14-يونيو-2022
صالح قوجيل، رئيس المجلس الشعبي الوطني (الأناضول/Getty)

صالح قوجيل، رئيس المجلس الشعبي الوطني (الأناضول/Getty)

غاب صوت البرلمان الجزائري في الأزمة المتصاعدة مع إسبانيا، باستثناء تصريحات خافتة صدرت عن رئيس الغرفة العليا صالح قوجيل، بمناسبة المصادقة على قوانين جديد أعلن فيها مُساندة المؤسسة التشريعية للحكومة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

نائب في اللجنة البرلمانية المشتركة مع الاتحاد الأوروبي لـ "الترا جزائر": هنا معوقات تمنع مشاركة برلمانِنا في الاشتباك الدبلوماسي القائم مع إسبانيا لعدم التشويش على الموقف الرسمي

ورغم أن الدستور الجزائري يتيح في مادته 152 إجراء مسائلة الحكومة حول السياسية الخارجية وتنظيم نقاش داخلي، لم تبادر أيّا من غرفتي البرلمان بخطوات في هذا الاتجاه بمن في هذه الفترة التي تشهد أزمة غير المسبوقة مع إسبانيا على خلفية تحول مدريد من النزاع في الصحراء.

وفي المناقشات التي ينظمها البرلمان يُلحَظ تراجع تناول القضايا الدولية باستثناء إشارات شاردة للقضية الفلسطينية أو للعلاقات مع فرنسا والحرب الروسية على أوكرانيا، مقابل اهتمام أوسع بالقضايا ذات البُعد الداخلي وخصوصًا التنمية، الصحّة، الشغل وندرة المواد الغذائية، وقد يحدث أن تكسر الأجندة بيوم برلماني حول ملف في السياسة الخارجية أو إنشاء لجنة صداقة برلمانية واستقبال وفد أجنبي، لكن سرعان ما يغرق البرلمان الجزائري في يومياته (تشريعات وقوانين ولجان استعلامية وأسئلة شفوية أو كتابية يختفى فيها الشأن الخارجي).

وبعد عام كامل على اِنتخابه لم يسجّل نزول وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة للمجلس للرد على الأسئلة بنوعيها (مكتوبة أو شفوية) أو تقديم عرض أمام لجنة الشؤون الخارجية ولا مرّة، بما في ذلك في عزّ الطلب عليه من قبل النوّاب للتدخل لمساعدة الرعايا الجزائريين المحتجزين في بلدان أجنبية بسبب الحجز الصحّي.

وعزا النائب حمزة بلخير نائب، عن حركة مجتمع السلم، عدم قُدرة النواب على مسائلة الحكومة في مسائل السياسة الخارجية، إلى ضعف البرلمان، معقّبًا في حديث خصّ به "الترا جزائر" عن غياب صوت البرلمان الجزائري في الأزمة الدبلوماسية مع إسبانيا، بعكس ما جرى من الضفة المقابلة للمتوسط: "مجلسنا ضعيف إلى درجة أنه غير قادر على حماية أعضائه، في تلميح إلى إيداع برلماني في الحبس على سبيل محاكمته وطلب رفع الحصانة البرلمانية عن مجموعة أخرى من أعضاء البرلمان.

وتساءل بلخير، كيف له أن يُحاسِب الحكومة في مجال السياسية الخارجية في مثل هذا الوضع؟، مضيفًا: "كثير من الصلاحيات التى يمنحها الدستور للبرلمان مُعطّلة من رقابة ومساءلة وتشريع، بل أنه لا يستعمل إلاّ 10 بالمائة منها."

ويؤمن أعضاء سابقون في غرفة النواب بأن البرلمان الجزائري مؤسسة واجهة ليس إلاّ، وبأن البلاد لا زالت تعاني عجزًا فادحًا في الديمقراطية، بدليل أنه باستثناء محاولات مع كتلة حركة مجتمع السلم المعارضة، لم يتم اقتراح قوانين من صلب المؤسسة التشريعية، ومن النادر إدخال تعديلات عميقة على النصوص القوانين التي تأتي من الحكومة وأهمها قانون الموازنة السنوية، فيما جزء مهم من تركيبة المؤسسة التشريعية (58 عضوًا) يخضعون للتعيين، (الثلث الرئاسي في مجلس الأمة).

وفي السياق ذاته يخضع مرشّحو الأحزاب المعارضة لمراقبة مسبقة، يقصى في العادة الأعضاء المعروفون بمعارضتهم الشديدة؛ وأدت هذه القيود لإفراغ البرلمان من عديد الكفاءات السياسية، والذي تعزّز بفرض نظام تحديد العهدات النيابية (لا يحق لأعضاء البرلمان الحصول على أكثر من عهدتين نيابيتين).

