22-يونيو-2022
تاورارت محمد لخضر (فيسبوك/الترا جزائر)

تاورارات محمد لخضر (فيسبوك/الترا جزائر)

ما وراء جمال وسحر شرفات غوفي، أحد أجمل المواقع السياحية التراثية الواقع بولاية باتنة شرقي البلاد، تختفي قصص إنسانية جميلة تحمل في طياتها الكفاح والصبر والقناعة والرضا بالقليل.

عمي لخضر: أحيانًا أبيع ثلاثة إلى أربعة صحون في اليوم، وأحيانًا أخرى لا أبيع صحنًا واحدًا فأتصدق بأطباق الدوبارة وأعود أدراجي

في إحدى زوايا هذه المنطقة، يحارب الرجل السبعيني تاورارات محمد لخضر الحياة والزمن، ويقضي جلّ وقته في المكان على تحضير وبيع أكلة الدوبارة التقليدية، وهي واحدة من الأكلات الشعبية الرائجة في البلاد.

في شرفة الغوفي، على قارعة الطريق وأمام محلّات بيع الألبسة والمنتوجات الحرفية التي تشتهر بها منطقة الأوراس، كالفخار ولباس الملحفة، والحلي، يجلس تاورارات محمد لخضر ابن درمون ببلدية تكوت التي تبعد عن الغوفي بضعة كيلومترات، أمام طاولته البسيطة المتمثلة في صندوق من الورق المقوى، في انتظار زبون يشتري منه صحن دوبارة وبسعر زهيد جدًا.

قدر وصحون

والدوبارة أكلة شعبية جزائرية تنتشر في ولايتي باتنة وبسكرة شرقي البلاد، وهي نوع من الحساء يتكون من الحمص والفول والفلفل الحار، لكن الدوبارة التي يحضّرا تاورارات لخضر تتشكل فقط من الفول (حبّات كبيرة) وفلفل حار أخضر، مع التوابل المحلية طبعًا.

يغلق الحاج محمد لخضر قدر الدوبارة، بإحكام، يضعه داخل الصندوق الورقي المفتوح من الأمام، حتى لا يتعرض للغبار وحرارة الشمس التي قد تؤثر عليه، وفوق الصندوق صحون تقليدية بنّية اللون، دائرية الشكل، مصنوعة من الخشب. يذكر اسم الله ويصلّي على الرسول وينتظر زبائنه.

طبق الدوبارة الذي يحضره عمي لخضر

يقول محمد لخضر الذي تخفي تجاعيد وجهه حكايات كثيرة في حديث لـ "الترا جزائر": كل يوم أجيء إلى الغوفي، لأبيع أكلة الدوبارة، المكونة أساسًا من حبّات الفول، لعلّي أحصل على بعض المال لأكسب به لقمة العيش".

يضيف المتحدث: "كنت أعيل نفسي وعائلتي من ممارسة أعمال يومية مختلفة شاقة، مقابل أجر يومي، وبعد أن كبرت وبلغت من العمر عتّيا، صرت لا أستطيع مزاولة هذه المهن، فقررت الشروع في بيع أكلة الدوبارة لزوار الغوفي، وهذا منذ حوالي فترة طويلة".

ويتابع المتحدث قوله: "أحضّر الدوبارة في المنزل، ليلًا، وعندما يحل الصباح أتوكل على الله وأقصد الغوفي، أنصب هذه الطاولة المتواضعة، في انتظار زبون يشتري مني صحن دوبارة".

وفي ردّه حول دخله في اليوم الذي يجنيه من هذه المهنة، يردّ الحاج محمد لخضر قائلًا: "الصحن مقابل 100 دينار جزائري (0.5 يورو)، الربح قليل جدًا بالنظر إلى المجهود.. أحيانًا أبيع ثلاثة إلى أربعة صحون في اليوم، وأحيانًا أخرى لا أبيع صحنًا واحدًا فأتصدق بأطباق الدوبارة وأعود أدراجي".

طبق الدوبارة الذي يحضره عمي لخضر

لا ينوي الحاج لخضر تطوير هذه التجارة البسيطة، لأسباب ترتبط بوضعه المادي، ويجيب في هذا الصدد: "لا أملك المال، لتحقيق ذلك، أنا فقير، ضف إلى ذلك تقدمي في السن، عمري 75 عامًا، أزاول هذا النشاط بصبر وعزيمة فقط، لا يمكنني في هذا العمر العمل، لا أملك القوة الكافية، فقط النيف (الكبرياء، الشرف، العزّة)، يدفعني إلى ذلك".

دراجة 102

ليس النشاط التجاري الذي يمارسه الحاج لخضر، المثير للاهتمام والفضول فقط، بل وسيلة النقل التي يستعملها هذا الرجل الذي يعيش مع زوجته بعد أن تزوج كل أولاده وسكنوا بعيدًا عنهما، هي دراجة نارية قديمة ذات صنع فرنسي، عمرها نصف قرن، ترافقه أينما حل وارتحل، وتعتبر سلاحًا يجابه به صعوبات الحياة ويكسب به قوته اليومي.

محمد لخضر: هي خبزتي عند الله هي ما تراه أنت دوبارة ودراجة نارية عتيقة

يقول محدث "الترا جزائر": "أستعمل دراجة نارية من علامة بيجو 102، تعود صناعتها إلى العام 1972، لن أبيعها أبدًا، ولن أفكر في ذلك إطلاقًا، أتنقل بها يوميًا إلى الغوفي لأبيع الدوبارة، هي خبزتي عند الله هي ما تراه أنت دوبارة ودراجة نارية عتيقة"، ويعلّق مازحًا: "نحن كبار السن نحافظ على ممتلكاتنا، وليس مثلكم أيّها الشباب، تشترون سيارة بالملايين وتحطمونها في يوم واحد".