18-مايو-2022
الرئيس تبون ونظيره التركي رجب طيب أردوغان (تصوير: آدم ألتان/أ.ف.ب)

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره التركي رجب طيب أردوغان (تصوير: آدم ألتان/أ.ف.ب)

عاد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مساء الثلاثاء إلى الجزائر بعد إنهاء زيارة دولة إلى تركيا دامت ثلاثة أيام بدعوة من نظيره رجب طيب أردوغان، وهي الزيارة الأولى للرئيس إلى تركيا منذ اعتلاءه سدة الحكم، والأولى من نوعها لرئيس جزائري منذ سنوات طويلة وتأتي في إطار سلسلة الزيارات التي قادته لعدد من الدول في إطار إعادة الجزائر إلى محور الدور الإقليمي والدولي.

قال تبون خلال زيارته إلى تركيا إنّ الجزائر  تفكر في اتخاذ خطوات مهمة، خاصة في الصناعة المدنية والعسكرية والبحرية

ويمكن تقسيم أجندة الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري إلى تركيا إلى ثلاثة محاور؛ أولهما اقتصادي متعلق برفع التبادلات التجارية وتقديم تحفيزات للمستثمرين الأجانب، وثانيهما سياسي إقليمي متعلّق بتقريب وجهات النظر خاصة في الملف الليبي ووأد الخلافات التقنية المتعلقة بإجراء الانتخابات في الجارة الشرقية للجزائر، وثالثهما متعلّق بالمجال التعاون الأمني العسكري بين البلدين.

في هذا السياق، قال تبون خلال زيارته إنّ الجزائر "تفكر في اتخاذ خطوات مهمة، خاصة في الصناعة المدنية والعسكرية والبحرية"، مضيفًا أن بلاده مستمرّة في التعاون مع تركيا والتبادل التجاري معها في مجالات عدة لخدمة مصالح البلديْن، على حدّ قوله.

الملف الليبي والفلسطيني

أما في الجانب السياسي، فقدحضر الملفان الليبي والفلسطيني على طاولة المباحثات بين الرئيسين، حيث أكّد تبون على تطابق وجهات النظر مع الجانب التركي في مختلف القضايا الإقليمية، لا سيما فيما يتعلّق بليبيا.

وفي مجال التعاون الاقتصادي، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اجتماعه بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أنقرة، عن توقيع 15 اتفاقية تعاون بين البلدين في مجالات عدّة أبرزها المجالات الاقتصادية.

وفي سياق لقاءات الرئيس في كل خرجة دولية مع الجالية الجزائرية خارج الوطن، استمع الرئيس تبون الى كل المتدخلين من الحضور, كما رد على أسئلتهم بخصوص القضايا المتعلقة بوضعية النقل الجوي وأسعار التذاكر وظروف الحصول على الوثائق الإدارية لدى مصالح القنصليات الجزائرية.

بعد استراتيجي 

اقتصاديًا، تعتبر تركيا المستثمر الأول في الجزائر إذ أشارت أرقام رسمية إلى غلاف استثماري تستغله أنقرة بقيمة 5 مليارات دولار، ممثلًا في عدة مصانع وشركات أهمها استثمار 800 مليون دولار أميركي في مصنع الحديد" توسيالي"، بناء على أرقام الوزارة الأولى، علاوة على الاستثمارات في شركات الأشغال العمومية والبناءات وترميم المنشآت التاريخية، حيث تنشط أكثر من 2500 شركة في الجزائر.

أما تجاريًا تسعى تركيا إلى أن تتصدر المرتبة الأولى من حيث التبادلات التجارية مع الجزائر خصوصًا عقب إعادة فتح الخط البحري لنقل السلع والبضائع بين الموانئ الجزائرية والتركية، وذلك منذ ربع قرن تقريبًا من التوقّف، فيما وصل حجم التبادل التجاري الثنائي إلى 3.5 مليارات دولار.

