19-يونيو-2022

من أمام جامعة الجزائر (فيسبوك/الترا جزائر)

أثارت مخرجات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الأخيرة، تساؤلات كثيرة لدى الأسرة الجامعية، إذ راجعت الحكومة قضية جوهرية تمسّ التكوين في مستوى الليسانس وطور الماستر، وإعادة النّظر في بعض القرارات القديمة تخصّ سلك التكوين في طور الدكتوراه، ضمن جملة من المعيقات لضمان جودة التعليم العالي وإخراج نوعي للإطارات الجامعية.

يشتكي كثير من الأساتذة من استمرار التعليم الكلاسيكي في ثوب " نظام جديد" يعتمد على التلقين دون إدخال الوسائل التكنولوجية في العديد من التخصصات

أدخلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية تعديلات جديدة على نظام التّكوين، بإحداث آليات جديدة للالتحاق بالتعليم الجامعي للحصول على الشهادات العليا تباشر في تطبيقها الجامعات والمعاهد مع بداية الموسم الجامعي المقبل، إذ كشف مرسوم تنفيذي حسب ما نشر في العدد 39 من الجريدة الرسمية يحدّد نظام التعليم والتكوين في الدراسات العليا، عن اعتماد نظام المسابقات للالتحاق بالتّكوين في الطور الثّاني (الماستر)، وفق العدد البيداغوجي المتوفّر يكون بعد الحصول على شهادة ليسانس أو معادلة شهادة أجنبية.

وكشفت الإصلاحات الأخيرة الرسمية المتعلّقة بالتّكوين الجامعي لما بعد الليسانس أن مدّة التكوين في الطور الثاني (الماستر) يمتدّ إلى سنتين أي ما يعادل أربع سداسيات مع رسالة التخرّج (مذكرة ماستر) التي وجب مناقشتها بعد الاطلاع عليها في المجلس العلمي.

وعلاوة على هذا القرار، أقرّ المرسوم التنفيذي أيضًا سنة التّكوين الأخيرة في الطّور الأول "ليسانس" وجب أن تُرفق بـمذكّرة تخرج أو تقديم عرض أو تربّص على صلة بالتكوين.هذه القرارات تعتبر مخرجات صادمة للبعض، خصوصًا فيما تعلق بقضية الماستر، إذ يفسر بأن الوزارة رمت الكرة في مرمى المسؤولين على الجامعات لتقدير مسابقة وطنية للولوج إلى طور الماستر وفق المقاعد البيداغوجية المتوفّرة والمسموح بها، وهو يختلف من حيث الكمّ مع مناصب التكوين في طور الدكتوراه، خاصة وأن الماستر هي فرصة للطلبة بعد نيلهم لليسانس من استكمال التكوين البيداغوجي والأكاديمي.

إجرائيًا، تضع هذه الخطوة رؤساء الجامعات أمام تحديات كبرى، خصوصًا وأن التسجيل في طور الماستر شكّل أحد المشاكل العام الماضي، بسبب عدم تكافؤ الفرص في العديد من التخصّصات، وتكديس الطلبة في مختلف التخصصات، في مقابل عدم قدرة الجامعة على استيعاب هذا الكمّ الهائل من الطلبة من حيث تأطيرهم وتكوينهم تكوينًا ناجعًا.

تصحيح مخطط

أما واقعيًا أو ميدانيًا كما ذكر عديد المنتمين إلى الأسرة الجامعية، تعتبر هذه القرارات "إصلاحات تهدف إلى إعادة النظر في بعض الإجراءات المتّخذة قبل سنوات في التكوين الجامعي"، بل هي تمسّ نظام التّعليم (ال أم دي) أي ليسانس ثلاث سنوات وماستر سنتين ودكتوراه خمس سنوات)، حيث تأتي مرة أخرى لتفتح باب التأويلات مفتوحًا وشكوك في جدوى إلغاء النظام الكلاسيكي والتمسّك بمنظومة تعليمية لا تتوافق مع متطلبات سوق الشّغل.

يعود العمل بنظام "ال أم دي" إلى سنة 2004، إذ أقرّت الحكومة آنذاك بضرورة الالتحاق بركب الدول المتقدمة، غير أنّ الجامعات تعاني اليوم من الكمّ الهائل للطلبة، إذ لم تستجيب لمختلف الإجراءات التي فرضتها سرعة التقدّم على مستوى قطاعات العلوم والتّكنولوجيا والاقتصاد ونقص فادح في التأطير البيداغوجي.

وحول هذا الموضوع، تحدث أستاذ الهندسة المدنية الهادي عماري من جامعة سطيف لـ"الترا جزائر" أن نظام "أل أم دي" تم إدخاله منذ عشريتين من الزمن، إذ كان ينتظر منه أن يضمن تأطير نوعي وتكوين ذو جودة، يتساوق مع التقدم الحاصل في فضاءات الشغل، خارج أسوار الجامعات، على حدّ تعبيره.

