21-أكتوبر-2024

(الصورة: فيسبوك)

قرّرت الحكومة مواصلة استيراد اللحوم السنة القادمة، في محاولة لكبح ارتفاع اللحوم المنتجة محليًا، وبالخصوص الحمراء منها، بهدف تمكين المواطنين من اقتناء هذه المادة التي أصبحت بعيدة عن متناول كثير من الجزائريين.

خبير اقتصادي لـ"الترا جزائر": الجزائر تسجل عجزًا وطنيًا في إنتاج اللحوم الحمراء يصل إلى 20 ألف طن ونجاح الاستيراد مرهون بمتابعة وتنفيذ وتخطيط محكم للوصول إلى خفض الأسعار المرتفعة

ويتساؤل خبراء عن جدوى هذه الخطوة التي تأتي في وقت تبحث الحكومة عن خفض كلفة الاستيراد. وفشل تلبية الطلب على اللحوم محليا، رغم الدعم العمومي الذي يقدم في هذا الإطار.

وأصبح ضبط أسعار اللحوم يشكل صداعًا للحكومة كل عام، وبالخصوص خلال شهر رمضان وعيد الأضحى، بالنظر إلى أن المستويات العالية التي تصل إليها في هذه المناسبات أصبحت تتعدى في كثير من الأحيان هوامش الربح المقبولة لدى المستهلك والتاجر. لذلك وجدت السلطات في الاستيراد الوسيلة المناسبة في ظل عدم قدرة الانتاج المحلي على القيام بهذه المهمة، وهو ما يحتاج إلى دراسة وإعادة نظر بهدف عدم استمرار هذا الوضع لتحقيق الأمن الغذائي المنشود.

استمرار

بداية الأسبوع الجاري، أصدرت وزارتي الفلاحة والتجارة الجزائريتين بيانا مشتركا تضمن تأكيد الحكومة مواصلة استيراد اللحوم في 2025 لمواجهة ارتفاع الأسعار الذي تعرفه هذه المادة، وبالخصوص خلال الشهر الفضيل.

وجاء في البيان المشترك أنه "تطبيقا لتوجيهات رئيس الجمهورية الرامية إلى  حماية القدرة الشرائية للمواطن ، عقد يوم الأحد 13 أكتوبر 2024 ، كل من وزير الفلاحة والتنمية الريفية، ووزير التجارة وترقية الصادرات، لقاء تنسيقيا خصص لتنظيم عملية استيراد اللحوم الحمراء و البيضاء لغرض تموين السوق بصفة منتظمة و تحضير شهر رمضان المقبل".

وعرف اللقاء "تقييم النظام الخاص باستيراد اللحوم الحمراء و البيضاء منذ دخوله حيز التنفيذ في بداية أكتوبر 2023 ، كما تم عرض المقاربة الجديدة المعتمدة من طرف السلطات العمومية فيما يخص استيراد و تموين السوق بمختلف أنواع اللحوم (البقر، و الغنم و الدجاج) بالكميات الكافية و المعقولة".

و أكد البيان نفسه أنه "تم تثبيت هذا النظام لسنة 2025 مع الإبقاء على نفس الامتيازات (حقوق جمركية منخفضة، إلغاء القيمة المضافة...الخ)، بحيث ستتواصل عملية استيراد اللحوم الحمراء  بمختلف انواعها (اللحوم المعبئة بالتفريغ، ذبائح و كذا المواشي الموجهة للذبح و التسمين)".

وحسب صحيفة "الشعب" الحكومية، فإن مشروع قانون المالية لسنة 2025 يتضمن إعفاء استيراد اللحوم الحمراء والبيضاء، وخفض أسعارها حتى تكون في متناول عامة الجزائريين.

وتجيز المادة 180 من مشروع قانون المالية لسنة 2025 تمديد المعدل المخفض للحقوق الجمركية بنسبة 5 بالمئة في استيراد البقر والأغنام الحية، إلى غاية 31 ديسمبر 2025، حتى تستمر جهود السلطات العمومية في خفض أسعار هذه المادة الضرورية على مائدة الجزائريين.

وأضافت الصحيفة ذاتها أن الإنتاج الوطني للجزائر من اللحوم الحمراء يبلغ 40 ألف طن سنويا، 12 ألف منها لحم بقر، فيما تتجاوز الاحتياجات الوطنية من اللحوم الحمراء رقم 60 ألف طن، ما يعني عجزا بعشرين ألف طن.

وتقر المادة 181 ممن مشروع القانون نفسه  إعفاء ضريبيا بـ5 بالمئة  لاستيراد اللحوم البيضاء في 2025 بهدف أن تباع بين 360 و380 دينار للكيلوغرام في الجزائر، حيث ستسعى الحكومة إلى إعداد تراخيص لاستيراد اللحوم البيضاء المجمدة في رمضان المقبل ، بكمية تصل إلى 12365 طن.

وقال أستاذ الاقتصاد الجزائري والتنمية المستدامة بجامعة الجلفة، إسماعيل زحوط، لـ"الترا جزائر" إن "عملية الاستيراد يفرضها واقع سوق اللحوم ولابد لها من متابعة وتنفيذ وتخطيط مُحكم حتى تصل إلى الهدف الأساسي من القيام بها، وهو خفض الأسعار المرتفعة إلى السعر العادل".

