10-مايو-2022
الحراك

الحراك الشعبي الجزائري أبرز عدة معارضين في الخارج (أ.ف.ب)

أشار تقرير إعلامي صدر عن وكالة الأنباء الجزائرية، عن وجود مشروع سياسي يهدف إلى لمّ للشمل، واتفاق جامع يمد اليد للجميع دون تميز أو مفاضلة، حيث تصمن التقرير وجود خطوة من طرف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، تكرّس البحث عن توافق سياسي، واعتمد أسلوب جديد في إدارة الحكم، تعتمد على تخفيف من التوترات السياسية والاجتماعية الداخلية، وفتح الحوار وتحقيق التوافق حول الرهانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

هل تبحث الرئاسة عن سند سياسي داعمًا لها  بعد فشل الحزام السياسي المٌشكل من نواب القوائم الحرة والمستقلة؟

في مقابل ذلك، استثنى التقرير  من وصفهم بالذين تجاوزوا الخطوط الحمراء وأولئك الذين أدروا ظهورهم للوطن دون تحديد هوية تلك الأطراف والكيانات.

  غموض وتساؤلات

في سياق الموضوع، أثار التقرير الإعلامي لوكالة الانباء الجزائرية، التي تعد الناطق الرسمي للسلطة الكثير من التساؤلات والاستفهامات، إذ تضمن التقرير وجود ورشة سياسية غير واضحة المعالم، ومقاربة سياسية تطرحها رئاسة الجمهورية ترمي إلى المصالحة والتشاور السياسي واشراك مختلف الفعليات الحزبية والمدنية في القرار الاقتصادي والاجتماعي، لكن دون الكشف عن تفاصيل والمشروع.

وعلى ضوء ذلك، جاءت ردود الفعل السياسية والإعلامية أيضا مبهمة ومحاطة بكثير من التأويلات، نظرًا إلى عدم وجود رؤية واضحة المعالم حول مشروع الرئيس، وما هي أهدافه ومآلتاه، كما لم تحدد الوسائل السياسية والقانونية، اللتان يُمكنا أن يجسدا مشروع المصالحة الداخلية.

هنا، تجدر الإشارة أن بعض الوجوه الإعلامية المقيمة بالخارج والناشطة على منصات اليوتيوب، تداولوا منذ فترة معلومات عن فتح قنوات اتصال بين مقربين من السلطات الجزائرية وناشطين ومعارضين مقيمين بالخارج وآخرين محل متابعات قضائية، أفضت إلى تسليمهم جوزات السفر، سمحت لهم بزيارة الجزائر دون مضايقات أو متابعات قضائية.

مبادرة سياسية؟

في هذا السياق، تساءل الإعلامي حمزة كحال، عن أهداف المبادرة، قائلا على صفحة الفيسبوك: هل هي مبادرة سياسية من الرئيس تحت مسمى "لم الشمل" تحسبًا لعيد الاستقلال؟ هل هذه المبادرة هي لتدارك فشل الانتخابات المتتالية التي لخصت برنامج الرئيس السياسي في إعادة انتخابات المجالس فقط؟

أما الصحفي والإعلامي حسان موالي، فقال نحن في انتظار مبادرة تعطي مغزىً لما ورد في المقال المقتضب لوكالة الأنباء الجزائرية، وعلق على صفحته بموقع فيسبوك قائلًا من يعترض أو يعارض مسعى لم الشمل؟ متمنيًا "أن تكون الكلمات ليس كالكلمات كما عهدناه سابقًا".

السياق الدولي

في سياق ذاته، قال كمال بن خلوف، النائب البرلماني، إن السياق الدولي والإقليمي أملت على الجميع إطلاق مبادرة "لم الشمل"، مضيفًا أن المحيط الإقليمي والدولي يعيش أوضاع في غاية الصعوبة، والجزائر تعرف تحديات أمنية وجيو سياسية، تستدعي وجود توافقًا وطنيًا وتعزيز اللحمة الوطنية، وتقوية الجبهة الداخلية.

