18-مايو-2022
الرئيس عبد المجيد تبون (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

منذ أكثر من أسبوعين انطلقت حملة سياسية وإعلامية عنوانها "لم الشمل"، ويبدو للمتتبع لمسار النظام السياسي في الجزائر أنه حافل بالممارسات والمبادرات التي تدعو إلى التوافق السياسي وجمع الشمل كلما ظهر انسداد في الأفق واحتقن الشارع وارتبكت شرعية الحكم السياسي، ومهما تعدّدت التسميات فإن النظام السياسي كان دائمًا صاحب المبادرة والمتحكّم في مخرجاتها ومآلاتها.

هل مشروع" لم الشمل" سيكون فرصة للعودة إلى الاستقرار السياسي في البلاد أم هو لإعادة ترتيب البيت الذي تضعضع بفعل الحراك الشعبي؟

بالعودة قليلًا إلى السنوات الماضية، كانت مرحلة ما بعد سنة 1991 من أصعب المراحل التي مرت على الجزائر والنظام السياسي منذ الاستقلال، بالنظر إلى أزمة الشرعية السياسية والأمنية الناجمتين عن توقيف المسار الانتخابي في كانون الثاني/كانفي  1992 واستقالة الرئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد، وحل الهيئة الشرعية.

التمرّد المسلح

وفي ظلّ تلك الأوضاع السياسية غير السويّة، نُصّب المجلس الأعلى للدولة وهي هيئة جماعية، اعتمدت على مبدأ الشرعية الثورية، وأسندت الرئاسة إلى الراحل محمد بوضياف، وبعد ظهور بوادر انشقاق الشارع والتمرد المسلح، سارع بوضياف إلى إطلاق مشروع "اليد الممدودة" كان هدفها استعادة السكينة، وفتح حوار سياسي عميق، يعيد بناء مؤسسات الدولة والمشروع الوطني، وتم الإعداد لتأسيس حزب سياسي جامع تحت مسمّى "التجمّع الوطني الديمقراطي"، يَضُم مختلف القوى الوطنية والجمعيات الجماهيرية، لكن اغتيال محمد بوضياف في 19 حزيران/جوان 1991 أعاد الأزمة إلى مربعها الأوّل، وتضاعف العنف والعنف المضاد.

أرضية الوفاق الوطني

 في ظلّ الفراغ المؤسّساتي الشرعي، كان الخيار إخراج البلاد من الأزمة الدستورية والمؤسّساتية والبحث عن صيغة أو مبادرة تضمن استقرار النظام السياسي، وإدارة المرحلة الانتقالية، وبعد اغتيال بوضياف تولى رئاسة المجلس الأعلى للدولة علي كافي، وفي كانون الثاني/جانفي 1993 تخلى خالد نزار عن وزارة الدفاع الوطني لصالح ليامين زروال، وعرفت المرحلة أشكالًا مختلفة من اللقاءات نظمتها الحكومة مع الأحزاب السياسية لتسيير المرحلة الانتقالية، وتعديل الدستور والعودة إلى المسار الانتخابي بانتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان.

وفي الثامن  أيار/ماي 1993، عقد المجلس الأعلى للدولة سلسلة من الحوارات، والتقى أحزاب سياسية وجمعيات نقابية واجتماعية ومهنية، الاجتماعات أسفرت عن انعقاد "ندوة الوفاق الوطني" يومي 25 و26 كانون الثاني/جانفي 1994 أسفرت عن تعيين رئيس الدولة ليامين زروال، وتشكيل المجلس الوطني الانتقالي.

 سانت إيجيديو  

بالتوازي مع مبادرة السلطة، عقدت يومي 21و22 تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1994 بمدينة روما الإيطالية، مجموعة من الأحزاب الممثلة في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وجبهة القوى الاشتراكية، والحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر وحركة النهضة بقيادة جاب الله، وحضر الندوة الحقوقي على يحي عبد النور.ندوة كانت تهدف إلى وضع أرضية سياسية مشتركة وتطرح مخرجًا من الأزمة السياسية والأمنية والعودة إلى الشرعية الدستورية، وهو طرح كان مغايرة لوجهة نظر السلطة وسميت بعقد روما أو عقد سانت إيجيديو. 