لكن عضوًا بارزًا في اللجنة البرلمانية المشتركة "الجزائر– الاتحاد الأوروبي"، فضّل عدم الكشف عن هويته، أشار إلى معوقات موضوعية تحدُّ من دور البرلمان الجزائري وتمنعه من المشاركة في الاشتباك الدبلوماسي القائم مع إسبانيا وأنصارها في مؤسّسات المفوضية الأوروبية، ومنها عدم الرغبة في التشويش على الموقف الرسمي زيادة على اعتبار السياسة الخارجية من اختصاص رئيس الجمهورية.

ما يصفه البرلماني بعدم التشويش، يحمل تلميحًا إلى أن تناول القضايا الخارجية لا يكون إلاّ بإيعاز من السلطات للدخول على خط المواجهة، أو احتواء أي خطاب يصعّد الخلاف.

فيما رأى النائب كمال بن خلوف رئيس المجموعة البرلمانية لحركة البناء الوطني الشريكة في الحكومة أهمية إجراء نقاش حول السياسة الخارجية، موضحًا في تصريح لـ "الترا جزائر"، أنّ هذا من صميم مهام أعضاء البرلمان، واستطرد: "على الأقل كان يجب إحاطة ممثلين عن المجموعات البرلمانية بما يجري لأجل انسجام أكبر في الخطاب السياسي والوقوف إلى جانب الدولة في مواجهة التهديدات المبطنة التي يوجهها لنا الخصوم".

قيود وموانع دستورية

دستوريًا، يمكن للنواب وأعضاء مجلس الأمة مناقشة قضايا السياسية الخارجية، لكن المشرّع الجزائري قيّد هذا الحق بشكل أفرغ المادة 152 من محتواها فحصر المبادرة بالدعوة للقيام بمناقشة حول السياسية الخارجية في شخص رئيس الجمهورية ورئيسي غرفتي البرلمان فقط، لكن وبعد عامين من العمل بالدستور لم يغامر لا الرئيس بفتح باب المسائلة حول السياسة الخارجية والأمر سيّان بالنسبة لرئيسي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وهما من أنصاره. كما لم ينزل إلى البرلمان لإلقاء خطاب للأمة وهو إجراء مباحٌ دستوريًا.

ولم يبادر البرلمان الجزائري كذلك بتنظيم نقاش حول قضايا داخلية باستثناء مناسبات وفترات عرض برامج الحكومات وبيان السياسة العاملة (تقييم منجزاتها) أو مناقشات قوانين المالية (الموازنة السنوية)، حيث لوحظ تراجع سقف الانتقادات في غياب المعارضة اليسارية وأحزاب الأقلية باستثناء حالات نادرة حيث صدرت مطالب بإقالة وزراء وُصفِوا بالفاشلين.

وإلى جانب عدم تفعيل المادة 152، بقيت مكتسبات دستورية أخرى مجرد إعلانات أو شعارات، منها الفقرة الثانية للمادة 116 من الدستور الجديد التي تتيح للبرلمان مناقشة جدول أعمال تقترحه كتلة نيابية معارضة مرة واحدة في الشهر.

ولا تبدو السلطة التي انبثقت عن انتخابات 2019 بقيادة عبد المجيد تبون مستعجلة في تنفيذ الالتزامات التي قدمتها، من خلال ما يلاحظ من تلكؤ في ترجمة المواد الدستورية، التي تتيح مسائلة الحكومة في تشريعات وأبرزها النظام الداخلي للغرفتين.

تبون يتولى تقديم الإحاطة بنفسه

العلاقات الخارجية وقضايا السياسة الدولية للجزائر حاضرة دائما في اللقاءات التي جمعت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في الأشهر الأخيرة مع قادة أحزاب سياسية مستقلة أو من الموالاة، ونقلت وكالة الأنباء الرسمية مثلا، عن عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني الشريكة في التحالف الحكومي بعد استقباله من قبل تبون في التاسع أيار/ماي الماضي قوله: "إن اللقاء كان فرصة للتطرق لكل ما يدور في الجزائر ومحيطها الإقليمي"، دون تقديم تفاصيل.

حرص تبون في الأشهر الأخيرة على تمرير قراراته عبر المجلس الأعلى للأمن وهي هيئة استشارية بدأت في الأعوام الأخيرة تلعب دورًا كبيرًا في صناعة القرار

رغم توفر الرئيس الجزائري على صلاحيات دستورية واسعة لحدّ اعتبار النظام الجزائري بالرئاسي، تعتمد منظومة آلية اِتخاذ القرار على آلية التشاور، وحرص تبون في الأشهر الأخيرة على تمرير قراراته عبر المجلس الأعلى للأمن وهي هيئة استشارية بدأت في الأعوام الأخيرة تلعب دورًا كبيرًا في القرار، إظهارًا لانسجام المنظومة وتتشكل الهيئة من أعضاء وزراء السيادة ومسؤولي الأجهزة الأمنية وقادة ضُبّاط الجيش.