تخوض الجزائر في السنوات الأخيرة حربًا حقيقية ضدّ الاستهلاك المتواصل للمخدّرات والمؤثرات العقلية التي أصبحت تشكّل خطرًا على المجتمع بكل فئاته، فرغم تشديد العقوبات ضدّ المتاجرين بهذه السموم ومراجعتها دوريًا، وتنظيم حملات توعوية متواصلة، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذا المرض الخبيث يواصل استشراءه بين الجزائريين، فما هي الطريقة الأنسب للانتصار على هذه الآفة؟.
المحامي يوسف بودينة: "البريغابالين" ليست مدرجة دوليًا ضمن المؤثرات العقلية، إلا أن الجزائر أقدمت هذه الخطوة، بالنظر إلى الاستهلاك الواسع لها كمخدر في الجزائر
حرص المشرع الجزائري منذ سنوات على تشديد العقوبات على المساهمين في استهلاك المخدرات، فقد نص في المادة 13 من القانون المتعلق بمكافحة المخدرات على سبيل المثال على عقوبة تصل حتى 10 سنوات حبسًا نافذًا ضد مروجي هذه السموم، وهي جزءٌ واحدٌ في سلسلة من العقوبات المسلطة على مستهلكي المخدرات ومروجيها.
في هذا السياق، تسلط عقوبات صارمة ضد مروجي ومستهلكي المخدرات، ولعل أبرز عقوبة تلك المنصوص عليه في المادة 17 لمكافحة المخدرات، وتتعلق بعقوبات تمس باعة المخدرات بشكل عام، فبالرغم من المعقوبات القاسية المسلطة على المتورطين بموجب هذه المادة، نجد أنهم يُحرمون من العفو وتخفيض مدة العقوبة.
وتنص المادة 17 "بالحبس من 10 سنوات إلى 20 سنة وغرامة 5000.000 إل 50.000.000 دج كل من قام بطريقة غير مشروعة بإنتاج أو صنع أو بيع أو وضع للبيع أو الحصول أو الحيازة أو العرض أو الشراء قصد البيع أو التخزين أو تحفيز أو تسليم بأي صفة كانت أو سمسرة أو شحن أو نقل عن طريق العبور أو نقل مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية".
ويشتكي أهالي السجناء جرّاء المادة 17، من تكييف السلطات لعدة حالات راحت ضحيّة هذه المادة، وعدم وجود ظروف تخفيف، إضافة إلى توجيه الاتهام لكل من يتورط في بيع المخدرات دون الحاجة إلى ضبطه متلبسًا في القضية، ولكن بالاستناد إلى مؤشرات ودلائل تثبت قيامه بمرافقة مروجي المخدرات أو نقلهم أو التعامل معهم.
أرقام مفزعة
تظهر الأرقام التحديثية للديوان الوطني لمكافحة المخدرات خطورة هذه السموم التي تهدد المجتمع الجزائري، فقد إشارت الحصيلة السنوية لـ2022 حجز أزيد من 58 طنًا من القنب الهندي، منها 58,87 بالمائة بغرب البلاد، حيث تشير أرقام وزارة الدفاع إلى أن كميات كبيرة من الكيف المعالج المهرب إلى الجزائر قادمة من المغرب.
وحسب تقرير الديوان، فإن 33,18 بالمائة من كميات القنب الهندي المحجوزة, سجلت في المنطقة الجنوبية من الوطن, و4,79 بالمائة منها بالمنطقة الشرقية للوطن و3,16 بالمائة في المنطقة الوسطى.
و بخصوص المخدرات الصلبة، فقد تراجعت كمية مخدر الكوكايين المحجوزة في الجزائر خلال سنة 2022 بنسبة 87,94 بالمائة مقارنة بسنة 2021.
ويهرّب الكوكايين في الغالب من إسبانيا عبر المغرب إلى الجزائر، أو من مدريد مباشرة نحو الجزائر بحرًا، ففي شهر أيار/ماي الفارط أعلنت السلطات الإسبانية حجز 322 كيلوغرامًا من الكوكايين بإحدى موانئها الجنوبية كانت في طريقها نحو الجزائر.
وذكرت وسائل إعلام إسبانية أن دائرة مراقبة الجمارك بالتنسيق مع الشرطة، على مستوى ميناء مدينة ألجيراس بمقاطعة قادش الجنوبية التابعة لإقليم الأندلس، عثرت على الكوكايين في 16 كيسًا داخل حاوية تنقل بذور الذرة قادمة من البرازيل باتجاه إلى ميناء وهران في الجزائر.
وفي سنة 2018، تم حجز شحنة من سبعةقناطير من الكوكايين بميناء وهران قادمة من إسبانيا، والتي عرفت بعدها باسم "قضية كمال البوشي"، والتي تسببت وقتها في إقالة مسؤولين كبار، حبسهم.
وتشير حصيلة الديوان ذاته إلى حجز أزيد من 11 مليون قرص من المؤثرات العقلية في 2022, مسجلة بذلك ارتفاعا بـ 115,50 بالمائة مقارنة بسنة 2021.
وعلى عكس المخدرات التقليدية التي تحجز بالولايات الغربية، تضبط أغلب الكميات من المؤثرات العقلية بالولايات الشرقية، حيث تهرب من تونس بالنظر إلى أن بعض الأدوية المدرجة في الجزائر كمهلوسات ومؤثرات عقلية ليست مدرجة في تونس ضمن هذا الإطار ومنها دواء "البريغابالين".
وأشارت حصيلة الديوان الوطني لمكافحة المخدرات إلى توقيف 13363 متورطًا في المتاجرة بالمخدرات، و51512 مستهلكًا في القنب الهندي و20765 من مروجي المؤثرات العقلية.
وتظل هذه الأرقام بحسب المختصين لا تعبر عن العدد الحقيقي للمستهلكين، وكميات المخدرات المروجة في الجزائر، والتي أصبحت تستهدف مختلف الفئات، وبالخصوص الشباب منهم.
مراجعة قانونية
بالنظر إلى التطورات التي تشهدها الجرائم المرتبطة بالمخدرات، راجعت الحكومة هذا العام التشريعات الخاصة بالمخدرات، فقد تضمن العدد32 من الجريدة الرسمية الصادر شهر أيار/ماي الماضي القانون المعدل والمتمم للقانون رقم 04-18 والمتعلق بالوقاية مـن المخدرات والمؤثرات الـعـقـلـيـة وقـمع الاستـعـمال والاتجار غير المشروعين بها.
وأوضح المحامي يوسف بودينة لـ"الترا جزائر" إلى أن أهم نقطة تضمنها هذا القانون هو إدراج "البريغابالين" أو ما يعرف وسط المدمنين بـ"الصاروخ"ضمن المؤثرات العقلية التي يعاقب عليها القانون، بالنظر إلى أن العقوبات السابقة التي كانت تصدر من القضاة كانت تستند إلى الواقع المعاش لا على سند قانوني.
ولفت بودينة إلى أنه بالرغم من أن "البريغابالين" ليست مدرجة دوليًا ضمن المؤثرات العقلية، إلا أن الجزائر أقدمت هذه الخطوة، بالنظر إلى الاستهلاك الواسع لها كمخدر في الجزائر.
وبين بودينة أن القانون الجديد تضمن أيضًا مواد تسمح للقاضي بتخفيف عقوبات متعاطي المخدرات في حال ما قد بدأ عملية علاج التخلص من الإدمان، وذلك بهدف تشجيع المدمنين على تطليق هذه السموم القاتلة.
أما بشأن العقوبات، فقد أشار بودينة إلى أنها لم تتغير، حيث يصنف القانون الجزئري التعامل مع المخدرات ضمن ثلاثة أصناف هي المستهلك والمروج والتاجر.
وهنا تشير المادة 13 من القانون إلى أنه " يعاقب بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات وبغرامة من 100 ألف إلى 500 ألف دينار كل من يسلم أو يعرض بطريقة غير مشروعة مخدرات أو مؤثرات عقلية على الغير بهدف الاستعمال الشخصي".
أما عقوبة المتاجرة بالمخدرات في المادة 17، فتصل إلى 20 سنة، وترفع حتى الإعدام عند معاودة القيام بالجناية نفسها، وفق ما أوضحه يوسف بودينة لـ"الترا جزائر".
وحسب مدير التعاون الدولي بالديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها القاضي داودي، فإن من ضمن الإجراءات المتخذة لمكافحة المخدرات إنشاء فهرس وطني للوصفة الطبية الذي سيسمح بتتبع مسار الوصفة الطبية والتأكد من صحتها، والتي ستكون تحت تصرف الأطباء، والصيادلة، والضبطية القضائية والجمارك .
ولفت داودي إلى أن التعديل القانوني الجديد أقر مادة تتعلق بتسليم المراقب، ما سيسمح بمتابعة مسار شحن المخدرات والمؤثرات العقلية التي تجتاح البلاد، ومن ثمّ التوصلّ إلى تفكيك رؤوس هذه الشبكات.
واسعة النطاق
أطلقت السلطات العمومية في الفترة الأخيرة حملة واسعة النطاق للتحسيس بخطورة المخدرات ومكافحتها، من منطلق أن البلاد تتعرض إلى "محاولات لإغراقها بالمخدرات التي تستعمل كسلاح خطير ضدها وضد شعبها، بغرض إفشال عزائمهم والنيل من إرادتهم"، وفق تصريح سابق لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول السعيد شنقريحة.
وقال وزير الداخلية إبراهيم مراد، خلال جلسة برلمانية إن "الجزائر تواجه حربًا معلنة باستخدام المخدرات تستوجب على الجميع مواجهتها بشتى الوسائل"، مضيفا أن هذه الحرب "تستوجب علينا مواجهتها بشتى الوسائل، من خلال إشراك جميع القطاعات والهيئات المختصة والمجتمع المدني".
وضمن هذا المسعى، دعت وزارة الشؤون الدينية الأئمة إلى تخصيص خطب يوم الجمعة للحديث عن أخطار المخدرات، إضافة إلى أن وزارة التربية ستنظم في الأيام القادمة ملتقى وطنيا للتقليل من خطورة هذه الآفة على الشباب، بعدما أثبتت التقارير أن استهلاك المخدرات والمؤثرات العقلية داخل المؤسسات التربوية، وصل إلى أرقام مفزعة في بعض الولايات الكبرى.
وتندرج هذه الحملة ضمن الأدوار التي منحها قانون مكافحة المخدرات الجديد للجهات الحكومية والمؤسسات المجتمعية والمدنية، فقد أشار قاضي التحقيق نائب رئيس القطب الجزائي المالي والاقتصادي المتخصص بمحكمة سيدي أمحمد، رستم منصوري خلال يوم دراسي إلى أن هذا القانون الجديد أعطى"دورًا واسعًا" للمجتمع المدني في مجال مكافحة المخدرات، إلى جانب المساجد والمؤسسات الثقافية والرياضية.
وفي هذا الشأن، أشار رئيس الجمعية الجزائرية لرعاية الشباب عبد الكريم عبيدات الذي يملك تنظيمه مراكز للمعالجة من إدمان المخدرات في حديثه مع "الترا جزائر"، إلى أن جمعيته ستساهم في هذه الحملة، وستنظم بهذا الخصوص يومًا تحسيسيًا بمركزها الموجود ببوشاوي غرب العاصمة الجزائر.
ورغم تثمينه لحملات التوعية من خطر المخدرات واستهلاكها والتعديلات التي تضمنها قانون مكافحة المخدرات في شقه المتعلق بتخفيف العقوبات عن المستهلكين، الذين يوافقون على الخضوع للمعالجة من الإدمان، إلا أن المحامي يوسف بودينة نبه في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن هذه الجهود تظلّ غير كافية في ظل عدم وجود مراكز متخصّصة في علاج الإدمان بالقدر الكافي، وعلى المستوى الوطني.
وقال رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة والبحث مصطفى خياطي في تصريح سابق لمعد التقرير إن المراكز المتخصصة في مجال معالجة الإدمان على المخدرات تبقى محدودة، حيث لا يزيد عددها عن أربعة فقط توجد بولايات البليدة ووهران وباتنة وغرداية، والتي لا تستطيع تغطية العدد الكلي للمستهلكين لهذه السموم، لذلك يوجه البعض منهم إلى المراكز التابعة للعيادات الجوارية التي لا تتوفر على الشروط اللازمة للمعالجة من الإدمان، وفق قوله.
يتفق كثيرون أن المخدرات صارت تشكل خطرًا حقيقيًا بالنظر إلى أنها لم تعد تتعلق بتعاطيها واستهلاكها فقط ولكن أصبحت عاملًا أساسيًا في تزايد الجريمة
يتفق كثيرون أن المخدرات صارت تشكل خطرًا حقيقيًا في الجزائر، بالنظر إلى أنها لم تعد تتعلق بتعاطيها واستهلاكها فقط، إنما أصبحت عاملًافي تزايد معدلات الجريمة وحوادث المرور وحالات الطلاق والعنف الأسري، إضافة إلى ارتباطها الوثيق بدعم الجماعات الإرهابية وعصابات الأحياء، الأمر الذي يتطلب تضافر جهود الجميع، وبالخصوص تشديد الرقابة على الحدود بما أن الجزائر ليست بلدًا منتجًا إنما مستهلكًا، إضافة إلى أن طرق دخولها معروفة، وفق ما قاله المحامي يوسف بودينة لـ"الترا جزائر".