04-يونيو-2022
قوات الجيش المالي (الصورة: أ.ف.ب)

أثار غياب تعليق جزائري على قرار السلطات الانتقالية في مالي الانسحاب من مجموعة الخمس بالساحل الأفريقي ومن قواتها العسكرية لمكافحة الإرهاب، عدّة تساؤلات حول دور الجزائري الإقليمي في المنطقة ومدى تأثيره على مجريات الأحداث، خاصّة وأن قرار الانسحاب المالي جاء احتجاجًا على رفض رغبة مالي في تولي رئاسة هذه الهيئة الإقليمية.

يعترض التدخل الفرنسي ونفوذه على دول الإكواس مبادرة الجزائر في الصلح بين مالي ودول غرب أفريقيا

وأعلنت باماكو في في وقت سابق رفضها ذريعة إحدى الدول الأعضاء في مجموعة دول الساحل الخمس، تستند إلى الوضع السياسي الداخلي لمعارضة مالي"، دون أن يذكر البيان هذه الدولة، مضيفًا أن اعتراض بعض دول الأعضاء يعود إلى ارتباط هذه الدول بدولة خارج المنطقة تعسى جاهدة إلى عزل باماكو"، في إشارة واضحة إلى فرنسا.

يشار أن العلاقات بين مالي وفرنسا شهدت تدهورًا في الأشهر الأخيرة، بعدما طالب المجلس العسكري في مالي إعادة النظر في العلاقات العسكرية الثنائية، تلاه طلب انسحاب القوات الفرنسية من الأراضي المالية.

مجموعة الساحل هو تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون تأسس عام 2014، يضم كل من مالي وموريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر، ويهدف إلى مكافحة الجماعات الجهادية والمتشددة في منطقة الساحل، ويصل تعداد القوة العسكرية لمجموعة الساحل الخمس إلى 5 آلاف عنصر .

ردود الفعل الإقليمية

في سياق متصل برد فعل المجتمع الدولي إثر انسحاب مالي من دول الساحل الخمس، اعتبرت موريتانيا أن قرار مالي غير مبرر، وسيؤثّر على الوضعية الأمنية في المنطقة، وقالت نواكشط أن انسحاب مالي من المجموعة له تأثيرات كبيرة على المقاربة الأمنية في المنطقة بصفة خاصّة.

من جهته، اعتبر رئيس النيجر أن قوّة مجموعة الساحل الخمس "ماتت" بعد انسحاب مالي، فيما اعتبر مجلس الأمن الدولي أن قرار مالي يعد خطوة إلى الوراء، ومن شأن القرار أن يقوض جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، حسب رأيه.

في السياق نفسه، وعبرت فرنسا عن أسفها لانسحاب مالي من مجموعة دول الساحل الخمس، معتبرةً القرار يقوض الجهود الإقليمية لمحاربة الإرهاب ويعكس "عزلة" المجلس العسكري الحاكم في باماكو.

صمت جزائري

رغم الضجة الإعلامية والدبلوماسية التي أثارها قرار المجلس العسكري في مالي، لم يَصدر عن السلطات الجزائرية أي بيان يُعبر بشكل واضح عن موقف الجزائر تجاه قرار السلطات مالية، فما هي دوافع صمت السلطات الجزائرية تجاه قرار انسحاب مالي من مجموعة الساحل الخمس، وهل تتخوف الجزائر من انعكاسات هذا الانسحاب على الوضع الأمني في المنطقة؟

من جهتهم، يرى مراقبون أن خطوة انسحاب المجلس العسكري الانتقالي في باماكو من مجموعة دول الساحل الخمس كانت متوقعة ومنتظرة. في هذا الشأن، قال إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا، المحلل السياسي الموريتاني والمختصّ في الشأن الساحل الأفريقي، إن انسحاب مالي من تجمع دول الساحل يشكل تقطيعًا جغرافيًا قاتلًا للمنظمة وشللًا حقيقيًا لها.

