08-مايو-2022
جامعة الجزائر (الأناضول/Getty)

في كلّ مرة كان الدكاترة البطّالون يرفعون في احتجاجاتهم المتكررة مطالب بإعادة النّظر في توظيف حملة شهادات الدكتوراه تحت شعار "التّوظيف المباشر حقّ مشرُوع"،  حيث دَعت التّنسيقية الوطنية لحاملي وطلبة الدكتوراه والماجستير  مؤخّرًا، إلى تنظيم وقفات دورية ابتداء من التاسع  أيار/ماي أمام مقر الوزارة بالعاصمة الجزائرية.

 الدكتور أيوب عماري: مطالب المحتجّين تتمثل في التوظيف المباشر لحاملي شهادة الدكتوراه وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص مع التعويض المادي والنفسي لجميع المتضررين

وتعود بذلك قضِية "الدّكاترة البطّالين" للواجهة، وتعود معها الاحتجاجات بعد رفض الوصاية الاستجابة لمطالبهم، بعد أن باءت كل دعوات المحتجين خلال السنوات الأخيرة، دون حلول جذرية لمشكلة تمسّ الآلاف من الدكاترة البطالين.

 

🔸قدمت إستقالتي من التعليم الثانوي في ولاية تيارت عام 2014 بعد تصدري لقائمة الناجحين في مسابقة التوظيف بولايتي.. 🔸أضعت فرصة التوظيف في إدارة جامعة ابن خلدون سنة 2015 ... #كل هذا من أجل التفرغ لأطروحة الدكتوراه -التي نجحت في إمتحانها الوطني بجدارة واستحقاق و كان ذلك بناء على إحتياجات جامعة وهران لمناصب مالية للأساتذة 🔸قمت بالتدريس مجانا في مختلف المؤسسات الجامعية لمدة 8 سنوات منذ كنت طالبا للدكتوراه الى يومنا هذا.. 🔸رفضت الهجرة إلى ألمانيا وفرنسا .. 🔸قضيت 10 سنوات في الدراسة والتكوين متحديا كل الظروف القاسية حتى تحصلت على أعلى شهادة جامعية يمكن أن تمنحها الدولة! #و عرفانا بالجهود يتم مكافأتنا بالتشرد والضياع والوحدة.. لا سكن، لا زواج، لا وظيفة محترمة تتناسب وطموحاتنا ورغباتنا.. وليتم تجميد مناصبنا بالجامعة باسم سياسة التقشف والتهميش والوعود الكاذبة والتسويف! حتى هرمنا من الانتظار والاحتجاجات..! 🔴 لذا لم يبق لنا الحل إلا في النضال السلمي حتى افتكاك حقوقنا. هذه بعض الشعارات التي حضرتها للمشاركة في وقفة الكرامة بميدان الشرف هذا الاثنين 9 ماي أمام مبنى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالعاصمة! #النخبة_الجزائرية_تنتفض⁦🇩🇿⁩ #التوظيف_المباشر_لحاملي_شهادة_الماجيستير_والدكتوراه_حق_مشروع

Posted by Amari Ayoub on Saturday, May 7, 2022

وقال منسّق لتنسيقية لولاية وهران الدكتور أيوب عماري، إن مطالب المحتجّين تتمثل في "التوظيف المباشر لحاملي شهادة الدكتوراه وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص مع التعويض المادي والنفسي لجميع المتضررين من الوعود الكاذبة وكل سنوات البطالة والتيه".

وأضاف عماري في حديث لـ"الترا جزائر" أن الفقرة المادة الـ34 من شروط التوظيف والترقية في الجامعات، تنصّ على أنه يوظف بصفة" أستاذ مساعد صنف "ب" على أساس الشهادة، الحائزون على دكتوراه دولة أو شهادة دكتوراه في العلوم أو شهادة معترف بمعادلتها، وعن طريق المسابقة على أساس الشهادة، الحائزون على شهادة لماجستير أو شهادة معترف بمعادلتها".

كما ندّدت التنسيقية بالتعليمة الوزارية المشتركة المتعلقة بتوظيف حاملي شهادة الدكتوراه ووصفها بأنها "مقبرة لمشاريع وأحلام الآلاف من الباحثين وإهانة لحاملي شهادة الدكتوراه".

علاوة على ذلك، تطالب التنسيقية بضرورة "فتح مناصب دائمة لمواجهة النقص الفادح في التأطير البيداغوجي والوقف الفوري لمسابقات التوظيف الشحيحة والمذلة لنخبة الوطن".

كما دعا أعضاء التنسيقية إلى "تجميد أو تعليق جميع مشاريع الماجستير والدكتوراه حتى إيجاد حلّ قانوني وأخلاقي عادل"، فيما اقترح المعنيون "إحالة مئات الأساتذة الذين تجاوزوا السن القانوني للتقاعد والاستفادة من خبرتهم في مخابر البحث".

غضب وطني

تعتبر هذه المطالب مؤشّرًا جديدًا على حالة الشدّ والجدب بين البطالين والوزارة، رغم أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي عبد الباقي مزيان قد أكد مؤخرًا على حلّ مشكلة الدكاترة البطالين، عن طريق إدماجهم وفق اتفاقيات مع عديد المؤسسات الاقتصادية التابعة للوظيفة العمومية، وقطاعات اقتصادية، لامتصاص البطالة وتمكينهم من وظائف.

هذا القرار لم يرض كثيرين، خصوصًا وأن الدكاترة يدعون إلى تلبية حقهم في التوظيف في الجامعات أو المؤسّسات البحثية مباشرة والتي تنسجم مع تكوينهم الأكاديمي وطموحاتهم في المجال البحثي، إذ يشدّد المنتفضون على أنهم نجحوا في مسابقات للتكوين في سلك الدكتوراه بغرض سد عجز الجامعات، وناقشوا أطروحاتهم وبالتالي توظيفهم يكون مباشرًا.