وفي سياق التحولات الجارية على المستوى الدولي، يقرأ متابعون للشّأن السياسي في الجزائر زيارة تبون لتركيا بالزيارة ذات البعد الاستراتيجي في تعزيز العلاقات بين البلدين، خاصة أنها تعود إلى الفترة العثمانية (1518 ـ 1830)، حيث تتطلع الجزائر إلى توطيد علاقاتها مع دول الجوار وذات التاريخ المشترك، وتعزيز نوعيتها، خصوصًا منذ اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة بين الطرفين في سنة 2006.

تنسيق ثنائي

من المنتظر أن تتواصل عملية بناء العلاقة الثنائية بين البلدين، بالاشتغال على التنسيق المستمر في مستويات مختلفة بين الجانبين أهمها؛ السياسي والأمني، في اتصالهما بالأزمات ذات البعد المتقارب بين الجزائر وأنقرة وتحدياتهما في المنطقة، على غرار الملفّ الليبي، والقضية الفلسطينية، وتنسيق المواقف حيالهما، علاوة على التنسيق العسكري بينهما إضافة إلى التنسيق الأمني في علاقة بتسليم المطلوبين من قبل القضاء الجزائري.

الوجهة التركية في نظر المحلل السياسي أستاذ العلاقات الدولية عبد الله سعداني لها أبعاد إيجابية متعدّدة، إذ غيرت أنقرة توجهها للعلاقات الدولية في تجاه دول شمال أفريقيا بناءً على "الوجهة ذات المصالح الثنائية البينية أو ما يسمى بالجوار المباشر".

وفي هذا السياق، أضاف أن الزيارة تأتي أحّد مؤشرات ثقة الجزائر في إعادة توجيه علاقاتها الثنائية وتعزيز مكانتها سياسيًا واقتصاديًا من خلال الروابط مع البلدان ذات العلاقة التاريخية، وإيجاد فرص أوسع في التعاون الثنائي في شتى القطاعات والمجالات.

مبدأ المصالح

من خلال المعطيات سالفة الذّكر، يرى الخبير الاقتصادي شفيق بن يحيى أن الزيارة ستبرز الفرص الاستثمارية المتوافرة لدى تركيا عن قرب، موضحًا أن نوعية الزيارة من حيث الوفد المرافق للرئيس، سيعزز الشراكات الممكنة في المستقبل وطريقة خلق هذه الفرص بين البلدين.

وبفعل هذه اللّقاءات، قال محدّث " الترا جزائر" إن من شأن الجزائر أن ترفع سقف التّحديات في شتّى المجالات وتوجيه جهودها في التنويع الاقتصادي، علاوة على الاهتمام بالفرص المتاحة لاتّفاقيات الشّراكة.

ولفت إلى أن الشّراكة عمومًا تعتبر "آلية للنموّ والتوسّع وتبديل العلاقة التنافسية بالتعاون، والتبادل في الخبرات والتّجارب من أجل كسب المهارات"، إذ تهدف الجزائر إلى تعزيز اعتمادها على الشراكة كبديل أو خيار استراتيجي".

وأشار في هذا الصدد إلى قدرة الجزائر في التوصل إلى تقدم في شراكات ذات منفعة كبرى، وفي نموذج العلاقات مع تركيا فهي نوع من أنواع العلاقات التي تعقدها الجزائر مع مختلف الدول التي ترمي من ورائها الدّبلوماسية السياسية والاقتصادية إلى إرساء مبدأ المصلحة المشتركة والمنفعة المتبادلة.

تملك الجزائر مختلف العوامل والمقوّمات التي تمكّنها من تحقيق وثبة في مجال التنمية الاقتصادية من بوابة تنويع الاستثمارات الخارجية

ختامًا، تملك الجزائر مختلف العوامل والمقوّمات التي تمكّنها من تحقيق وثبة في مجال التنمية الاقتصادية من بوابة تنويع الاستثمارات الخارجية وتقوية القطاعات المتصلة بها وانعكاسها على التنمية، حيث يسعى الطرفان إلى رفع قيمة المبادلات التجارية بين البلدين إلى ليصل إلى أزيد من 10 مليار دولار، ما يضع تركيا على رأس قائمة الدول التي تتعامل معهم الجزائر في هذا المجال.