تصدي

يعتقد المتابعون لسوق اللحوم في الجزائر أن ارتفاع الأسعار لا يتعلق فقط بعدم كفاية الإنتاج الوطني، إنما بسبب المضاربة في هذه المادة وعدم التحكم في مراقبة السلسلة التجارية قبل وصول اللحوم للمستهلك النهائي، وبالخصوص في رمضان ومختلف المناسبات الدينية.

وأوضح الأستاذ إسماعيل زحوط أن "الأسعار تخضع بالارتفاع والنزول لتوازنات الطلب والعرض في مختلف الأسواق،  لكن الأمر يختلف عندما تطرأ بعض المتغيرات الأخرى والتي ليس بالضرورة أن تكون اقتصادية بل مرتبطة بالتوجهات والسياسات القطاعية او حتى الضغوط الاجتماعية. وفي حالتنا هذه نجد أن سوق اللحوم يتأثر بعدة متغيرات ولعل من أبرزها هو متغير الاحتكار ومتغير الحفاظ على نفس الأسعار ضمن الرقعة الجغرافية الشاسعة للجزائر عبر التحكم في سلاسل الإمداد والتوريد والتموين خاصة نحو الجنوب الكبير والهضاب العليا".

ويرى زحوط أن "سياسات الاستيراد لمحاربة الاحتكار وكسر الأسعار تعد من سياسات التجارة الناجحة على ألا تتم في عمليتها العكسية مثلما حدث سنة 2012، حينما أغرق محتكرو مادة البصل بأسعار أقل من تلك المستوردة بها من اسبانيا حتى وصل الكيلوغرام الواحد إلى 4 دنانير. وهو ما كبّد الخزينة العمومية خسائر مادية،  وكذلك الأمر مع الشائعات التي تم إطلاقها مع عملية استيراد اللحوم من الخارج كونها -حسب مروجيها ونرجح أنهم من أصحاب المصالح المحتكرين- تذبح بطريقة غير شرعية وأن كلأها غير صحي ولا تخضع لرقابة شرعية. وصحية مثلما اتهم به الدجاج المستورد من البرازيل ولحوم غنم رومانيا ولحوم بقر إسبانيا".

ويشدد أستاذ الاقتصاد الجزائري والتنمية المستدامة بجامعة الجلفة على ضرورة  أن تخضع عملية استيراد اللحوم إلى "متابعة وتنفيذ وتخطيط محكم حتى تصل إلى الهدف الأساسي وهو خفض الأسعار المرتفعة إلى السعر العادل".

حلول داخلية؟

بقرار الحكومة الاستمرار في استيراد اللحوم في 2025، يدخل هذا القرار عامه الثاني منذ اعتماده في تشرين الأول أكتوبر 2023، الأمر الذي يتطلب البحث عن إيجاد حلول محلية لتحقيق الأمن الغذائي الذي يضعه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ضمن سياسته الاقتصادية والاجتماعية".

وبيّن الأستاذ زحوط أن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب معالجة ملف مختلف السلع المستوردة والتقليص منها، بالنظر إلى أنه ليس فقط قطاع اللحوم من يعاني من اضطرابات ترتبط حلوله بالاستيراد، بل الأمر يمس البقوليات والقمح أيضا، مبينا أن هذا لا يمنع من  التذكير بـ"الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة لاحتواء هذا العجز ومن ثم تحقيق الأمن الغذائي وعدم المساس بالقدرة الشرائية للمواطن"

ويرجع عدم استطاعة الإنتاج الوطني من اللحوم على تلبية الطلب المحلي واللجوء إلى الاستيراد إلى وجود عجز بـ20 ألف طن، وهو "ما يستدعي تغطيته عبر الاستيراد كحل آني ومؤقت،  ولهذا لابد من وضع مخطط استراتيجي لتثمين تربية الأبقار والمواشي،  ووضع صناعة قائمة بذاتها للأعلاف والمواد الاستهلاكية الموجهة للحيوانات بالإضافة إلى تطوير السلالات المحلية والرقي بمؤسسات ومعاهد البحث المتخصصة في القطاع الفلاحي لاسيما قطاع إنتاج اللحوم الحمراء والبيضاء".

وقدّر الإحصاء الذي أجرته وزارة الفلاحة العام الماضي عدد المواشي بالجزائر بـ17 مليون رأس بدل رقم  30 مليون رأس الذي كان يتم تداوله في العقدين الماضيين من قبل الجهات الرسمية.

وأشار أستاذ الاقتصاد الجزائري والتنمية المستدامة أن تلبية الطلب المحلي على اللحوم مرتبط يرفع القطيع الوطني للمواشي والأبقار،  والذي من الضروري أن يرافقه "رفع للإمكانات كتوفير المراعي والأعلاف، وتحسين السلالات وتطوير سلاسل النقل والإمداد، و توفير نقاط الرقابة على الأمراض الحيوانية المهددة للمواشي والدواجن، وذلك ضمن رؤية قطاعية واضحة تضع أهداف محكمة وفق مصفوفة زمنية".