وأضاف المتحدّث أن حصار الذي فرضته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "الإيكواس" هو السبب المباشر لهذا الخلل، معتبرًا أن التزم النيجر بالقرار الغرب الأفريقي نذير تشتت وارتداد ولد انسحاب مالي.

وزاد يعقوب أن التدخل الخارجي الفرنسي يجعل قرار الانسحاب سببًا ارتكازايًَا، حيث أن مالي تخضع منذ كانون الثاني/جانفي لسلسلة من العقوبات والتدابير الاقتصادية والدبلوماسية فرضتها دول غرب أفريقيا ردًا على توجه المجلس العسكري الحاكم وتمسكه بالسلطة بعد انقلاب أيار/ماي 2021.

مساعي وساطة الجزائر

وعلى ضوء ذلك، سعت الجزائر إلى الوساطة بين مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بعد نشوب أزمة بين الجانبين حول إدارة المرحلة الانتقالية، ودعت الجزائر الأطراف إلى ضبط النفس، والعودة إلى الحوار، لتجنيب المنطقة دوامة العنف والتوترات وتفاقم الأزمة.

وتسعى الجزائر إلى إنجاح الوساطة في الملف المالي، إذ تحظى الجزائر بثقة الأطراف في مالي، فضلًا عن علاقات موسعة مع الدول الأفريقية خاصّة دول الإيكواس، ففي إطار التخفيف من ضغط الدول غرب أفريقيا ترسل الجزائر إلى مالي بشكل دوري مساعدات غذائية وأدوية، وآلاف جرعات من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.

في مقابل ذلك، يعترض مبادرة الجزائر في الصلح بين مالي ودول غرب أفريقيا، التدخّل الفرنسي ونفوذه على دول الإيكواس، إذ تتهم القيادة العسكرية في مالي فرنسا باستخدام منظمة إيكواس كأداة لتصفية حسابات مع القيادة المالية، وفرض عقوبات على باماكو بعد مطالبتها بإعادة النظر في الاتفاقيات الدفاعية الثنائية، وإقامة علاقات مع روسيا، فضلًا عن طرد السفير الفرنسي في الـ 31 كانون الثاني/جانفي.

محاولة الطرف الفرنسي 

هنا، يرى خبراء في مجال العسكري والأمني، أن تأسيس مجموعة الدول الخمس في الساحل جاء نتيجة إرهاق وفشل القوات الفرنسية (عملية برخان)، وتورّطها في مستنقع الساحل الأفريقي، وبالتالي لم تكن النشاءة نتيجة عن إرادة سياسية في تشكيل إطار استراتيجي وأمني من أجل التصدي للتهديدات الأمنية، بقدر ما كان محاولة تقليص النفوذ الجزائري في المنطقة.

فالحسابات الفرنسية في فرض كل من موريتانيا وتشاد كانت هدفه تحييد الدور الجزائري في المنطقة، والذي باشرته سنة 2010 إلى تأسيس قيادة مشتركة بين الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، مقرّها تامنراست أقصى الجنوب الجزائري، وعارضت الجزائر أي تدخل أجنبي مباشر في المنطقة، ودعت بالمقابل إلى تقديم الدعم والتكوين العسكري، وتشكيل إطار شراكة يضم دول الساحل فقط في التصدي للجماعات الجهادية.

تتهم القيادة العسكرية في مالي فرنسا باستخدام منظمة إيكواس كأداة لتصفية حسابات مع القيادة المالية

في النهاية، يستند موقف الجزائر الصامت تجاه انسحاب مالي من مجموعة دول الخمس في الساحل إلى مقاربة متكاملة، تتضمن مساعي الجزائر لتخفيف الضغط على مالي، ونجاح الوساطة بين باماكو ودول الايكواس، وتقدير الموقف وفق الخصوصية المعقدة في مالي.