27-مارس-2024
متقاعدون جزائريون

متقاعدون في الجزائر (الصورة: الخبر)

باتت بعيدة المنال فرص اعتماد مقترح قانون يفسح المجال لآلاف العمال والموظفين للحصول على التقاعدمن العمل قبل بلوغ السن القانوني  المحدد بـ 60 سنة ،لقلة الدعم من البرلمان وتقاعس أكبر النقابات العمالية في البلاد عن الدفع لتمريره.

طرق دعاة إصلاح نظام التقاعد باب الرئاسة مستنجدين بالرئيس عبد المجيد تبون على أمل إتخاذه خطوة في صالحهم بمناسبة العيد العالمي للعمال

إذ ورغم التحسينات التي أدخلها صاحب المقترح النائب يوسف عجيسة بناء على طلب من مكتب المجلس الشعبي الوطني،تسود شكوك كبيرة حول إمكانية إدراجه في قائمة النصوص المؤهلة لتأخذ مسارها التشريعي خاصة في ظل المعارضة المعلنة من قبل الحكومة لهذا المسعى.

تأجيلات

ومن المؤشرات على تقويض المقترح، ما توصل إلى البرلماني من لدن رئيس المجلس إبراهيم بوغالي خلال مكالمة هاتفية بينهما عقب الاجتماع الأخير لمكتب المجلس(19 آذار/ مارس)،حيث أبلغه بتأجيل الفصل في المقترح بذريعة إجراء "دراسة أعمق وأشمل من حيث التدابير المالية، وللتشاور مع منأسماها بالجهات ذات الصلة "أي الحكومة وفق ما تضمنه منشور على صفحة النائب.

وفي السياق ذاته، توصل نواب بمن فيهم أعضاء في العائلة السياسية للبرلماني (حركة مجتمع السلم) بمعلومات من أطراف حكومية مفادها أن فرص العودة إلى نظام التقاعد دون شرط السن أو التقاعد المسبق في الفترة الحالية شبه منعدمة.

ونقل نواب من ولاية الشلف يوم 18 آذار/ مارس عن فيصل بن طالب وزير العمل والضمان الاجتماعي قوله بأنه من غير الممكن إنجاز ذلك  بمبرر أن المقترح يزعزع أسس النظام القائم على التكافل بين الأجيال ومخاطر تفاقم وضع صندوق التقاعد الذي يعاني عجزا هيكليا منذ عقود.إذ يبلغ هذا العجز حسب الأرقام التي قدمها الوزير شخصيا خلال جلسة سماع برلمانية في 12شباط/فيفري الأخير لـ 380 مليار دينار جزائري، تجري تغطيتها بقروض من الصندوق الوطني للاستثمار.

وفهم مؤيدو المشروع أن عملية جارية لعرقلة تمرير المقترح،الذي لاقى ترحيبا واسعا من العمال الذين حققوا شرط 32 عاما أو يقتربون من الوفاء به، وتحدثوا في تعاليق لهم عبر منصة التواصل الاجتماعي تجمع أنصار التقاعد دون شرط السن ،عما وصفوه بـ"التماطل في إرسال المقترح إلى الحكومة رغم مشروعيته وتوافقه مع أحكام الدستور"،بـ احتجازه لأكثر من عام بحجة وجود مشروع حكومي يحظى بالأسبقية، ثم إخراج ذريعة تكيّيفه مع أحكام المادة 147 منه التي تشترط إرفاق أي اقتراح أو تعديل قانون يقدمه أعضاء البرلمان من شأنه خفض أو زيادة النفقات العمومية بتدابير تستهدف الزيادة في إيرادات الّدولة، أو توفير مبالغ مالية  تساوي على الأقل المبالغ المقترح إنفاقها.

ولطالما شكل هذه القيد الدستوري ذريعة لاعتراض أي إجراءات تهدف لخفض الرسوم والضرائب أو زيادة الإنفاق الحكومي.وبالأخص عند مناقشة الموازنة السنوية (قانون المالية ).كما يوصف هذا الشرط بالتعجيزي حسب المختصين في القانون، إذ لا يملك البرلمان الأدوات اللازمة لمعرفة الإيرادات والنفقات العمومية بدقة.

لكسر مقاومة المشروع والتوافق مع متطلبات المادة 147من الدستور  وتغطية المنح الجديدة اقترح البرلماني توليفة تضم استخدام حصة من مدخرات الصندوق الوطني لاحتياطات التقاعد الممول من الجباية البترولية والذي يتوفر رصيد قدره النائب بـ 270000مليار سنتيم خلال جلسة برلمانية في 29 شباط فبراير،وبأموال احتياطي الصرف وزيادة الرسوم على السلع المستوردة من 1 بالمائة إلى2 بالمائة .