وأضاف الأستاذ عماري أن ما حصل في الواقع يتعارض مع مختلف الانتظارات التي وضعتها الحكومة عند إقرار ذلك النظام، موضحًا أنه لا ضير اليوم في أن نقول إن المنظومة التعليمية تحتاج إلى إعادة نظر وتقييم وتقديم الحلول موازاة مع استمرار استقبال الطلبة.

القديم في ثوب جديد

في سياق ذي صلة، يشتكي كثير من الأساتذة من استمرار التعليم الكلاسيكي في ثوب " نظام جديد" يعتمد على التلقين دون إدخال الوسائل التكنولوجية في العديد من التخصصات التي شهدت خارج الجامعات تطورا منقطع النظير، وهو ما وصفته أستاذة البيولوجيا بجامعة قسنطينة فريدة بلعسل بالتعلّم النّظري فقط، موضحة أنه لا يمكن تجريب تعلّم البيولوجيا في حين لا تتوفر المخابر للاطلاع ميدانيًا على حقيقة هذا التخصص، وغيره من التخصصات التي تعاني من المشكلة نفسها.

وبخصوص، عودة نظام المذكرات في نهاية تكوين الليسانس وهو الذي كان معمول به قبل 18 سنة من الآن، يعتبر خطوة إلى الوراء لأنه لا يمكن أن نغفل أن الطلبة يعانون من مشكلة المنهجية في إنجاز مذكرة الماستر وهو ما كان يحصل لو أبقى المشرع الجامعي على مسألة مذكرة نهاية الليسانس التي كانت مفروضة في النظام الكلاسيكي.

تسرع وارتجال

ومن جهته اعتبر بدرالدين زواقة أستاذ الإعلام من جامعة باتنة شرق الجزائر، أن الإصلاحات الجديدة، ما هي إلا اختلالات تقع فيها الجامعة، لافتًا إلى أن ضخامة عدد الذين يدخلون الجامعة هم سبب الارتباك.

وأكد زواقة على أن نظام " أل أم دي" هو نظام أنشئ في بيئة جدّ متقدمة، لديها توطين للمعرفة ومجتمع المعلومات، إذ لا يمكن أن نطبقه في الجزائر حيث لا زلنا نعاني من مشكل تدفق الشبكة العنكبوتية الإنترنت وغياب الحوكمة.

ولفت محدّث "الترا جزائر" إلى إشكالية عميقة في المنظومة التعليمية في الجامعات الجزائرية تتعلق أساسًا بــ" تطبيق نظام تعليمي وُسم سابقًا بمنظومة جديدة، يعوّض النظام التعليمي القديم أو نظام التعليم العالي الكلاسيكي" كما قال، موضحًا أن "هذا النهج تمّ مسايرته بطريقة عمياء".

وفي هذا المضمار، فإنّ المنظومة المتقدّمة في أوروبا التي أنجزت هذه النظام التعليمي تختلف كثيرًا عن منظومتنا التعليمية من حيث الوسائل والتقاليد المعرفية والمخرجات أيضًا، حسبما ذكر الأستاذ زواقة فمن ناحية التسجيل للجامعات أن 40 في المائة من الحائزين على شهادة الباكالوريا في أوروبا يتوجهون إلى الجامعات ومجال البحث العلمي، بينما الـ 60 في المائة منهم يتوجهون إلى التكوين المهني لأنهم مستقبل المؤسّسات الصغيرة الخاصة والتي يقوم عليها الاقتصاد والتنمية البنى التحتية.

إصلاحات مُتكرّرة

يحنّ الكثيرون إلى النظام التعليمي القديم رغم مخرجاته التي لا تتناسب مع التجربة التي تخوضها الجزائر من حيث مسايرة المنظومة العالمية المتقدمة، خصوصًا مع خصخصة بعض القطاعات، إذ يعتقد البعض أن البحث العلمي بات هزيلًا في السنوات الأخيرة في العديد من التخصصات.

ومن خلال هذا المنظور، وقبل تنفيذ النظام المعمول به اليوم تشكّلت للباحثين الطلبة ملكات البحث والأفق المعرفي رغم المشاق والعوائق خاصة قبل ولوج التكنولوجيا والإنترنت التي جعلت من الطلبة اليوم يبحثون عن الأسهل والبسيط في غالب الأحيان.

وعلقت الأستاذة منية سلطاني من جامعة أم البواقي شرق الجزائر، قائلة إنّه لا يمكن تنفيذ مشروع طور الماستر المقرّر مؤخرًا بمخرجات كاملة كما هو مسطر له على الورق، إذ تحتاج –حسبها-إلى بيئة ورؤية متكاملة وواضحة.

مينة سلطاني: ما ذنب الأجيال السابقة والقادمة من مخططات يعاد تعديلها كلّ مرة دون رؤية كاملة وواضحة؟

كما تحفّظت محدّثة "الترا جزائر" على الخطة الاستراتيجية التي اتبعتها الوزارة بخصوص مناهج التعليم العالي، لكنها تساءلت في الأخير، بقولها: "ما ذنب الأجيال السابقة والقادمة من مخططات يعاد تعديلها كلّ مرة دون رؤية كاملة وواضحة؟".