11-مايو-2022
الرئيس عبد المجيد تبون (تصوير: جاكلين مارتين/أ.ف.ب)

الرئيس عبد المجيد تبون (تصوير: جاكلين مارتين/أ.ف.ب)

قبل أقل من شهرين من احتفالات الذكرى الستين للاستقلال، شهدت الساحة السياسية في الجزائر إعلانًا عن مبادرة "لم الشمل" و"اليد الممدودة"، كشفت عنها وكالة الأنباء الجزائرية، مفادها أن "الرئيس عبد المجيد تبون رئيس جامع للشمل، ويده ممدودة للجميع باستثناء المكابرين".

يتوقع متابعون أن ثمر مبادرة "لم الشمل" عن "مصالحة سياسية" يكشف عنها الرئيس في ذكرى عيد الاستقلال، بينما يصفها آخرون بالمبادرة "الفضفاضة" و"الغامضة" ومحاولة لجس النبض

وفي ظرف أقلّ من أسبوع من نشر البرقية، شرع الرئيس تبون في استقبال قيادات حزبية بقصر المرادية، في إطار مشاورات سياسية، شملت إلى حدّ الساعة رئيس حزب جيل جديد سفيان جيلالي ورئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، في خطوة يتوقّع مراقبون أن تُثمر عن "مصالحة سياسية" واضحة المعالم يكشف عنها الرئيس في ذكرى عيد الاستقلال، بينما يصفها آخرون بالمبادرة "الفضفاضة" و"الغامضة" ومحاولة لجس النبض.

لقاءات تسبق ذكرى الاستقلال

وفي التفاصيل، سارع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قبل أقل من شهرين تقريبًا من احتفالية ستينية الاستقلال إلى فتح مشاورات جديدة مع الطبقة السياسية في البلاد، من خلال استقبال رؤساء أحزاب من الموالاة، على أن تتوسع دائرة الحوار خلال الساعات المقبلة لتشمل أسماء من المعارضة أيضا وفقًا لما يتوقّعه مراقبون، وبذلك يكون الرئيس تبون قد أذِن ببداية محاورات وصفها السياسيون الذين حضروا اللقاء بـ"الفرصة الهامة لتبادل وجهات النظر حول الملفات الوطنية والإقليمية ونقل الانشغالات الخاصة بالشق السياسي والاقتصادي لأعلى هرم في السلطة".

في هذا السياق، يرى متابعون أن هذه المشاورات والتي جاءت في أعقاب استكمال بناء المؤسسات الدستورية، أي بعد استفتاء تعديل الدستور والانتخابات التشريعية والمحليّة وانتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، ساهمت في كسر الجمود السياسي الذي شهدته الجزائر في الفترة الأخيرة جراء تداعيات وباء كورونا، من خلال فتح حوارات ونقاشات مع الطبقة السياسية، في انتظار أن تتحوّل هذه المشاورات في ظرف أسابيع إلى توصيات واضحة المعالم، قد يعلن الرئيس عن مضمونها وأهدافها بوضوح.

هنا، يجزم المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر زهير بوعمامة، أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يريد الذهاب إلى احتفالات الـ 5 من شهر تموز/جويلية، وهو "يحمل في جعبته إنجازًا سياسيًا، يُفرح به الجزائريين، والذي سيكون عبارة عن مصالحة سياسية مكتملة الرؤية وواضحة الأهداف ومعروفة الغايات".

وأدرج محدّث "الترا جزائر" لقاء الرئيس بقادة أحزاب في هذا التوقيت الخاص ضمن هذا المسعى، متوقعًا أن تشمل اللقاءات والمشاورات خلال المرحلة المقبلة أطراف المعارضة أيضًا.

ويتابع بوعمامة "التصالح عمومًا يكون مع من يخالفك الرؤية، وليس فقط أحزاب الموالاة، لذلك فكافة المؤشّرات تؤكّد أن الرئيس سيستقبل قريبًا المعارضين له، وستحوي اللقاءات نقاشات تشرّح الوضع داخليًا وإقليميًا وتشمل كافة الأصعدة للتمكن من الخروج في ختام هذه الاجتماعات بتشخيص دقيق لواقع ما يحدث في الجزائر وما يجب أن يكون".

