29-يونيو-2022

(فايز نورالدين/أ.ف.ب)

هل مازالت السياسة الاجتماعية قادرة على الاستمرار والبقاء في الجزائر؟ فسياسة المِنَح والمساعدات في عديد المناسبات أصبحت غير قادرة على تلبية المتطلّبات الاجتماعية لمختلف فِئات المواطنين وتوزيعها بالتّساوي، إذ هناك أسئلة أخرى يمكِن طرحها اليوم مستوحاة من معاناة المواطن يمكن ذكرها تباعًا: من يستحقّ هذه المساعدات ومن يستفيد من المجّاني؟ وكيف يتم توزيعه؟

ناصر جابي: الفروق الاجتماعية ازدادت اتّساعًا بين أقلية من المستفيدين من الاقتصاد الريعي وبين أغلبية مهمشة تزداد شروط حياتها سوءًا

عمومًا هي أسئلة حارقة لأنّ مبرّرات الدّعم أو المنح التي تجود بها الحكومة ليست عادلة مع مختلف مكوّنات فئات الشّعب، إذ لخّصها مهتّمون بالاقتصاد الاجتماعي في سؤال واحد: "هل يمكن الاستمرار في السياسة الاجتماعية السّائدة في الجزائر؟

سؤال يطرح اليوم بإلحاح في كل إدارات البلاد، وفي مختلف المؤسسات، إذ لا يمكن حصر مفهوم الدولة الواسع وتحجيمه بين ممارسة الدعم من جهة وبين حلول ترقيعية لمشكلات تبرز كلّ يوم كحلول مؤقّتة الهدف منها إسكات صخب الشّارع أو رفض قرارات أو التّنديد بوضعية، ومحاولة كسب ودّه ورضاه.

مُسكّنات

في هذا السياق، يقول أستاذ الرياضيات عبد القادر معافة (61 سنة) إن جيله، أي جيل الاستقلال، تربى على ما تجود به الدولة الاجتماعية من امتيازات، إذ حظي بالتعليم المجاني، والطبّ المجاني ولازال لحد الآن الجزائريون يحضون بذلك وغيرها من المنح التي تقدمها الدول في شكل مساعدات لمختلف الفئات المعوزة، على حدّ تعبيره.

وأضاف في حديثه لـ"الترا جزائر" أن ذلك الخير من المقدرات الطبيعية التي تزخر بها الجزائر، لازال يصل الملايين لليوم، نافيًا أن تكون هذه السياسة "غير مجدية"، غير أنه في المقابل من ذلك يرفض أن نعيش على أساس الاتكالية، فالسياسة الاجتماعية كثيرًا ما خيبت الآمال بسبب سلوكات الأفراد خصوصًا في هذه السنوات الأخيرة".

وواصل قائلًا: "لا يمكننا نفي أن هناك مفارقات ومعادلة غير متكافئة، فمن جهة دولة غنية بأكثر من ثمانية مليون فقير، ودولة توزع المنح في حين يشتكي الآلاف من غلاء المعيشة، فأين الخلل؟

في الواقع المعاش أصبح الجميع ينتظر سكن الدولة وعمل الدولة وتعليم الدولة، في الواجهة الأخرى من لم يشمر على ذراعيه ويشتغل فعليه أن ينتظر الخراب، يقول المتحدّث.

إلى هنا، يتخوف كثيرون من التوجّه الاجتماعي غير المدروس،ويدور حديث حول العلاقة بين الدولة الاجتماعية أو ما يوصف إما بـ" الرِّعاية الاجتماعية من قِبل الدّولة أو تحقيق الرّفاهية أو الرّفاه، وأيضا الدّولة المتدخِّلة والديمقراطية الاجتماعية"، بعيدًا عن لغة الأرقام والأغلفة المالية المخصصة لتلك المساعدات والمرصودة لدعم عديد فئات المجتمع.

حلول ترقيعية

على الأرض يرى متابعون للشّأن العام أن الجزائر لا تزال تنتهِج سياسات دعم اجتماعي مكلفة، وتتمثّل في جملة من الإجراءات والقرارات والسلوكات التي تنتهجها الحكومة في الشأن الاجتماعي، من أجل تحسين أحوال الأفراد ونوعية حياتهم، على أساس بناء مجتمعات تسودها العدالة الاستقرار.

تتحدّد السياسة الاجتماعية المتّخذة من قِبَل الدّولة بحسب الوضعية الاقتصادية للمجتمع، كما قال محمد علي قسوم لـ "الترا جزائر" موضحًا أنّ الرعاية الاجتماعية والخدمات والمنح التي تقدمها الحكومة هي ضمن مشروعها في السياسة العامة.

وأضاف أنها تنبعث من دوافع إنسانية، وتوفير حاجيات المواطنين وما يسميه الرئيس بــ"ضمان العيش الكريم للمواطن"، فضلًا عن منح تسلمها لمختلف الفئات المعنية بالمساعدات، مشيرًا إلى أنه "كلما كان هناك نمو اقتصادي توفرت الإمكانيات لبناء سياسة اجتماعية فعالة".