وفي هذا المضمار، كشفت خديجة بلقاضي النائب عن حركة مجتمع السلم على مستوى المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري) أن الجامعة الجزائرية تُحصي أكثر من 22 ألف دكتور ينتظرون في طابور التوظيف، إذ طالبت في مساءلة موجّهة لوزير التعليم العالي بأن يتمّ فتح مناصب التكوين في سلك الدكتوراه متوازيًا ومتسقًا مع حاجيات مختلف الاختصاصات في الجامعات.

وذكرت النائب بلقاضي أن ما يقدر نسبة 60 في المائة يشتغلون في مهنة التدريس في الكليات بنظام التعاون، لافتة إلى أنه من غير المعقول اعتماد الجامعة على متعاقدين بأجور سنوية زهيدة.

على الرغم من الحلول والوعود المقترحة من قِبل الوِصاية إلا أن الدكاترة البطالون يرون أنه من غير المعقول أن يوازي الباحث شهادته بمقابل منصب، أي أنه ينتهج مسار سوق العمل، في حين أن أغلبهم أفنوا سنوات طويلة من أجل التحصيل العلمي والأكاديمي ومجالهم البحث ومطالبهم لا تنحصر في المنصب المالي فقط.

من جهته، اعتبر الدكتور عبد السلام قابة (أستاذ مؤقت بالنظام الساعي في العلوم السياسية)، أن الحلول المتخذة من الوزارة "يراد منها الهروب نحو الخلف"، لافتًا إلى النصوص القانونية الخاصة بالتوظيف في المؤسسات غير واضحة وغير مفهومة، تحتاج على الأقل إلى شرح كيفيات عمله وتقويمه وتوجيه وميزان مع الوظيفة الجامعية.

ترقيع مشكلات

وفيما يرفض البعض حلّ الوزارة لامتصاص أصحاب الشهادات العليا، اقترح البعض استحداث مناصب بالساعات في الجامعات كــ "أساتذة مشاركين" مع منصب في مؤسسة اقتصادية، وهكذا لن يحدث انقطاع لدى الدكاترة الباحثين عن البحث العلمي والجامعة، ويتحصل على منصب يدر عليه أجرة شهرية محترمة".

ولفتت الأستاذة الموظفة بجامعة باتنة شرقي العاصمة الجزائرية نصيرة بن صافي، إلى نسبة طلبة الدكتوراه ترتفع كلّ سنة، في ارتفاع غير متوازن بين الطلبة الجدد في سلك الدكتوراه وبين المتخرجين الدكاترة البطالين، موضحة لـ "الترا جزائر" أن الحل لن يكون بتوزيع الدكاترة على قطاعات أخرى، في الوقت الذي لازال تدفق خريجي الدكاترة وعددهم سيتراكم أكثر فأكثر.

سياسية التّقطير

ليست هي المرة الأولى لتحركات الدكاترة البطالين، إذ التزم العشرات بالعديد من الوقفات من أجل التوظيف سواء في العاصمة أمام مقر وزارة التعليم العالي أو عبر جامعات جزائرية في عديد الولايات، وذلك قبل الغلق التّام بسبب جائحة "كورونا"، داعين إلى رفض "سياسة التّقطير" المنتهجة كلّ سنة بفتح مناصب تعدّ على الأصابع كل سنة تفتح في الجامعات.

لقد تمّ استغلالنا" هي عبارة مكررة من الكثيرين من حملة الدكاترة، إذ تلجأ لهم الوزارة عبر عديد الكليات والجامعات الجزائرية لتغطية عجز الأساتذة، وتقديم الدكاترة على أساس العمل بـ"الساعات الإضافية" أو الأستاذ المؤقت، وخصوصًا بالنسبة لمن لم يناقشوا بعد رسالة الدكتوراه أو الماجستير، في المقابل تقوم باحتساب هذه العملية وسنوات التدريس المؤقت في مسابقات التوظيف.

وتعتبر حليمة مسراتي من جامعة تيبازة في حديثها لـ"الترا جزائر"، أن العملية أشبه بقبول خطوة بعبارة" أحلاهما مرّ" و التخبط بين قبول التدريس لأنه سيتمّ احتسابه في التوظيف، وقبول عدم الحصول على أجرة شهرية بلغ مبلغا زهيدا نهاية الموسم الدراسي.

وأَضافت مسراتي، أنها علاوة على التدريس في جامعتين مختلفتين، تشرف أيضًا على رسائل الماستر من أجل تجميع نقاط يمكنها أن تدافع بها عن ملفّها الإداري في المستقبل، عند مباشرة الحصول على منصب في أحد الجامعات الجزائرية القريبة من مسقط رأسها بمنطقة" التنس" بولاية الشّلف.

تنوعّت شعارات رفعها البطّالون وتعدّدت ما بين:" دكتور بطال، دكتور في بلادي محقور، التوظيف للدكتور حقّ مشروع، ولا لتهميش دور الدكتور"، لأجل إيصال أصواتهم إلى الوزارة.

إلى حين إيجاد مخرج وحلّ هذه المشكلة، تأثّرت الجامعة الجزائرية بسياسة التقشف التي اتخذتها الحكومة الجزائرية منذ سنة 2017، وهو ما دفع بالوزارة إلى فتح مناصب توظيف ضئيلة كلّ سنة مع إجراء مسابقات لتوظيف العشرات من الدكاترة على أساس العرض عبر مختلف التخصصات العلمية.