27-يونيو-2022
خلال افتتاح ألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران (الصورة: الأناضول/Getty)

خلال افتتاح ألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران (الصورة: الأناضول/Getty)

شجّع قرار وزارة الشباب والرياضة الجزائرية اعتماد تذاكر إلكترونية لمباريات ألعاب البحر الأبيض المتوسط بولاية وهران غرب الجزائر، متصفِّحي الإنترنت من كافة أنحاء البلاد على شراء التذاكر دون التنقل إلى مقرّات بيعها والوقوف في طوابير طويلة لاقتنائها كما كان الأمر في السابق، وهو فسّر لاحقًا حضور عائلات من مناطق بعيدة لحضور فعاليات التظاهرة.

النظرة السائدة عن الملاعب الجزائرية هي تسرّب مناصرين إلى المدرجات محملين بالأسلحة البيضاء والمخدرات والألعاب النارية رغم تشديد الرقابة من طرف أعوان الأمن

ولفت الباحث في علم الاجتماع السياسي عبد النّاصر جابي إلى تأثير طريقة البيع الإلكترونية والمستحدثة مؤخرًا على نوعية الجمهور الحاضِر في مباراة جمعت بين المنتخب الوطني الجزائري والمنتخب الأوغندي في بداية شهر حزيران/جوان الجاري.

بعيدًا عن لغة الكمّ وعدد الجمهور في الملعب، لاحظ جابي شيء من التغيير بدأت تظهر ثماره، وذلك من خلال المشاهدة الأولية في لقطات ومشاهد الجُمهور التلفزيونية وبعض الصور التي نقلها التلفزيون الحكومي، مركزًا على العائلات التي حضرت لملعب 5 جويلية بقلب العاصمة الجزائرية، قائلًا إنّ تغييرًا بسيط في طريقة شراء التذاكر أسهم في تغيير جذري لـ"سوسيولوجية الملعب".

وأضاف معلّقا أن ذلك "درس مهمّ يمكِن تعميمه على كلّ المجتمع لمن أراد أن يغيّر في الاتجاه الإيجابيّ".

ألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران

نظرة سائدة

تغلب نظرة سائدة في الجزائر، فحواها أن الملاعب ليست أماكن مناسبة للنساء والعائلات والأطفال، بل وتشكل خطرًا على كثير من الشباب الجزائري، ولهذا السبب يعزف كثير منهم وتمنع عائلات كثيرة أبناءها من التوجّه لمشاهدة المباريات من مدرجات الملاعب، فإضافة إلى التدافع الكبير لاقتناء التذاكر وسوقوط جرحى خلال هذه العملية، يتسرب إلى داخل الملاعب مناصرون محملون بالاسلحة البيضاء والمخدرات والألعاب النارية رغم تشديد الرقابة من طرف أعوان الأمن، وتقع أحداث شغب دامية بين مشجعي الفريقين المتنافسين يسقط فيها ضحايا من الطرفين.

يبدو أن هدوء الملعب خلال تلك المباراة ووجود العائلات من نساء وأطفال وفتيات وكهول وشيوخ هو الملفِت في المسألة التي نبّه إليه الباحث في علم الاجتماع، "إذ عودّتنا الملاعب على شريحة أكبر تدخل الملاعب وهم من فئة الشباب، وخاصة منهم العاطلين والمطحونين بسبب المخدرات، والمتعطشين لمشاهدة كرة القدم في فضاء خاصّ بهم فقط ومفتوح على إفراغ شحنات الغضب، كمتنفس لهم في ظرف لا يزيد عن ساعتين".

ألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران

وباعتبار أن كرة القدم لعبة شعبية واللعبة الأولى في العالم، يرى البعض أن المشاهد المتعصّب لفريق ما هو المشجّع الأول أو نادي معين، إذ يُبدي ديناميكية أكثر من المشاهد العادي، ومن هذا المنظور، ذكر الإعلامي محمد جمعة أن التغيير ينطلق من تعميم بيع التذاكر الإلكترونية، بأكثر تنظيم وتسهيلات للمواطنين في مختلف أنحاء الوطن.

ولكن في المقابل، وبعيدًا عّما كنا نشاهده في الملاعب من عنف وشغب، لاحظ جمعة في حديث إلى "الترا جزائر"، أن هذه الطريقة في بيع التذاكر أتت بجمهور متفرّج واستقطبت اهتمامه، في الوقت نفسه لم تأت بالأنصار الذين يلهِبون المدرجات، لافتًا إلى أن الأنصار الملهبين يصنعون حالة فرح ويضمنون الفرجة العالية، على حدّ قوله.