ويعتبر المتحدّث أن توقيت إطلاق هذه المشاورات، وبرمجة لقاء الرئيس بقادة الأحزاب بهذه السرعة، يكشف عن التحضير لمشروع سياسي "يُطبخ" في أعلى هرم في السلطة، متوقعًا أن تتضح الأمور بشكلٍ جليٍّ عشية أو يوم احتفالات 5 تموز/جويلية، الذكرى المزدوجة لعيدي الاستقلال والشباب.

مبادرة غامضة 

وعلى النقيض، يعتقد الحقوقي وأحد الناشطين السياسيين في الحراك الشعبي، عبد الغني بادي بأن المشاورات التي أطلقتها السلطة، تمهيدًا لما يطلق عليه بـ "لم الشمل" مجرد مبادرة مجهولة تفتقد لمضامين قوية، إذ لا يمكن حسبه طي صفحة الماضي، من خلال وصف المعارضين بـ "من تجاوزوا الخطوط الحمراء وأداروا ظهرهم للوطن"، وهو ما تضمنته برقية وكالة الأنباء.

 وقال بادي في تصريح لـ "الترا جزائر" أن السلطة هي من أدارت ظهرها للوطن بإجهاض محاولة انتقال سياسي انتفض من أجلها الشعب لثلاث سنوات، مضيفًا بأن الجميع يتساءل اليوم عن معنى "الخطوط الحمراء".

ووصف المتحدث خطوة الرئيس تبون بـ"الفضفاضة" و"الغامضة" و"مجرّد محاولة جس النبض، دون أي نوايا حقيقية لتحقيق إقلاع سياسي واقتصادي".

أما المحلل السياسي عامر رخيلة، فيعتقد في إفادة لـ "الترا جزائر" أن المشاورات السياسية التي باشرتها رئاسة الجمهورية قبيل أيام ما هي إلا خطوة أولى، للحوار، ستعقبها مبادرة سياسية كمرحلة ثانية، تندرج ضمن ما أسماه الرئيس بـ "لم الشمل"، وخطاب "اليد الممدودة"، خاصة في ظل تصاعد الأصوات المعارضة في الخارج.

ويفصّل المحلل السياسي في الملف بشكل أوضح، قائلًا إن بداية مخاطبة الرئيس للأحزاب والسياسيين في الجزائر كانت برسالة في ثاني أيام عيد الفطر، وصفها الكثيرون بجس نبض للساحة السياسية ومدى تجاوب قادة الأحزاب مع أي مبادرة في الأفق، أعقبتها مشاورات رئاسة الجمهورية، حيث يستقبل الرئيس شخصيًا هؤلاء الفاعلين ويتبادل معهم أطراف الحديث ويستمع إلى انشغالاتهم ومقترحاتهم ورؤيتهم للوضع، على أن تكون المرحلة المقبلة عبارة عن مبادرة سياسية مكتملة الصورة، وواضحة الملامح.

جس النبض

ويعتقد رخيلة في حديث إلى "الترا جزائر"، أن المشاورات السياسية التي باشرتها رئاسة الجمهورية قبيل أيام ما هي إلا خطوة أولى، للحوار، ستعقبها مبادرة سياسية كمرحلة ثانية، تندرج ضمن ما أسماه الرئيس بـ"لم الشمل"، وخطاب "اليد الممدودة"، خاصة في ظل تصاعد الأصوات المعارضة في الخارج.

ويفصّل المحلل السياسي في الملف بشكل أوضح، قائلًا أن بداية مخاطبة الرئيس للأحزاب والسياسيين في الجزائر كانت برسالة في ثاني أيام عيد الفطر، وصفها الكثيرون بجس نبض للساحة السياسية ومدى تجاوب قادة الأحزاب مع أي مبادرة في الأفق، أعقبتها مشاورات رئاسة الجمهورية، حيث يستقبل الرئيس شخصيًا هؤلاء الفاعلين ويتبادل معهم أطراف الحديث ويستمع إلى انشغالاتهم ومقترحاتهم ورؤيتهم للوضع، على أن تكون المرحلة المقبلة عبارة عن مبادرة سياسية مكتملة الصورة، وواضحة الملامح.