وبعد فشل الحوار مع الأحزاب السياسية التمثيلية، شرعت السلطة وبشكل انفردي في تنظيم انتخابات رئاسية متبوعة، بتعديل دستوري وتنظيم انتخابات تشريعية ومحلية. ورغم تدهور الوضع الأمني فقد تم تنظيم الاقتراع يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 فاز على إثرها اليامين زروال برئاسة الجمهورية.

وقصد تجنب فشل مبادرة الانتخابات الرئاسية، قامت السلطة بتنظيم لقاءات متعددة واللجان قدمت تقاريرها حول الدستور في أيلول/سبتمبر 1996 ، وأعلن المجلس الدستوري  "الدستور الجديد" حيز التنفيذ في 12 كانون الأول/ديسمبر  1996.   

وبعد  الانتهاء من وضع الإطار القانوني الجديد، أُجريت انتخابات تشريعية في الخامس حزيران/جوان 1997 فاز بها التجمع الوطني الديمقراطي بالأغلبية، وكانت النتائج محل انتقادات شديدة واعتبرت مزورة لصالح" الأرندي" الذي عقد مؤتمره الأول في الثالث نيسان/أفريل 1997، ونُصّب بعدها مجلس الأمة والانتخابات البلدية والولائية

 قانون الرحمة والوئام

في  الـ 25 شباط/فيفري 1995 أصدر الرئيس ليامين زروال قانون الرحمة، الذي ينص على العفو على المواطنين الجزائريين الذين حملوا السلاح ضد الدولةـ و فتح باب التوبة أمام المسلحين، وكذا تخفيف العقوبات على المساجين

مباشرة بعد انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيسًا للجمهورية، أصدر قانون الوئام الوطني، وهي المبادرة التي حظيت باستفتاء شعبي في 16 سبتمبر/ أيلول 1999، ليكون بديل لقانون الرحمة، قانون الوئام الوطني تَضمن العفو عن عناصر الجيش الإسلامي للإنقاذ، كما استفادت الكثير من الجماعات المسلحة من الإطار القانوني للعودة إلى أهاليهم.

السلم والمصالحة

وقصد إعطاء دفع سياسي وقضائي وتعويض الثغرات القانونيةفي قانون الوئام الوطني، أصدر بوتفليقة قانون "الميثاق الوطني من أجل السلم والمصالحة"، والذي تم الاستفتاء عليه في 29 سبتمبر/أيلول 2005 الذي نص على عفو شامل عن المسلحين مقابل إلقائهم للسلاح.

في خضم الصراع بين أجنحة النظام، وفي 30  آذار/مارس 2016 ،  أطلق عمار سعيداني الأمين العام لجبهة التحرير الوطني سابقًا، شعار" الجدار الوطني" الذي يهدف إلى تثمين الوحدة الوطنية ودعم المؤسسة العسكرية ودعم برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. حسب أقواله

الجدار الوطني

دعا سعيداني  جميع الأطراف موالاة ومعارضة لالتفاف حول مشروع "الجدار الوطني"، وهاجم خلالها الفريق توفيق مدين، مدير جهاز الاستعلامات وفتح النار على جهاز المخابرات الذي فتح تحقيقات أمنية طالت مقربين من الرئيس بوتفليقة على رأسهم شكيب خليل وزير الطاقة سابقًا.

لكن الواضح أن خلفية مشروع "الجدار الوطني" كانت تهدف إلى تحضير بوتفليقة إلى عهدة رابعة، رغم المرض والتعب والغياب عن المشهد الإعلامي والسياسي والدبلوماسي، وأن المشروعكان حشدًا أكبر قدر من الأحزاب والشخصيات لتمرير مشروع سياسي لقي معارضة ومقاومة من المجتمع.

لم يتمكّن النظام السياسي في الجزائر من تأسيس قواعد ديمقراطية تشاركية حتى الآن

وعلى العموم، ورغم كل هذه المحطات السياسية في سبيل البناء الديمقراطي والمؤسساتي، لم يتمكّن النظام من تأسيس قواعد ديمقراطية تشاركية حتى الآن، فهل مشروع" لم الشمل" سيكون فرصة للعودة إلى الاستقرار السياسي، أم هو لإعادة ترتيب البيت الذي تضعضع بفعل الحراك الشعبي؟