24-مايو-2022
صناعة محلية تركية (تصوير: دييغو كوبولو/ Getty)

فتحت زيارة عبد المجيد تبون إلى تركيا، الباب مجدّدًا أمام مستقبل التعاون الصناعي في المجال العسكري، ويأتي هذا الاعلان في توقيت تشهد فيه العلاقات الدولية توتّرات على عدّة أصعدة، كان آخرها الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث أعلن الجزائر وأنقرة عن عزمهما على تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، بعد تصاعد مستوى التعاون بينهما في الفترة الأخيرة، لاسيما في المجال الاقتصادي والطاقوي.

العلاقات الجزائرية التركية تجاوزت الطابع الاقتصادي إلى المجال الاستراتيجي و الصناعات العسكرية الذي يتطلب وجود عامل ثقة متبادل بين الطرفين

 رغبة الطرف الجزائري في الشراكة مع أنقرة، تندرج في تَحول تَدريجي نحو تعزيز القدرات العسكرية الجزائرية، وتنويع الترسانة العسكرية ومصادرها، وكذا تقليص فاتورة الاستيراد، ناهيك عن عصرنة العتاد العسكري والحربي لمواجهة التحديات الأمنية وتعزيز القوات الدفاعية.

طموحات الجزائر

في سياق الموضوع، يُشكّل تجسيد التعاون في مجال الصناعة العسكرية بين الجزائر وأنقرة عنوانًا لتحوّلات جديدة على عدّة أصعدة بالنسبة إلى الجزائر، على غرار الاستجابة إلى التحديات الاستراتيجية والأمنية والدفاعية التي باتت تعرفها المنطقة المغاربية والساحل الأفريقي والحوض المتوسطي، كما يهدف التعاون إلى التغطية الأمنية على كامل الحدود الشرقية والغربية والجنوبية، والذي تمتد إلى أكثر من  1600 كلم مربع، وهي الطبوغرافية التي تتطلب خصوصية في مجال التسليح، وتَفرض التحكم في التكنولوجيات والاتصالات والمراقبة الجوية باستمرار.

علاوة على ذلك، يستجيب هذا التعاون والشراكة إلى رغبة الجزائر للبروز كقوة صلبة في المنطقة، تَنشط في الإطار الأممي، وتساهم بقوة في البعثات الأممية والأفريقية من أجل تعزير الاستقرار والأمن الإقليمي والأفريقي.

يُشار أن الدستور الجديد أدرج بندًا يسمح بمشاركة الجيش الجزائري في عمليات عسكرية خارج الحدود القُطرية، وأثار هذا البند جدلًا واسعًا، واعتبرت مجلة الجيش أن المادة تتماشى مع السياسة الخارجية الجزائرية، وأكّدت أن مشاركة الجيش ستسمح بتعزيز السلم والأمن الأفريقي، مع الإشارة أن سياسة الخارجية للجزائر تدعو إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

شراكة متبادلة

وتعليقًا على التقارب الجزائري- التركي في مجال الصناعة العسكرية، قالت شروق مستور، الباحثة في الشأن الأمني والإستراتيجي أن الغاية من وراء الشراكة بين الجزائر وأنقرة تهدف إلى نقل تكنولوجية الصناعات العسكرية التركية إلى الجزائر، مضيفة في حديث إلى "التر جزائر" أن البلاد بإمكانها الاستفادة من التجربة التركية في مجال الصناعة العسكرية.

ترى الباحثة، السياق نفسه، أن الجزائر تسعى إلى بعث قاعدة صناعية قوية في مجال التصنيع العسكري، معتبرة أن الجانب التركي أبدى استعداد لتحويل التكنولوجية العسكرية الدقيقة نحو الجزائر، أمّا بخصوص انعكاسات هذا التقارب على توتر العلاقات مع روسيا، انطلاقًا أنها المورد الأساسي للعتاد العسكري الجزائري، أوضحت مستور أن الاعتماد على روسيا كشريك استراتيجي لا يعني وجود عقيدة عسكرية ثابته، بل هو تعاون يخدم مصالح الجزائر أولًا، إذ أن روسيا، حسبها، شريك تقليدي ووجوده لا ينفي إمكانية وجود شركاء آخرين.

أما عن السياقات الجيو إقليمية لهذا التقارب، تقول مسروق مستور، إن العالم يتجه إلى نحو تأسيس نظام متعدد الأقطاب، ومن أهم سماته فتح الأبواب أمام التكتلات والتحالفات وعقد شراكات غير مقيدة، مع وجود فرص عديدة في تنويع الفواعل وفق المصلحة الوطنية،وختمت المحتدثة أن تركيا ومستقبل عديد من الدول ستكون رائدة في مجال الصناعات العسكرية على المستوى الإقليمي، على حدّ تعبيرها.

أبعد من التعاون الاقتصادي

في سياق متصل، شكل تصاعد التعاون بين الجزائر وتركيا في الفترة الأخيرة، لاسيما في المجال الاقتصادي والطاقوي، زيادة على تقارب الرؤى في الملف الليبي والساحل الأفريقي، دافعًا آخر للتعاون بين البلدين، وبلغ هذا التقارب بعد زيارة طيب رجب أردوغان ولقاء نظيره الجزائري عبد المجيد تبون عقب انتخابه في  كانون الثاني/جانفي 2020، وتبادل الزيارات بين وزير الخارجية الجزائري ونظيره التركي.

خلال زيارة أردوغان إلى الجزائر، قال الرئيس التركي إن تركيا حققت قفزة نوعية في مجال الصناعات العسكرية وأنها باتت من بين أربع دول في العالم رائدة في صناعة الطائرات وكذا البواخر البحرية والمروحيات وأنظمة المراقبة، مؤكّدًا لقاه الصحافي حرص بلاده على التعاون في مجال الصناعات العسكرية.

كما أوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، بأن أنقرة والجزائر عازمتان على تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وبدوره قال عبد المجيد تبون أمام منتدى الأعمال والاستثمار في إسطنبول“اتفقنا على فتح الشراكة والاستثمار في جميع القطاعات والاستثمار المشترك في الصناعات البحرية، والعسكرية والثقيلة وسنشجع المستثمرين ونمنح لهم كل التسهيلات من اجل الانتقال من الإنتاج إلى التصدير”.

تنويع الشركاء

من جانبهم، يرى مراقبون أن خطوة الجزائر تأتي في السعي إلى خلق تعاون وشراكات، وتنويع مواردها وشركائها في مجال التصنيع والتسليح، حيث بلغ التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين إلى مستويات سياسية ترضي الطرفين، وهو ما شجعهما إلى توسيع مجال التعاون إلى أبعد من الطابع الاقتصادي إلى المجال الاستراتيجي والمتمثل في مجال الصناعات العسكرية، الذي يتطلب وجود عامل ثقة متبادل ومتشارك.

التحرّك الجزائري تجاه الشراكة مع تركيا في مجال الصناعات العسكرية تهدف إلى إرساء قاعدة صناعية عسكرية وطنية

بإلقاء نظرة شاملة، فإن التحرّك الجزائري تجاه الشراكة مع تركيا في مجال الصناعات العسكرية تهدف إلى إرساء قاعدة صناعية عسكرية وطنية، وتنويع التحالفات، ما يأهلها إلى أداء أدوار محوريا في المنطقة المغاربية ودول غرب افريقيا والساحل، وفي ظلّ تراجع النفوذ الفرنسي، وامتداد قوى إقليمية أخرى، يندرج النشاط الجزائري الدبلوماسي والعسكري ضمن المحاور المعتدلة وعدم التدخل العسكري في الصراعات الإقليمية.