من خلال الحضور الرئاسي على الصعيد الدولي؟

تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر برلين، هو دعوة صريحة من طرف ألمانيا وإيطاليا لإشراك الجزائر فيما يجري في حوض المتوسط بشكل عام، وفي ظلّ مخاوف عدم الاستقرار في ليبيا بالنسبة للأوربيين وتداعيات الحرب المحتملة، كالهجرة غير الشرعية وتضرّر المصالح الاقتصادية والإرهاب العابر للقارات.

لهذا تحاول بعض العواصم الأوروبية، إدراج الجزائر في الشأن الليبي بقوة، وجرّها إلى لعب دور أكبر في هذه الأزمة، حتى لو ارتبط ذلك إلى لعب دور الوساطة بين طرفي الصراع.

 كما تبدو الزيارة مكسبًا سياسيًا لعبد المجيد تبون على المستوى الدولي، فالأزمة الليبية هي البوابة التي ستسمح للجزائر، بأداء دور محوري في المنطقة، ويُبعد عنها العزلة الدولية.

هنا، يرى بعض المتتبّعين أن زيارة تبون إلى برلين، قد تكون محاولة لتأسيس التقارب الألماني -الجزائري- الإيطالي، على حساب المصالح الفرنسية في الجزائر.

في هذا السياق، أشار الخبير في الشأن الليبي جلال حرشاوي، في حديث إلى "الترا جزائر"، أن وجود عبد المجيد تبون في برلين مهمٌّ جدًا لمستقبل ليبيا، موضحًا أن الجزائر ستعمل إلى جانب موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لأنّ البلدين يقفان ضدّ حرب خليفة حفتر على طرابلس.

وأضاف المتحدث، أن التقارب الروسي- الألماني هو إضافة نوعية للموقف الجزائري، القائم ضدّ التدخل العسكري والأجنبي في ليبيا.

دور الجزائر محوري 

فيما يخص أبعاد المشاركة الجزائرية في مؤتمر برلين، أوضح الخبير في الشؤون الدولية عمر شايب، أن مشاركة الجزائر في مؤتمر برلين حول الأزمة في ليبيا ممثلة في رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لها دلالات عديدة على المستوى السياسي.

وأفاد المتحدّث أن انخراط الجزائر في الشأن الليبي يؤسّس لعودة قوية للدبلوماسية الجزائرية، وتكريس دورها الرائد في مختلف الملفات الإقليمية والدولة، وشدّد محدثنا، على أن وجهة النظر الجزائرية ومقاربتها للحلّ في ليبيا لا يُمكن القفز عليها.

وبخصوص المقاربة الجزائرية حول الحلّ في لبيبا، قال الخبير الدولي إنه ينتظر أن يدافع الرئيس تبون عن ترسيم وقف إطلاق النار، وتحديد خطوط التماس بين طرفي النزاع، ورفع الحصار عن الموانئ والمطارات، وفتح الممراّت الإنسانية وتبادل الأسرى، بالتزامن مع وضع خارطة طريق للمفاوضات السياسية.

ذكر عمر شايب، أن الجزائر يمكن أن تلعب دورًا محوريًا يمنع التصادم والاشتباك بين الموقف التركي والمصري، ويجنّب المنطقة قفزة مجهولة.

 في مقابل ذلك، ستواصل الجزائر مراقبة الحدود بكل الوسائل الأرضية والجويّة المتاحة، منعًا لتهريب الأسلحة والمقاتلين من منطقة الساحل، لدعم طرفي النزاع، كما ستواصل الجزائر تسيير قوافل الإغاثة الإنسانية لفائدة الشعب الليبي، عبر معبريْ تين الكوم والدبداب.

مقاربة عدم التدخّل

من جهته، أوضح عضو المجلس الأعلى في ليبيا، المستشار بلقاسم قزيط، في اتصال مع "الترا جزائر"، أن الجزائر دولة مهمّة وجارة، لها ثقل سياسي في المنطقة المغاربية والعربية. وأضاف أن الموقف الجزائري منذ سقوط القذافي، تميّز بالوضوح والصلابة تجاه الصراع الحاصل في ليبيا.

وأفاد المتحدّث أنه من المنتظر أن تكون المشاركة الجزائرية في برلين داعمة للحكومة الشرعية في طرابلس، وأن تستغلّ كلّ ثقلها السياسية لتحييد الدول العابثة بالملفّ الليبي، والبعيدة عن المنطقة بآلاف الكيلومترات.

وأضاف بلقاسم قزيط، أن مقاربة الجزائر بعدم التدخل لم تعد تفيد الآن، محذّرًا من جيوش من المرتزقة يعجّ بها التراب الليبي، بحسب المتحدّث.

وشدّد المستشار، على أن الدور الجزائري اليوم يكون بمساندة الشرعية الدولية ودعم الحلول السلمية، والوقوف بكل قوة في وجه مغامرات بعض الدول، التي ترغب في تنصيب دكتاتورية جديدة في ليبيا.

يحمل دور الدبلوماسية الجزائرية الكلاسيكي بعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، العديد من المخاطر المستقبلية

وفي الأخير، وأمام التدخّلات الخارجية المعقّدة والمتشابكة في ليبيا، وحروب بالوكالة تقوم بها بعض دور الجوار، يحمل دور الدبلوماسية الجزائرية الكلاسيكي بعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، العديد من المخاطر المستقبلية، أمام انهيار ما تبقى من مؤسّسات قائمة في ليبيا، ما يستدعي رؤية جيوسياسية جديدة، بدل تحمّل تبعات الأزمة الليبية والفوضى في الساحل الأفريقي.