26-يونيو-2022
ساحة مستشفى فرانس فانون بالبليدة (الصورة: Getty)

ساحة مستشفى فرانس فانون بالبليدة (الصورة: Getty)

يربط كثير من الجزائريين بشكل ٍعام نية الاستشارة أو العلاج لدى الطبيب النفسي بالاختلال العقلي أو الجنون، بل ويخلط بعضهم كثيرًا بين العلل النفسية والأمراض العقلية والجوانب الروحية في العلاج النفسي، والذي بات من ضرورة قصوى لبعض المشاكل التي تعاني منها نسبة واسعة من أفراد المجتمع.

مختصة في الصحة العمومية: استهلاك المؤثرات العقلية لفئة مجتمعية ما بين 25-45 سنة، مؤشّر خطير يكشف عن حجم الاضطرابات النفسية والعقلية في البلاد

في السياق، باتت الصحة النفسية في الجزائر خلال السنوات الأخيرة محل اهتمام كثير من المختصين في مجال الصحة العمومية، نظرًا إلى ارتفاع عدد المصابين بالأمراض النفسية والعقلية، والاضطرابات السلوكية التي نصادفها في محيطنا الاجتماعي وفي الشارع، وفي ظلّ غياب إحصائيات وأرقام رسمية تشير إلى ارتفاع الأمراض النفسية والعقلية، يدق مختصون ناقوس الخطر وفق معطيات ودلائل انتشرت وسط المجتمع.

طابوهات

 في السياق الموضوع، تقول أمينة مهدية، مختصة في الصحة العمومية إن المجتمع يرفض زيارة طبيب نفسي، وتابعت أن الأسباب تعود إلى النظرة السلبية والجهل بوظيفة المعالج النفساني، إضافة إلى بعض المعايير الثقافية التي ترفض العناية بالصحة النفسية عند المختص، على حدّ قولها.

وأفادت محدّثة "الترا جزائر"، أن الكثير من الانهيارات العصبية والعقلية ما هي إلا نتيجة اضطرابات نفسية مسبقة لم يتم تشخيصها في حينها، مؤكّدة أن أرقام الأمراض النفسية والعقلية في تزايد، وهذا ما نلمسه في المستشفيات، من خلال تزايد الأمراض القلبية والعصبية، ومرضى ارتفاع الضغط الدموي والمرض السكري خاصة في بعض الأوساط المهنية والفئات الشبانية.     

وفي سياق توصيف الأدوية المهدئة للمرضى النفسانيين الذين يقصدون الأطباء، تشرح مهدية، أن استهلاك المؤثرات العقلية لفئة مجتمعية ما بين 25-45 سنة، مؤشّر خطير يكشف عن حجم الاضطرابات النفسية والعقلية في البلاد، وهو ما ذهب إليه في تصريح إذاعي سابق، البروفيسور مصطفى خياطي، حين كشف أن جزائريًا واحدًا من بين خمسة أشخاص يحتاج إلى رعاية من طرف أخصائي في الطب النفسي والعقلي.

غياب الثقافة الصحية

في السياق ذاته، يرى كثير من المختصين أن غياب الثقافة الصحية وانعدام نمط وسلوك معيشي نموذجي، وراء النظرة النمطية عن دور العيادي الفعال للمعالج النفساني. هنا، يقول عصام وهو شاب جامعي ماستر 2:" شخصيًا لم يسبق أن استشرت طبيبًا نفسيًا، ولا أعرف واحد من الوسط العائلي أو الجامعي قام بذلك".

ويرى عصام أنه لا داعي إلى زيارة الطبيب النفسي، فالتربية الروحية الدينية والالتزام الشرعي كفيلان حسبه بتحقيق الاطمئنان الداخلي والراحة والسكينة النفسية، بحسب أقواله.وكانت أغلب إجابات الشباب والشابات من سألتهم "التر جزائر" متفقة أن التوتر النفسي والقلق بسبب الفراغ الروحي والديني، ورغم عدم وجود ملامح التدين عند هؤلاء الشباب إلا أنهم يؤكّدون أن الأمراض النفسية والعقلية تعود إلى الابتعاد عن الدين.