وتُعد هذه المبادرة الثانية من نوعها في إطار الحوار السياسي بعد انتخاب عبد المجيد تبون رئيسًا للجمهورية، حيث جاء الاقتراع الرئاسي  في سياق سياسي لم يحظ بإجماع وطني، إذ تباينت مواقف السلطة والأحزاب السياسية والنشطاء من الحراك الشعبي، حول المخرج من الأزمة السياسية التي أعقبت رحيل نظام بوتفليقة، فبينما تمسكت المؤسسة العسكرية بالشرعية الدستورية والتوجه إلى البناء المؤسساتي، ناضلت أطراف سياسية من أجل المرور عبر مرحلة انتقالية. 

جدير بالذكر أنه عقب تنصيب عبد المجيد تبون رئيسًا للجمهورية سنة 2020، بادر الرئيس إلى مشاورات سياسية مع قوى سياسية وشخصيات وطنية، غير أن تلك اللقاءات لم تُسفر عن توافق وطني، وحكومة وطنية ذات قاعدة سياسية واجتماعية كبيرة، وتباينت الرؤى بين القوى السياسية والرئاسة الجمهورية حول آليات الخروج من الأزمة السياسية، وسبل تحقيق مطالب الحراك الشعبي.

عودة الحياة السياسية

في السياق نفسه، يرى مراقبون أن خطوة الرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تهدف إلى تحريك الركود التي تعرفه الحياة السياسية، والسعي إلى التوافق السياسي وإيجاد أرضية سياسية من شأنها دعم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، فهل تبحث الرئاسة عن سند سياسي داعمًا لها، خاصة بعد فشل الحزام السياسي المٌشكل من نواب القوائم الحرة والمستقلة، التي أبانت عن محدوديتها برلمانيًا وسياسيًا.

 وفي هذا الشأن، يدعم هذا الطرح، رغبة الرئيس عبد المجيد تبون في تغيير حكومي، و"استيائه العلني من الأداء السلبي لبعض القطاعات وشكوى من الدوائر البيروقراطية التي تقف حاجزًا أمام الإصلاحات الاقتصادية".

 زيادة على تصريح عبد المجيد تبون، حول أن هيئة مراجعة الدعم والتحولات الاجتماعية ستكون منفتحة على المجتمع السياسي والمجتمع المدني، فخطوة الرئيس تعكس أيضًا امتعاضه من الدور السلبي للهيئات المنتخبة المتمثلة في غرفتي البرلمان والمجلس الأمة.

في هذا الشأن، يبدو أن تبون يعتمد على دور الوسيط الجمهورية في تفكيك القيود البيروقراطية التي تقف أمام المشاريع الاستثمارية، واستحداث مفتشية عامة على مستوى الرئاسة تعمل على رفع التقرير إلى الرئيس حول المسائل العالقة والتظلمات، وتعزيز الرقابة وتقويم التسيير على مستوى الهيئات والمؤسسات العمومية، علمًا أن البرلمان هيئة تشريعية ورقابية دستوريًا.

من جهته، يرى كثير من الفاعلين السياسيين والحقوقيين أن مبادرة "لم الشمل" لا بد لها من توفير بيئة سياسية وأمنية هادئة، تَتَلخُص في قضايا الحريات والمعتقلين، وتحسين ظروف المصالحة الداخلية، وفتح مجال الإعلام وضمان حرية الرأي والتعبير وعدم ملاحقة الصحافيين والنشطاء السياسيين والمدونين وإطلاق سراح معتقلي الرأي.

يرى كثير من الفاعلين السياسيين والحقوقيين أن مبادرة "لم الشمل" لا بد لها من توفير بيئة سياسية وأمنية هادئة

عمومًا، تعددت القراءات السياسية في مضمون تقرير وكالة الأنباء الجزائرية، في انتظار خطوات عملية وميدانية تجسد فعليًا خطابات السلطة السياسية القائمة، وعدم الاكتفاء بإطلاق الوعود وتسويق الخطابات الموجة للاستهلاك المناسباتي.