03-أغسطس-2017

مسجد في الجزائر (Getty)

سيّدي الإمام
يا سيّدي الشّيخ
يا صاحب الفضيلة
ألا تسمعني؟
تعلّم أن تسمعنا قليلًا، كما سمعناك كثيرًا.
تفهمتُ أنك كيّفتَ خطبة الجمعة مع الزّلزال، فالخطبة الحقيقية تقوم على تكييفها مع الهواجس والحاجات والرهانات القائمة، خاصة أنه وقع ساعاتٍ قليلة قبلها، لكن ما معنى أنك ركّزتَ على خطايانا التي قلتَ إنها كانت سببًا فيه، ولم تشرْ إلى فساد الحكومة، الذي من تجلياته أنها تمنح مشاريع البناء لمقاولين غشّاشين في الكمّ والنوع؟ ألم يعنِ لك شيئًا تصريح رئيس "الاتحاد الوطني للمهندسين المعماريين" أن هناك 8000 مهندس مغشوش في الفضاء الجزائري؟ بمعنى أنهم يؤشرون على سلامة مبانٍ ليست سليمة في الأصل، علمًا أن ثمرة هذا الغش موت الناس، ألا يأتي حفظ النفس على رأس مقاصد الشريعة؟

أيها الإمام، ألم يعنِ لك شيئًا أن الحكومة سمحت على مدار سنوات الاستقلال الوطني بالبناء فوق الأراضي الصّالحة للزّراعة، في ظلّ وجود مساحات كافية ومناسبة لذلك؟

ألم يعنِ لك شيئًا أن الحكومة سمحت على مدار سنوات الاستقلال الوطني بالبناء فوق الأراضي الصّالحة للزّراعة، في ظلّ وجود مساحات كافية ومناسبة لذلك؟ ممّا جعلنا نستورد قمحنا من فرنسا نفسها؟ ويا ليتها شيّدت لنا مدنًا أنيقة. كل ما في الأمر أنها مجرّد تجمعات إسمنتية بلا روح ولا برنامج حضاري، فلا هي حافظت على حقولنا وسهولنا، ولا هي أقامت مدنًا حقيقية!

اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون.. سكارى وما هم بسكارى

ألم يعنِ لك شيئًا أنها صرفت 800 مليار دولار خلال 15 عامًا، وهو مبلغ قادر على أن ينقل البلاد إلى مصاف الدول الكبرى، لكننا لا نزال رغم ذلك تابعين في كل شيء للخارج، ولا تزال بنيتنا التحتية هشّة وناقصة. وقد كنا قادرين على أن نستغل هذا المبلغ في إطلاق مشاريع مدرّة للثروة الدائمة، فنتحرّر من التبعية للنفط. بل إنها لجأت إلى نهش احتياطي الصرف الذي كانت تفخر به وهي توشك على أن تلتهمه، فنعود إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي وهيمنته من جديد، وهي التي جعلت من دفع المديونية الخارجية واحدًا من الإنجازات التي أقامت عليها حملاتها الانتخابية.

ألم يعن لك شيئا، يا فضيلة الإمام، أن عشرات الآلاف من شبابنا الذي يشكل ثلثي عدد السكان باتوا يفضلون الموت في أعالي البحر، في إطار الهجرة غير الشرعية، ونحن من أكبر الدول المصدّرة للغاز والبترول؟ علمًا أن معظمهم من الكفاءات العلمية، فقد قالت عمادة الأطباء في فرنسا أن 12 بالمائة من الأطباء الموجودين في الفضاء الفرنسي قدموا من الجزائر، وقد درسوا في الجامعة الجزائرية بأموال الخزينة العمومية. فهل استشهد مليون ونصف مليون جزائري لنصل إلى هذا المقام؟

ألم يعنِ لك شيئًا أن منظومتنا التربوية باتت تسيّر من طرف الغش، الذي تحوّل إلى قيمة أخلاقية؟ إلى درجة أن التلاميذ خرجوا في مظاهرات مندّدين فيها بصرامة حرّاس الامتحانات، الذي غشّوا هم أنفسهم في امتحانات الترقية؟ ومطالبين بحقهم في الغش ما دام الجميع يغش بحسبهم؟ ومن مظاهر الغش لديهم بقاء الشخص نفسه في منصبه السّياسي، وهم الذين ولدوا في العام الذي تولّى فيه ذلك المنصب؟

أيها الإمام، ألم يعنِ لك شيئًا أن منظومتنا التربوية باتت تسيّر من طرف الغش، الذي تحوّل إلى قيمة أخلاقية؟

ألم يعنِ لك شيئًا أن البلاد كلها ترمي بفضلاتها في الأودية والأنهار والبحيرات والشواطئ التي تركتها فرنسا عند خروجها عام 1962 صالحة للسّباحة والصّيد؟ وأن 15 بالمائة من الأمراض المنتشرة في المحيط الجزائري مكتسبة من تعفن الوسط الاستشفائي نفسه؟ هل فاتك أن الحامل الجزائرية باتت تموت أثناء الولادة؟ وأن المصابين بالسّرطان من الأطفال الجزائريين لا يملكون مستشفى خاصًّا بهم؟  

اقرأ/ي أيضًا: الهوية الجزائرية.. من الاحتلال إلى الإهمال

أرجو أن تتفهم صراحتي يا صاحب الفضيلة. فمنذ عشرين سنة، أي منذ عرفتك، وأنت لا تهاجم إلا خطايا الشعب، وتنسب إليها وحدها أسباب الزلازل والحرائق والصواعق والفياضانات والجفاف والفقر، ولا تتطرق إلى الحاكم إلا من باب الدّعاء، "وارزقه البطانة الصالحة". فما بال دعائك لم يستجب له طيلة هذه السنوات؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تطورت حياة البشر؟

الاحتجاجات في الجزائر.. السلطة تطمئن والشارع متخوف