ما هي الصحة النفسية

ووفق تعريف منظمة الصحة العالمية، فإن "الصحة النفسية هي حالة العافية يحقق فيها الفرد قدراته الذاتية، ويستطيع مواكبة ضغوط الحياة العادية، ويكون قادرا على العمل الإيجابي والمثمر ويمكنه الاسهام في مجتمعه".

من خلال التعريف المبسط، يقول الدكتور ياسين ماحي باهي، في اتصال مع "التر جزائر" إن الصحة النفسية لا تتعلق بالظاهرة التدين من عدمه، بل بالمحيط الاجتماعي والمهني واليومي الذي يعيش الفرد وسطه، موضحًا أن تلك العوامل الأساسية هي جزء من حياتنا النفسية والعقلية، قد تأثر فينا بشكل إيجابي أو سلبي.

وأفاد المتحدث أن الجانب النفسي جد معقد ومركب، وبالتالي فالأمراض النفسية المعقدة على غرار انفصام الشخصية والعدوانية والوسواس القهري، والاكتئاب الهوسي بحاجة إلى استشارة وتحليل علمي ومعرفي، على حد تعبيره.

وفي السياق، أوضح على سبيل الذكر، أن الانفصال بين الوالدين قد ينعكس سلبيًا على نمو الطفل وتطور شخصيته، ويترتب عن الانفصال سلوكيات عدوانية أو اكتئاب أو انطواء في الشخصية، فالطب النفسي قادر على تحديد الأسباب وكيفية معالجتها.

الصحة العقلية

يقصد بالصحة العقلية، الصحة العامة لكيفية تفكيرك وتنظيم مشاعرك وتصرفاتك، وقد يتعرض الأفراد إلى اضطرابات في أداء هذه الوظائف العقلية، والمعالج النفسي على خلاف الطبيب العقلي، يقوم بعملية تشخيص المرض وتقييم الصحة النفسية والعقلية وتحديد عوامل الخطر للأمراض والعلاج يتم عبر الاستشارة، بينما الطبيب النفسي (اختصاص الصحة العقلية) يشخّص الاضطرابات والحالات النفسية، وتقديم العلاج المناسب عبر الأدوية.

المستشارة التربوية

من جانبه، وعلى مستوى المؤسسات التعليمية توجد وظيفة "لمستشارة التربوية تعمل على مساعدة الطالب على استغلال كامل طاقته من أجل تحسين التمدرس، وتهتم بمتابعة التلاميذ ومرافقتهم في مجال الصحة النفسية.

إلى هنا، تقول مستشارة تربوية (تحفّظت عن ذكر اسمها) تعمل في الطور التعليم المتوسط بضواحي العاصمة، أن هناك اهتمامًا لدى التلاميذ في ربط علاقة بين المستشار التربوي والطالب، مضيفة أن الوسط الاجتماعي والعائلي لبعض التلاميذ يدفع بهم إلى استشارة ومتابعة من طرف المستشارة التربوية.

وعلى صعيد العملي أكدت المحدثة أنها تعمل على مساعدة الطالب وتوجيه وتشكل حلقة وصل بين الأستاذ والمؤسسة التعلمية والطالب، وأضافت أنها تعمل على استدعاء الأولياء قصد تدارس وضعية الطالب معهم وإيجاد بعض الحلول العملية.

انفصال الوالدين

وبخصوص العوامل التي تتسبب في التسرب المدرسي واختلالات نفسانية لدى الطالب، كشفت المتحدثة أن الطالب الذي يعيش وسط انفصال الوالدين من أكثر الحالات التي تحتاج المتابعة والمرافقة الصحية، موضّحة أن انفصال الوالدين من بين أهم عوامل اخفاق الطالب في التمدرس والعنف المدرسي، وتروي المستشارة التربوية أنها تتخذ إجراءات حملة الطفلة في حالات بعض الطالبات ممن يُبلغنها عن عنف أسري وعائلي، على حدّ تعبيرها.

تساهم الصحة العقلية والنفسية في المجتمعات الحديثة على التنمية الفردية والجماعية

تساهم الصحة العقلية والنفسية في المجتمعات الحديثة على التنمية الفردية والجماعية، وتساعد على التعليم الأفضل والمردودية في العمل وتنمية السلوك المجتمعي، وكلما توفر نمط معيشي أفضل، تراجع العنف والجريمة إلا في حدود قصوى واستثنائية.