بالحديث عن المنح الاستعجالية والمناسباتية التي تقدّمها الدولة، فإنها تساهم فيما يوسم بـ" الوظيفة العِلاجية" التي تصبو إليها السياسة الاجتماعية، إذ تتجه نحو ما يتمّ تصنيفهم بالفئات "الهامشية في المجتمع"، من مجموع الفئات المحرومة وغير القادرة على دعم نفسها بالاعتماد على ذاتها، ككبار السنّ والأيتام والأسر المعوزة، وهي سياسة تستهدف رفع مستوى الخدمات العامة التي يحتاجونها مثل الخدمات الصحية والتعلمية ومساعدات في المناسبات.

من المستفيد؟

علاوة على ما سبق، من أهداف هذه الخطوات أنّها تعني تحسين نوعية الحياة والارتِقاء بالمستوى المعيشي للأفراد وتدعيم الشعور بالانتماء والتضامن الاجتماعي، التي بدورها تقلّص من حجم الفوارق الاجتماعية وتوقف الشّرخ الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد.

في هذا المضمار، تساءل أستاذ علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، من خلال تقدير موقِف بقوله: "هل حان زمن اختفاء الدّولة الاجتماعية في الجزائر؟ مشيرًا إلى ما تضمّنه قانون المالية للعام الحالي، من "آليات لرفع الدعم المالي عن الكثير من المواد ذات الاستهلاك الواسع، التي تعرف في الجزائر دعمًا منذ سنوات كالسكر والحليب والخبز، والماء والكهرباء والبنزين"، وهي التي كلفت ميزانية الدولة سنويا ما قيمته 17 مليار دولار أميركي بحسب تصريحات الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان.

واعتبر جابي أنّ الحديث عن رفع الدعم عن بعض المواد، تعتبر "سابقة تتجرأ عليها الحكومة لأول مرة في التاريخ الاجتماعي السياسي للجزائر"، مشيرًا إلى أنه "لا نعرف عدد المعوزين ولا العاطلين عن العمل ولا أصحاب الدخل الضعيف الذين هم في حاجة فعلًا إلى الدّعم".

اجتماعيًا دائمًا، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن الجزائر تعرف هشاشة اجتماعية في أوساط مختلف الفئات، فضلًا عمّا أسماه بـ"القنوط من الأوضاع"، في مقابل الهجرة السرية التي تعتبر مؤشرًا لافتًا في هذا السياق النّفسي –الاجتماعي.

كما وضع في هذا الإطار عدّة مؤشرات تعمق من الشّرخ الاجتماعي في البلاد يناقض السياسية الاجتماعية التي اتخذتها الحكومة منذ الاستقلال، أولها ارتفاع نسبة الجريمة التي هي بدورها مرشحة للارتفاع فضلًا عن ارتفاع عدد المتسولين في الشوارع من مختلف الأعمال ودون استثناء إضافة إلى نسب البطالة المرتفعة في مقابل هبوط في قيمة العملة الوطنية؛ إذ أصبحت الأجور لا تلبي حاجيات الأسر، على حد تعبيره.

وفي السياق نفسه، أضاف جابي أن 'الفروق الاجتماعية ازدادت اتّساعًا بين أقلية من المستفيدين من الاقتصاد الريعي المبني على مداخيل الثروات الطبيعية من نفط وغاز وبين أغلبية مهمشة تزداد شروط حياتها سوءًا كلّ يوم"،

وللإجابة على بعض الاستفهامات السابقة الذِّكر، تخوّف الأستاذ يوسف خواص، من منظومة القيم التي تنتجها المنظومة الريعية على المستوى الاجتماعي، إذ أفرزت حسبه "ظاهرة اللاّجهد"، حيث أصبح العمل غير مقدس، حسبه، ما ينعكس سلبًا على السياسات الاقتصادية في المستقبل" مفيدًا في تصريح لـ" الترا جزائر" أن ذلك يولّد ظاهرة الفساد لتتحوّل مع مرور الوقت من عمليات استغلال المصالح العامة لتحقيق المصالح الخاصة، على حدّ قوله.

أجمعت بعض الأطروحات على ضرورة تحرّر السياسات الاجتماعية من الأهداف القصيرة للأزمات الاجتماعية

ختامًا، أجمعت بعض الأطروحات حول هذا الموضوع على ضرورة تحرّر السياسات الاجتماعية من الأهداف القصيرة للأزمات الاجتماعية، والتخلّص من معالجتها وقتيًا أو ظرفيًا، خاصة ما تعلّق منها بمسألة الفقر والبطالة وسياسات الدّعم، حتى تتأسس على ربطها بأهداف طويلة المدى تهتم أكثر بتحقيق العدالة الاجتماعية والأمن الاجتماعي وتلبية حاجيات المواطنين بغية تقوية بناء المجتمع وتحقيق صلابته.