15-يونيو-2022

تشهد الجزائر هذه الأيام تنظيم المعرض الدولي الذي يستقبل عدة متعاملين محليين وأجانب قادمين من عدة دول عبر العالم، وقد تم افتتاحه من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في الوقت الذي يتم فيه قطع الإنترنت لسنة أخرى لمدة أسبوع كامل تفاديًا لتسريبات أجوبة شهادة البكالوريا.

هل من الضروري أن نشلّ حياة المواطن ومصالحه كلها في هذا "البلد القارة" لأسبوع كامل، فقط لأن المسؤولين عن هذا الامتحان عاجزون كليًا عن تسييره؟

 يُفرض أن هذا الحجب رغم الوعود التي نسمعها كل سنة من طرف المسؤولين، بعدم تكرار هذا الإجراء الذي أصبح غير مبرر وبلا فائدة، وفي غياب حلول جذرية وإجراءات مدروسة تأخذ من خلالها الجهات المختصة في الاعتبار سيرورة مصالح المواطن اليومية وأعماله وارتباطاته والتزاماته الكثيرة المرتبطة بوجود شبكة الإنترنت.

دأب الجزائريون في كل سنة على انتظار تلك الحلول والإجراءات التي قد تعوض خسائر كثيرة يتكبدونها عبثًا، من خلال انقطاع التواصل الإجباري الذي يسببه هذا الحجب غير المبرر، لكن مع الأسف، وكل سنة، تبقى السلطات عاجزة تمامًا عن تسيير هذه الامتحانات دون اللجوء إلى تعطيل هذه الوسيلة الحياتية المهمة.

لقد تعلمنا في المدرسة جملة رددناها كثيرًا: "إن العالم سيكون قرية صغيرة بفضل شبكة الإنترنت"، لكننا لم نظن يومًا أن السلطة ستحولنا بهذا الإجراء إلى مجرد قطعان تائهة في قرية نائية معزولة عن العالم لساعات طويلة، فتجعل منا أضحوكة للعالم ونصبح موضوع نكتة سمجة يرددها الجميع كل سنة خلال فترة امتحانات البكالوريا.

هل غابت الحلول إلى هذه الدرجة؟ ألم تستطع السلطات المعنية المسؤولة عن كل هذه الفوضى توفير أجهزة تشويش خاصة (على الأقل)، فتوضع أمام مراكز الامتحان لعزلها عن المحيط الخارجي خلال ساعات الاختبار وكفى؟

هل من الضروري أن نشلّ حياة المواطن ومصالحه كلها في هذا "البلد القارة" لأسبوع كامل، فقط لأن المسؤولين عن هذا الامتحان عاجزون كليًا عن تسييره؟

لقد رأينا الكثير من الطلبة والعمال الذين يشتغلون بشكل حر على شبكة الإنترنت، بين الدراسة وبين العمل على تكوين حياة مهنية مستقلة، يبكون ضياع سنوات من الكد والجهد لمجرد انقطاع دام ساعات قليلة، لكنه تزامن مع التزامات مهمة، منها ما كان مع أساتذة مشغولين وفّروا لهم موعدًا بعد شهور من الانتظار، أو مع رؤساء عمل يقدسون الالتزام بالمواعيد، كما شهدنا ضياع الآلاف من لقاءات التوظيف والمقابلات الإجبارية والامتحانات المتأخّرة عبر الإنترنت، إضافة إلى تعطيل إرسال الوثائق والرسائل الإلكترونية العاجلة بين زملاء العمل في مجالات كثيرة مثل الصحافة مثلًا، حيث تعتمد الكثير من القنوات والمواقع الإلكترونية على المراسلات الفورية لنقل العواجل والأخبار، وضمان التواصل الدائم بين أقسام التحرير والصحافيين والمراسلين، سواءً كان ذلك في القطاع العام أو الخاص.

 أصبح هذا الحجب إجراء مبتذلًا، فلم نعد في عصر التعاملات البدائية، وآن الأوان لأن تستفيق كل الجهات المعنية من هذا السبات الطويل، ومن التأخر وعدم المواكبة التي ضيعت علينا الكثير من الفرص.

من غير المعقول أن نُعزل عن العالم إرضاء لموظفين فاشلين عن أداء مهامهم بالشكل الصحيح، موظفون غير قادرين على البحث عن حلول جذرية نتفادى من خلالها كل هذه الخسائر الحاصلة.

نحن نشهد الوقت الذي تحاول فيه الجزائر اكتساب مكانة جديدة في الساحة الدولية عبر تنظيم المعارض الدولية والمهرجانات والبطولات الرياضية مثل دورة ألعاب البحر المتوسط بعد أيام، حيث سيتم استقبال أفواج من السياح والرياضيين والمسؤولين الذين يكتشفون هذا البلد لأول مرة، فهل يعقل أن تقطع الشبكة الوحيدة التي تربط بين كل هؤلاء بالعالم، لنقدم في الأخير صورة مشوهة منقوصة عن البلد، ونضع عدة حواجز غير مبررة أمام شهور وسنوات من التحضيرات لمثل هذه المناسبات التي تحتاجها الجزائر لصنع مكانتها الخاصة في الساحة الدولية؟

نعيش حمى الإجراءات الاعتباطية والآنية غير المدروسة وعلى المسؤولين عن هذه الفوضى أن يتحركوا قبل فوات الأوان

إننا نتخبط في العبث، نعيش حمى الإجراءات الاعتباطية والآنية غير المدروسة، وعلى المسؤولين عن هذه الفوضى أن يتحركوا قبل فوات الأوان، عليهم أن يربطوا مصالح المواطن والدولة بعضها ببعض، لأنها سلسلة هشة إن فُقدت حلقة منها انقطعت وانفضّت بقية الحلقات كل في اتجاه، يجب أن تدرك السلطة في الجزائر أن شبكة الإنترنت ضرورة حياتية تبنى عليها الكثير من المصائر وتقضى من خلالها الأعمال والمشاريع، وهي همزة وصل بين البشر في كل المجالات وحق من الحقوق الواجب الحفاظ على توفيرها طول الوقت.