تعمل وزارة الداخلية الجزائرية على مراجعة القوانين المتعلقة بالأطفال، بعد تزايد معدّلات الاعتداءات والجريمة والاستغلال ضدّ هذه الفئة، رغم وجود نصوص صريحة بشأن ذلك، ومنها مكافحة استغلالهم من قبل شبكات امتهان التسوّل والعمل دون السن القانوني.
أستاذ في علم النفس: هناك من يمارس التسول ضمن عصابات تشبه شبكات السرقة والدعارة وترويج المخدرات وتزوير العملة
ورغم أهمية النصوص القانونية في الحد من نشاط الشبكات الإجرامية، التي تستعمل الأطفال سواءً كانوا جزائريين أو مهاجرين سرّيين لأغراض التسول، إلا أنها تبقى لحد الآن غير كافية لمعالجة هذه الظاهرة التي أصبحت لا علاقة لها بالحاجة والعوز. لذلك يدعو خبراء للنظر للقضية بأبعاد اجتماعية واقتصادية.
اقرأ/ي أيضًا: الحكومة تعلن عن إجراءات جديدة لمحاربة ظاهرة التسول بالأطفال الأفارقة
تفشي الظاهرة
لم تعد ظاهرة استغلال الأطفال في التسول من قبل شبكات إجرامية أمرًا يخفى على أحد، ففي كل مدينة وولاية ينقل مواطنون شهادات متطابقة تؤكّد أنهم ضبطوا متسولين بالأطفال سواءً رجالًا أو نساءً بسيارات فخمة، عقب مغادرتهم المكان الذي يطلبون فيه المساعدة كالمساجد ومحطات القطار والحافلات وغيرها التي يمكن فيها اصطياد الزبائن. وهو ما جعل المحتاجين حقًا من الناس يذهبون ضحية هذه الجرائم المرتكبة من قبل أشخاص لا صلة لهم بالحاجة والفقر.
وأشار أستاذ علم النفس بجامعة سطيف 2، حمزة لعزازقة، في حديث إلى"الترا جزائر" أن اللجوء للتسول بالأطفال بسبب تعاطف وتجاوب المانحين مع الفئات الهشة كالأطفال وذوي الاحتياجات الخاصةـ على عكس الفئات الأخرى - دفع بالشبكات إلى توظيف هذه الفئة للاستفادة أكثر من العائدات المالية، مثلما يقول.
وحسب لعزازقة، فإنه "يجب علينا التفريق بين الفئات التي تضطر للسؤال نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة، وهي فئة صغيرة مقارنة بمجموعات منظمة تمتهن التسول وتتوارثه، وفئة ثالثة تمارس التسول ضمن عصابات تشبه شبكات السرقة والدعارة وترويج المخدرات وتزوير العملة، وهي أكثر تنظيمًا وتعقيدًا، وقد سبق للمصالح الأمنية تفكيك العديد منها في الجزائر".
وحسب لعزازقة، فقد وجدت هذه الشبكات في اللاجئين السوريين والمهاجرين الأفارقة والأطفال والنساء فئة هشة لاستغلالهم، وتنفيذ جرائمها من خلال الاستثمار في تعاطف الجزائريين مع هؤلاء الأشخاص مقارنة بالمجتمعات الأخرى.
ولفت أستاذ علم النفس أن "هناك حالات تعاني من هوس مرضي للقيام بالتسوّل، دون أن تكون من الفئات الفقيرة أو المعدمة الدخل، فيصبح التسوّل هنا شبيها باضطراب هوس سرقة الأشياء، أو هوس جمع الأشياء، فهو ليس متعلقًا بالحاجة، إنما نتيجة حالة مرضية قهرية".
عصابات التسوّل
بسبب توسع نشاط عصابات استغلال الأطفال في التسول، وصل الملف إلى قبة البرلمان، فقد تم توجيه سؤال شفوي إلى وزير الداخلية حول هذه الظاهرة.
وأقر وزير الداخلية كمال بلجود بحقيقة وجود شبكات إجرامية تستغل الأطفال في التسول، مشيرًا إلى انه تم تسجيل 77 قضية على المستوى الوطني منذ 2020 إلى يومنا هذا، وإيداع 17 متورطًا في استغلال القصر في التسول الحبس المؤقت، إضافة إلى وضع 54 تحت الرقابة القضائية.
وكشف وزير الداخلية أن الإحصائيات تبين أن معظم المتورّطين في استغلال الأطفال في التسول هم بالدرجة الأولى نساء، وقد يكونون من الأمهات بنسبة تفوق 50 بالمائة.
ولفت إلى أنّ الأمر لا يتعلق بشبكات إجرامية جزائرية تستغل الأطفال فقط، إنما التحقيقات كشفت وجود شبكات من جنسيات أجنبية مختصّة في الاتجار بالبشر، تقوم باستغلال الأطفال والنساء من المهاجرين السرّيين في عملية التسول.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2018، كانت مندوبية الأمن ومكتب المساعدة الاجتماعية لولاية الجزائر قد أعلنت أنها تمكنت في إطار الجهود المتعلقة بمحاربة شبكات الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال للتسول من تحرير 93 طفلًا قاصرًا من مختلف الجنسيات الأفريقية، من بينهم أزيد من 60 طفلًا من جنسية نيجيرية كانوا يستغلون من طرف شبكات الاتجار بالبشر لجمع المال عن طريق التسوّل بمختلف بلديات العاصمة.