بين المشاهد والمتفرّج بون شاسع، وهي ملاحظات دقيقة يمكن أن تؤسّس من خلالها على أطروحات أخرى، أو بالأحرى تقديم قراءات أخرى لها علاقة بفقدان الملعب لوهجه، فالمشجِّعون من منظور نفسي هم المتّصفون بالاهتمام النّشط أو الحركة أو كما قال محمد مدان، أحد مشجعي الفريق الوطني ونادي مولودية الجزائر، في حديث لـ"الترا جزائر"، وأردف: "هم المشجّعون المتعصبون لفريقهم أو ناديهم ويثيرون حماسًا منقطع النظير بإمكانه أن يؤثر على مردود اللاعبين".

وفي رأي مدان، فإن "المشكلة الكبيرة عندما يكون النادي خاسرًا قبل انتهاء المباراة، فالجمهور نفسه هو من يؤثّر سلبًا على لاعب يمكن أن يخطئ، أو العكس تمامًا سيكون الجمهور هو اللاعب رقم 12 لفريقه وناديه بالتّشجيع والتحفيز لآخر دقائق المباراة".

وفي علاقة مع الملاحظة التي سبق أن طرحها الأستاذ جابي فإن "الجمهور الصامت أو السّاكن والذي لا يتفاعل مع اللاعبين هو مشاهد فقط لا غير".

يقول المثل الشّعبي الجزائري:" المتفرّج فارِس"، وفي هذا المضمار فإنه لا يتفاعل ويرى في أخطاء اللاعبين بعين المرتاح الذي يعلّق فقط على خطأ ارتكبه اللاعب أو مجموعة لاعبين في حين أن اللّعبة في أساسها تحتمل دوما الأخطاء وربما تلعب على أخطاء الخصم، ما يعطي لها حرارة.

ثقافة ناعِمة

غالبًا ما يتصف المشاهد بالطابع الحيادي ولو نسبيًا، وهو ما يعني أنّ التّذاكر الإلكترونية جلبت إلى الملعب نوعًا مختلفًا من الجمهور عن ذلك الذي تعوّدنا عليه في المباريات الكبرى، إذ سمّاها الدكتور في الفلسفة لحبيب صاولي بـ" الثّقافة النّاعمة" وهي تختلِف بل وتعاكس الثّقافة المشحُونة بالمشاعِر والأحاسيس والتعصّب والدّيناميكية، على حدّ قوله.

وأضاف مُحدِّث "الترا جزائر" أن الملعب بتلك الطريقة فَقَدَ روحه لأن الجماهير الشبابية المشحونة هي التي تخلق الحياة في الملاعب والتفاعلية"، وأبعد من ذلك، ذهب صاولي إلى القول بأن الملاعب هي فضاء للتّرفيه والتنفيس عن مكبوتات وانفعالات الأفراد في مجموعة غير متجانسة ويتملّص فيها المتفرج من قواعد الأسرة والشارع والحيّ.

ووفق ذلك لفت إلى أن البيع الإلكتروني للتذاكر الخاصة بالملاعب والتظاهرات الرياضية من شأنه أن يُعدِّل السّلوكات التي كنا نشاهدها في الملاعب، خاصة وأننا شاهدنا سابقًا جمهور ينتظر تحت الشمس الحارقة بالساعات من أجل اقتناء تذكرة، ويبقى ينتظر طوال النهار دون أكل وشرب لمشاهدة مقابلة، وبعدها ماذا سننتظر منه؟

حول هذا الاستفهام، شدّد بعض المناصرين على أنّهم قرروا عدم الذهاب للملاعب من فرط التّعب والمشقّة وعدم ضمان راحة وفرجة جميلة، فيما صرح الكثيرون أنّ تلك المسافة الفاصلة بين شراء تذكرة والمشقة التي يقعها المناصرون سبب من أسباب العنف والشغب وإفراغ الشحنات السلبية.

مفتاح لحلّ عُقدة

بعيدًا عن نوعية المشاهد والمناصر والمتفرّج، يطرح الكثيرون أن الوسائل التكنولوجية، قد تحدث التغيير في مختلف مناحي الحياة اليومية، فهي من جهة تسهل المعاملات التجارية والخدماتية، و "تعدل سلوك المواطن الجزائري، أو ستعمل على التغيير، من جهة أخرى".

ألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران

ويتفق الكاتب الصحفي رياض هويلي مع هذا الطرح الإيجابي حسب قوله لـ" الترا جزائر"؛ فالتذاكر الإكترونية هي وسيلة خدمية وتضمن الخدمات عن بعد، بل وسيلة لتيسير الحياة للجزائريين، بعدما أنهكتهم الطوابير وكلمة" إرجع غدًا" وتعقّد شبكاتها الإدارية.

في هذا السياق واصل هويلي بالقول أن التقنية ستكون مفتاحًا للتغير، دون أن نهمل جوانب أخرى قد تدفع إلى ضرورة تعميمها على بقية الخدمات وربما ستكون حلًّا جذريًا لعديد المشكلات التي يقع فيها أي جزائري ومعيقات لمهنته ولأدائه اليومي.

علاوة على تلافي الطوابير، تبقى تعميم التقنية وتقديم الخدمات الإلكترونية مطلب الجميع، إذ كثيرًا ما غرقت الإدارة الجزائرية في الكمّ الهائل من الورق وتعطيل مصالح المواطنين والمؤسّسات على حدٍّ سواء، وفي هذا الإطار، دعا كثيرون إلى ضرورة تشجيع وتعميم مثل هذه المبادرات التي بدأت ببيع تذاكر الملاعب والتظاهرات الرياضية.

ودعا طالب الدكتوراه القادم من ولاية تندوف التي تبعد عن أكثر من 2000 كيلومترًا جنوبي الجزائر إلى جامعة بومرداس شرق العاصمة، إلى توسيع هذه الخدمات خاصة في الجامعات والمدارس، مضيفًا لـ "الترا جزائر" أن ذلك من شأنه تمكين الملايين من التلاميذ والطلبة من دفع رسوم التسجيل عن بعد واقتناء تذاكر الطائرات والبواخر وحتى الحافلات التي تختص بالسفر البعيد على المسافات عبر مواقع إلكترونية وليس تذبذب في هذه الخدمة أحيانًا وتعطيلها أحيانًا أخرى.

وأشار إلى أن هذه الطريقة فيه الكثير من جني أرباح أهمها ربح الوقت وإزالة المشقة على المتعاملين.

التّغيير على مراحِل 

مما لاشكّ فيه، أن التّغيير الشامل لا يأت أكله، فتغيير وضع إلى وضع معاكس قد ينجم عنه مشاكل ومعيقات، والتحوّل من الورقي إلى الإلكتروني يحتاج تدرّج أو مراحل انتقالية ليسهل التعميم الخفيف والتّأقلم مع هذا التغيير. لذلك، من المزايا التي قدمتها التذاكر الإلكترونية حسب الخبير الاقتصادي علي عواطي، هي تسهيل البحث والحجز ومقارنة الأسعار بين المؤسّسات إن كانت مختلفة، بينما في حالة بيع التذاكر الخاصة بالنّشاطات الرياضية مكنت الجمهور من اقتنائها بسهولة وتحديد مقعده للجلوس.

كما تمكِّن هذه العمليات حسب محدّث "الترا جزائر" من الحجز عبر الهاتف من خلال شبكة الإنترنيت دون الحاجة للتنقّل، فضلًا عن تسهيل عملية الاستلام وطريقة الدفع، في مقابل تمكين أجهزة الأمن من مراقبة عدد الجمهور المتفرّج وضمان سلامته أيضًا.

استشرف بعض المختصين تجاوز بيع التذكرة الإلكترونية لدخول الملعب إلى توفير خدمات أخرى مرافقة لها، تكون مدفوعة أيضًا من ملابس وأعلام ومأكولات

واستشرف بعض المختصين تجاوز بيع التذكرة الإلكترونية لدخول الملعب، إلى توفير خدمات أخرى مرافقة لها، تكون مدفوعة أيضًا من ملابس وأعلام ومأكولات وحتى وسيلة النقل من البيت إلى الملعب، وهي بدورها تسهم في عجلة الاقتصاد وغيرها من الخدمات التي ستكون ملازمة التظاهرة الرياضية الأساسية على سبيل المثال لا الحصر، وتعطيها نكهة زيادة على متعة الفُرجة.

 

 

دلالات: