10-أبريل-2022
 الصّحفيّ تقيّ الدّين زيّان (فيسبوك/الترا جزائر)

ينتمي الصّحفيّ تقيّ الدّين زيّان (1990) إلى جيل من الشّباب الجزائريّين الذّين فتحوا أعينهم على التّلفزيون، بعد أن صار معمّمًا على البيوت، رغم أحاديته في الجزائر؛ إذ لم تطرأ القنوات الخاصّة إلّا بعد عشرين عامًا من ولادته.

تقي الدين: اشتغل تقيّ الدّين خلال سنوات الانتظار هذه، نادلًا في المطاعم وتاجرًا صغيرًا في الأسواق

يقول: "ترعرعت داخل قرية صغيرة في ولاية برج بوعريريج. فكان للتّلفاز حضور بارز في طفولتي، كونه كان النّافذة الوحيدة التّي تحقّق المتعة والفرجة، فكان غيابه لدواعي إصلاحه أو انقطاع الكهرباء أمرًا لا يُطاق. وكانت لنا قناة وحيدة أتابع من خلالها كلّ البرامج بما فيها السّياسيّة والاقتصادية والوثائقيّة وأخبار نشرة الثّامنة. أحببت عالم التّلفزيون. وكنت أقلِّد المذيعين والمنشّطين، ثمّ كبرت وتحولت من مشاهد شره إلى ناقد يصطاد هفوات التّقديم والتّنشيط".

فور نيل تقيّ الدّين زيّان لشهادة التّعليم المتوسّط، اختار شعبة الآداب والفلسفة، لأنّها تمنحه الحقّ في اختيار تخصّص علوم الإعلام والاتّصال في الجامعة لاحقًا؛ وهذا ما حدث عام 2010 في جامعة المسيلة؛ "إذ أدركت مبكّرًا أن شغفي بالصّحافة وحده لا يضمن لي أن أتمكّن من مفرداتها وأبجدياتها، بل يتعيّن عليّ أن أدرسها وأكوّن نفسي فيها".

تخرّج سنة 2013 وبدأ مشوار البحث عن عمل؛ إذ كانت تجربة القنوات التّلفزيونيّة الخاصّة فتيةً، وقتها، فسعى إلى أن يصنع فرصة له؛ "فكنت أنزل على مقرّات القنوات في العاصمة أسبوعيًّا، أنا المقيم على بعد 200 كيلومتر، محمّلًا بنسخ كثيرة للسّيرة الذّاتيّة، بكلّ ما يترتّب عن ذلك من متاعبَ وأعباءٍ لشابّ ليس له مدخول يضمن له أن يسافر ويقيم ويأكل خارج مقرّ سكناه. وفي كلّ مرّة، كنت أعود إلى البيت منتظرًا أن يرنّ هاتفي وتتم دعوتي لإجراء مقابلة عمل. وهو الأمر الذّي لم يتحقّق بعد أربع سنوات من المحاولة".

اشتغل تقيّ الدّين، خلال سنوات الانتظار هذه، نادلًا في المطاعم وتاجرًا صغيرًا في الأسواق وعاملًا بسيطًا في ورشات البناء، وسائقًا لسيّارة أجرة؛ "ووسط كلّ هذه المخاضات والمتاهات التّي استثمرتها في معرفة الواقع الجزائريّ من الدّاخل ليكون ذلك مادّةً خامًّا لي كصحفيّ قادم، فقد تمسّكت بحلمي في هذا الباب ولم أتخلّ عنه؛ إلى أن تقرّبت من بعض ممتهني الصّحافة عام 2017، وشرعت في تعميق معارفي، من خلال مرافقتهم في خرجاتهم الإعلاميّة المختلفة؛ واكتساب خبرات في التّصوير والتّركيب، من خلال إنجازي لتقارير لا تُبثّ".

 

♨️ #رشيد_بلمومن.. فارس القصيدة الزجلية 🌹

♨️ #رشيد_بلمومن.. فارس القصيدة الزجلية 🌹

Posted by ‎Taqiy ziane الصحفي تقي الدين زيان‎ on Friday, January 8, 2021

اشترك مع صديق له في مراسلة قناة "نوميديا نيوز"، لكن من غير أن يتمكّن اسمه من الظّهور. وبانتقال أحد وجوهها البارزة إلى قناة "البلاد" عام 2018، حيث كان على إلمام بموهبة تقيّ الدّين زيّان، استقدمه لمراسلة القناة من ولاية برج بوعريريج التّي باتت قطبًا اقتصاديًّا ورياضيًّا وثقافيًّا.

أدرك محدّث "الترا جزائر" أنّه أمام فرصة حقيقيّة لتأكيد مواهبه وممارسة شغفه وتكريس اسمه، بالنّظر إلى شعبيّة القناة، فقد كان موقعها على الأنترنيت مليونيًّا، فشرع في إنجاز تقاريرَ وقصصٍ صحفيّةٍ راحت تحقّق مئات الآلاف من المشاهدات، بكلّ ما يترتّب عن ذلك من اهتمام لدى المواطنين والسّلطات المحلّيّة التّي تدخّلت للتّكفّل بكثير من القضايا انطلاقًا من تقاريره.

لقد كان ذلك الأثر الإيجابيّ الذّي كانت تصنعه بعض تقارير تقيّ الدّين محفّزًا له على أن يترك كلّ انشغال له؛ ويتفرّغ تمامًا للعمل الصّحفيّ؛ خاصّة بعد اندلاع ثورة الشّارع الجزائريّ في شباط/ فيفري من عام 2019، حيث كان في صدارة الصّحفيّين الذّين أبدعوا قصصًا من داخل الحراك الشّعبيّ في برج بوعريريج التّي كانت عاصمةً له، من خلال تجربة "قصر الشّعب".

يقول: "كان الشّعب يصنع ثورته من خلال مسيراته، وكنت أصنع ثورتي الخاصّة من خلال تقاريري التّي وصل بعضها إلى ملايين المشاهدات؛ وقد تناقلت بعضَها منابرُ إعلاميّة وازنة في الخارج. لقد مكّنتي روح الحراك من الوصول بشغفي الصّحفيّ إلى مقام الانتشاء؛ ذلك أنّ النّشوة التّي تنتابني؛ بعد بثّ كلّ قصّة تنقل تجربةً إنسانيّةً أو تضيء منطقة منكوبة أو تنصف مظلومًا، كانت تنسيني متاعب الشّغل وزهد الرّاتب".

أدّت هذه الفتوحات الميدانيّة بتقيّ الدّين في أكتوبر من عام 2019 إلى الانتقال إلى قناة "النّهار" التّي لم يعد مكتفيًا بمراسلتها من ولاية برج بوعريريج فقط، بل بات أيضًا يُعدّ لها أشرطةً وتقاريرَ وفق روحٍ ورؤيةٍ مبتكرتين. يقول: "أحبّ القصص الإخباريّة؛ فهي تستنفر فيّ حاسّة الفضول والتّنقيب والمغامرة والتّسلّل إلى الذّوات والتّجارب، كما تملك القدرة على استقطاب الجيل الجديد لبعدها الإنسانيّ".

هنا، يبدي محدّث "الترا جزائر"، انتظاره من القنوات التّلفزيونيّة الحكوميّة في الجزائر أن تراجع سياسة وصولها إلى الشّارع الجديد، من خلال تفتّحها على الكفاءات والرّؤى والتّقنيات اللافتة لاهتمامه؛ "لا يُعدّ إطلاقنا لقناة جديدة مكسبًا في حدّ ذاته؛ بل تحقيقها لأعلى نسبة من المشاهدة بما يحقّق التّأثير فالتّغيير هو المكسب. وهذا لا يتحقّق إلّا بالمواكبة والابتكار".

 الصحفي تقي الدين زيان

تعلّم تقيّ الدّين زيّان أن يعمل بمفرده بإمكانيات وطاقة فريق بأكمله، فيكون سندًا لنفسه؛ "فأنا  الصّحفيّ والمصوِّر والمركِّب والسّائق والمنفق ماليًّا على خرجاتي المختلفة؛ إذ أحرص عل أن أكون أوّل من يصل إلى مكان الحدث، وعلى أن أكون أوّل من يكتشف القصص الإنسانيّة ويوثّقها". يختم: "يملك كلّ حدث إنساني، مهما كان، قابليّة أن يصبح مادّة إعلاميّة؛ وتبقى طريقة تناولنا له هي ما يحدّد قدرته على استقطاب المتلقّي".

يعدّ تقيّ الدّين زيّان واحدًا من مئات الصّحفيّين الشّباب في الجزائر الذّين يرفدون العمل الصّحفيّ في الولايات والمناطق الدّاخليّة

ويعدّ تقيّ الدّين زيّان واحدًا من مئات الصّحفيّين الشّباب في الجزائر الذّين يرفدون العمل الصّحفيّ في الولايات والمناطق الدّاخليّة، بإمكانيات محدودة وضغوط مفتوحة وأجور تكاد تكون معدومة؛ بعيدًا عن المركز العاصميّ الذّي يستحوذ على الضّوء، من غير أن يمنحه في كثير من الحالات.