وأشار الوزير إلى أنه تم إسداء تعليمات للمصالح المختصّة للتكثيف من عمليات التحسيس في أوساط الأولياء، وتشديد الرقابة على الأماكن التي ترتادها الجماعات الإجرامية التي تمارس هذه الظاهرة.
مراجعة القوانين
ينص القانون رقم 14-01 المتضمن تعدیل قانون العقوبات في مادته 195 أنه "يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر كل من اعتاد ممارسة التسول في أي مكان كان، وذلك رغم وجود وسائل التعيش لديه أو إمكانه الحصول عليها بالعمل أو بأية طريقة مشروعة أخرى".
ويفهم من هذه المادة أن المشرع الجزائري يعاقب المتسوّل المتحيل الذي يدّعي الحاجة، رغم وجود مصدر رزق له يغنيه عن السؤال، سواءً كان باستغلال الأطفال أو دونهم.
أما المادة 195 مكرر من القانون ذاته، فتوضح أنه "يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين، كل من يتسوّل بقاصر لم يكمل 18 سنة أو يعرّضه للتسول، وتضاعف العقوبة عندما يكون الفاعل أحد أصول القاصر أو أي شخص له سلطة عليه".
ويفهم من المادة 195 مكرّر أنه على خلاف الحالة الأولى، فإن التسوّل بالأطفال مرفوض في كل الأحوال، ولا يقرن بقرينة الاعتياد كما في الحالة السابقة.
وأدرج القانون رقم 15- 12 المتعلق بحمایة الطفل في مادته الرابعة " التسوّل بالطفل أو تعريضه للتسول"، من الحالات التي قد تعرض القاصر للخطر في صحته أو أخلاقه أو تربيته أو أمنه.
ورغم وضوح هذه المواد في مكافحة ظاهرة التسول بالأطفال، إلا أنها لم تستطع وضع حد لاستغلال القصر، لذلك أعلن وزير الداخلية أن مصالحه تعكف على إعداد وصياغة المخطط الوطني لحماية الطفولة كآلية أساسية من شأنها أن تضمن وقاية القصر من جميع المخاطر، بما فيها التسول.
مراقبة الأطفال
بالنسبة لأستاذ علم النفس حمزة لعزازقة، فإن ارتفاع هذه الظاهرة لا يتعلّق بالنصوص القانونية لمحاربتها، إنما بالمردودية المالية التي تجنيها عصابات استغلال الأطفال في التسوّل، لذلك أوضح في حديث إلى"الترا جزائر"، إلى ضرورة تضافر جهود الجميع لمعالجة الظاهرة، وبالخصوص تغيير ذهنية المواطن الجزائري نحو مفهوم الصدقة والزكاة والتعاطف مع المحروم و السائل.
وسبق للعديد من أئمة المساجد أن دعوا في دروس وخطب المصلّين إلى ضرورة توجيه الصدقات إلى مستحقيها، ومن يعلمون حالتهم من المحيطين بهم، بهدف عدم الوقوع في شباك عصابات التسول التي تستغل من المساجد مكانًا مفضلًا لها.
ويقترح أستاذ علم النفس، أن أحسن حلّ لمحاربة عصابات استغلال الأطفال في التسوّل هو سن قانون خاص يردع من يقدم الصدقة دون إطار قانوني أو مؤسّساتي، بما أننا لم نستطع إيقاف نشاط هذه الشبكات الإجرامية، مع تحسيس المواطن بأن هناك أطر منظمة ورسمية لتقديم المعونة و التبرعات توجه إلى مستحقيها.
غير أن تنفيذ هذا المقترح قد يتعارض مع طبيعة العمل الخيري في الدين الإسلامي الذي يعتمد على السرية والكتمان في التصدق، كما أن المواطنين في العادة لا يتفاعلون كثيرًا مع المؤسسات الرسمية في مجالات كهذه، ولعل تجربة صندوق الزكاة أحسن مثال على ذلك، فرغم تجربتها التي تعد بالسنوات اليوم لم تستطع استقطاب أموال كثير من المزكين.
محاربة التسول متعلٌّ باالتزام الحكومة بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها
ولا تتعلق عملية مكافحة عصابات استغلال الأطفال في التسوّل بالتصدي لظاهرة دخيلة على المجتمع الجزائري فقط، إنما تتعلّق أيضًا بضرورة التزام الحكومة بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها، والخاصّة بحماية اللاجئين ومحاربة عمالة واستغلال الأطفال.
اقرأ/ي أيضًا:
باعة المناديل والكتيّبات الدينية.. أنماط جديدة للتسوّل