وفي السياق نفسه، يرى المحلل السياسي والأكاديمي عبد الرحمن بن شريط، في حديث إلى "الترا جزائر"، أن لقاء الرئيس مع ممثلي الأحزاب والشركاء السياسيين دليل على أن السلطة لا تريد أن تكون بمفردها في الصورة وهو اختيار موفّق ـ حسبه ـ، لأن "المرحلة المقبلة ستكون حاسمة ومصيرية، ليتم إطلاق لاحقًا مبادرة المصالحة مع من أخطأوا بمفهوم السلطة، فهذه المبادرة يجب أن ترى طريقها إلى النور، ولا تبقى مجرد حبر على ورق، وحبيسة لقاءات ودردشات بقصر المرادية".

من هم المعنيون بـ"اليد الممدودة"؟

وكانت البرقية التي أوردتها وكالة الأنباء مطلع شهر أيّار/ماي الجاري بشأن "لم الشمل" واضحة بخصوص من يمسهم خطاب "اليد الممدودة" والذي يستشني "المكابرين ومن أداروا ظهرهم لوطنهم ومن تجاوزوا الخطوط الحمراء ومن رفض ذلك".

ويضيف إلى ذلك عبد الرحمن بن شريط وفقًا لتحليله "أولئك الذين لا يحبون الخير للجزائر"، و"من يشكلون تهديدًا للأمن"، في حين توقع أن تشمل المبادرة سياسيين من أحزاب الموالاة والمعارضة معًا، وحتى مستثمرين ورجال أعمال ورجال اقتصاد، بحكم أن الجزائر اليوم بحاجة إلى إصلاحات جذرية، في ظل الظرف الاقتصادي الراهن، المتسم بغلاء الأسعار دوليا وداخليا وتدهور القدرة الشرائية للمواطن، على حدّ قوله.

ويؤكد المحلل السياسي والأكاديمي عبد الرحمن بوثلجة، أن المبادرة ستسعى أيضًا لاستقطاب بعض المجموعات والحركات المناوئة للسلطة، خاصة وأن برقية وكالة الأنباء الجزائرية شدّدت على نقطة "تعزيز اللحمة الوطنية"، فالرئيس يريد الانفتاح على مواقف أخرى كانت السلطة ترفضها في السابق، باستثناء المتورّطين في الفتنة والتفرقة، وكانت تقصد الأطراف التي صاغت مضمون البرقية، حركتي "الماك" و"رشاد" المصنفتان كمنظمتين إرهابيتين.

ملفات سياسية واقتصادية 

وتتضمن أجندة الحوارات والمشاورات التي أطلقها رئيس الجمهورية مع قادة الأحزاب ملفات سياسية واقتصادية، آنية باعتراف الأطراف التي شرع في استقبالها، ترتبط بالوضع الداخلي للبلاد، وملف القدرة الشرائية والأسعار والدعم الاجتماعي الذي سيتم فتح نقاش وطني موسّع حوله خلال الأيام المقبلة، وأيضًا الواقع المعيشي للجزائريين بعد أزمة كورونا التي استمرت لأزيد من سنتين.

 ولم تختف بشكل نهائي لحد الآن، وما ترتب عنها من صعوبات اقتصادية واجتماعية وأيضًا الملفات الإقليمية والأمنية، وواقع ما يحدث في العالم وتأثيره على الجزائر، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر.

هنا يعتبر محدث "الترا جزائر"، أن استقبال الرئيس لممثلي الأحزاب يهدف لمعرفة توجه الطبقة السياسية في خضم الأحداث التي تشهدها البلاد، سواءً سياسيًا أو اقتصاديًا أو حتى إقليميا لبلورة رؤية واضحة حول ما يقع، يُنتظر بعدها الإعلان عن مبادرة سياسية، على حدّ قوله.

يبقى الحديث عن مصالحة عشية عيد الاستقلال مرتبط بمدى مصداقية السلطة، وإذا ما كانت ترغب فعلًا في الانتقال إلى إصلاح سياسي حقيقي

ويبقى الحديث عن مصالحة عشية عيد الاستقلال مرتبط بمدى مصداقية السلطة، وإذا ما كانت ترغب فعلًا في الانتقال إلى إصلاح سياسي حقيقي، بعد أن ظلت المبادرات المماثلة لعقود من الزمن مجرد حبر على ورق، وحبيسة توصيات الندوات والجلسات التي لا ترى طريقها إلى التطبيق.