32 سنة بركات

وأكد البرلماني في مقترحه إن مراجعة نظام التقاعد صار ضرورة حتمية مع تزايد المطالب بحق التقاعد للعامل سواء المسبق المستوفي اشتراكه، أو كل من قضى 32 سنة من العطاء والخدمة(مصرح بها). خصوصا بعد زوال الأعذار المالية السابقة وانتعاش الخزانة العمومية وملامسة احتياطي النقد الأجنبي سقف الـ 60 مليار دولار مع نهاية سنة 2022.

وقال في عرض فرض أسباب المشروع يتعلق الأمر بفئة كبيرة من العمال في الاستفادة من تقاعد مربح بعد أعوام من الشغل، خصوصاً فئة المهن الشاقة، ورأى أن إفساح المجال لآلاف العمال للاستفادة من حق التقاعد سيمكن من تقليص البطالة وبتوفير مناصب عمل لفئة الشباب،وبضخ طاقات جديدة شابة في الاقتصاد الوطني.  وجزم إن تمديد سن التقاعد ليس حلا لمواجهة النفقات الضخمة لصندوق التقاعد لنتائجه السلبية لاسيما مع انخفاض كفاءة العمال مع التقدم في السن وارتفاع معدلات البطالة. فـ"الحل الأنسب ــ في رأيه ــ يكمن في تنشيط سياسة استحداث وظائف،وإدماج الشباب في سوق العمل مع العمل على إيجاد مصادر تمويل بديلة منتظمة ومستدامة تمكن صندوق التقاعد من مواجهة عجزه دون الاقتراض،وتنويع استثمار عائدات صندوق التقاعد عبر خطة مدروسة مسبقا تقي الصندوق من أي مخاطر.

الآمال معلقة على قرار رئاسي    

وطرق دعاة إصلاح نظام التقاعد باب الرئاسة مستنجدين بالرئيس عبد المجيد تبون على أمل إتخاذه خطوة في صالحهم بمناسبة العيد العالمي للعمال  والوفاء بوعد أطلقه في حملته الانتخابية في 2019 (تجمع باتنةيوم 23تشرين الثاني /نوفمبر )بالنظر في المطلب أو على تقليص مبلغ الاشتراكات لمن استوفوا شرط 32سنة.

وكشف السيد عبد الكريم الناشط ضمن تكتل غير معتمد يناضل لإعادة التقاعد دون شرط السن لـ الترا جزائر عن توجيه رسالة إلى الرئيس عبر وزارة العمل في يناير /جانفي الماضي يلتمس العمال منه لـ "اتخاذ قرار شجاع يشبه القرارات الهامة للبلاد التي اتخذها في مختلف المجالات".

كان عبد الكريم العامل بقطاع الطاقة ولديه 37 سنة من العمل،حاضرا في تجمهر قصير أمام مقر المركزية النقابية في شباط /فيفري الماضي بمعية عمال آخرين والنائب عجيسة للفت أنظار السلطات إلى قضيتهم، وأوضح   لـ "الترا جزائر" أن ما يجري تسويقه من مخاطر تكلفة الإصلاح مبالغ فيها، وقال أن إلغاء التقاعد المسبق والتعاقد دون شرط السن عبر تعديل ‌2016 مَن سبب نزيف الإطارات الذين فضلوا الرحيل خشية إغلاق الباب في وجوههم مستقبلا،لافتا إلى أن عدد المستفيدين من القرار لن يتجاوز 120 ألف عامل فقط.

اتجاه معاكس

 مايعزز موقف السلطات الرافض لمطلب العمال هو التوجه العالمي لتأخير سن التقاعد على غرار فرنسا التي يستلهم منها نظام الحماية الاجتماعية في الجزائر حيث تم رفع سن التقاعد إلى 64 عاما، وفي هذا الصدد اقترح برلمانيون توحيد صناديق التقاعد لمواجهة العجز المالي.

بينما أشارت دراسة لضرورة إصلاح عميق يضم الرفع التدريجي من سن التقاعد القانوني إلى سن 62 وزيادة نسب الاشتراك وضرورة تكييف نظام التقاعد مع التغيرات الديمغرافية التي يشهدها البلد كارتفاع أمل الحياة الذي يصاحبه زيادة في تكاليف التقاعد للمسنين؛ وتحفيز الاستثمار ومنح امتيازات أكثر للمستثمرين لخلق مشاريع خلافة المناصب العمل للحد من ظاهرة البطالة وزيادة عدد المشتركين لدى صندوق التقاعدجهة، ومن جهة أخرى ضرورة البحث عن مصادر تمويلية أكثر تنوعا من خلال إشراك القطاعات الاقتصادية الأخرى في تمويل صندوق التقاعد وفتح المجال أكثر لصندوق التقاعد فيما يخص استثمار أموال المتقاعدين في الأدوات المالية وغير المالية المتاحة وذلك لتحقيق عوائد أكثر.