بقي الشاطئ الجزائري الممتدّ على طول 1500 كلم، خاضعًا لرغبة المصطافين في المتعة والاستجمام، من فجر الاستقلال الوطني عام 1962، إلى نهاية تسعينات القرن العشرين. حيث كان اكتساح "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، قبل أن تحلّ قانونيًا، للمجالين الاجتماعي والسياسي، مقدّمة لفرض قيود على الحريات الشخصية في الشواطئ الجزائرية. من ذلك تخصيص شواطئ أسمتها "الشواطئ الإسلامية"، لم تضيّق فيها على أزياء النساء فقط، بل على أزياء الرجال أيضًا.
انتشرت دعوة للجزائريين على مواقع التواصل للنزول يوم 7 أغسطس القادم إلى أحد شواطئ مدينة بجاية والسباحة دون ملابس تمامًا
ورغم استمرار هذه التضييقات، بسبب هيمنة الجماعات المسلحة، التي أدّى نشاطها إلى تراجع نسبة الإقبال على الشواطئ والمنتجعات السياحية، على مدار عشرية من الزمن، إلا أن قطاعًا واسعًا من الجزائريين بقي محافظًا على "ريتم" الحياة العادي، "كنوع من المقاومة لمختلف أشكال الموت والقمع ومصادرة الرغبات والحريات الشخصية"، يقول المسرحي عدلان بخوش لـ"الترا صوت".
اقرأ/ي أيضًا: "الرأس كيني".. موضة جديدة للسباحة في الجزائر؟
غير أن سوء التعاطي مع مرحلة ما بعد العنف والإرهاب، يواصل بخّوش، بحيث أهملت المنظومات المختلفة دورها في تكريس الفكر المدني والإيمان بالاختلاف والحريات، أدّى إلى تراجع قيم التسامح والانفتاح، لدى مختلف الأجيال. وأصبحت كل دعوة إلى ذلك تقرأ على أنها انسلاخ عن قيم المجتمع وهويته وأخلاقه. ويلخص فكرته: "في السابق كنا نفرّق بين متفتّح ومتطرّف من خلال المظهر. أمّا اليوم فيمكنك أن تجد شابّا بلباس عصري لكنه يحمل فكرًا إقصائيًا باسم الدين".
من جهته، قال الجامعي عبد القادر العربي لـ"الترا صوت" إن التطرّف الذي يقتات على مصادرة الحريات ولّد تطرّفًا مضادًّا في الواقع الجزائري اليوم، "الجزائر بلد كبير جغرافيًا وسكانيًا ومتعدد ثقافيًا وله بعد متوسّطي يجعله على صلة بالأشكال الجديدة للحياة، ومن المغامرة محاولة قمع هذه الأشكال وحمل الجيل الجديد على أن يتركها باسم الحفاظ على الأخلاق". يضيف: "إذا كان هناك خلق علينا تعزيزه في حياتنا فهو احترام الآخر".
في ظل هذه التجاذبات، التي قامت على خبر لم يؤكده أو ينفه طرف رسمي، يقول إنّ طرفًا حكوميًا يسعى إلى الاستجابة لإملاءات المحافظين بإقرار قانون يحدّد طبيعة الملابس التي تنزل بها الجزائريات إلى الشواطئ توفيرًا للاحتشام، بادرت جمعية تسمّى "تضامن"، يوم الثلاثاء الماضي، إلى دعوة الجزائريين إلى القدوم، يوم 07 آب/ أغسطس القادم، إلى أحد شواطئ مدينة بجاية، 250 كلم إلى الشرق من الجزائر العاصمة، والتخلّي عن اللباس تمامًا أثناء السباحة.
يرى عديد الجزائريين أن التطرّف الذي يقتات على مصادرة الحريات ولّد تطرّفًا مضادًّا في الواقع الجزائري اليوم
النشطاء الذين تبنّوا هذه الدعوة، اعتمدوا شعارًا بات رائجًا في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مكتوبًا على نصف ورقة ممزّقة وممهورًا بقبلة مرسومة بأحمر الشفاه. يقول هذا الشعار باللغة الفرنسية: "يوم 07 أوت/ أغسطس سأسبح عارية". وهو ما أثار موجة من ردود الأفعال، بين قابل ورافض ومتحفظ. في حالة قال عنها الناشط فتحي كافي إنها ليست جديدة على الصيف الجزائري، مضيفًا "لقد تعوّد الجزائري على أن يجد نفسه كلّ صيف مورّطًا في نقاش يُلهيه عن الرهانات الكبرى التي تعني مستقبله".
اقرأ/ي أيضًا: الأودية والبحيرات.. بحر بديل في الجزائر؟
في السّياق، تساءل المدوّن عبد الله منقور: "ماذا لو قرّر الشباب في بجاية أن يسبحوا عراة؟ هل ستقوم القيامة مثلما حدث مع الدعوة لأن تفعل النساء ذلك؟". يواصل: "على الجهات الرافضة لهذه الخطوة أن تنتبه إلى أنها ثمرة طبيعية لسياسة الخنق التي فرضتها على المواطنين، بحجة حماية أخلاقهم، وكأنها وصية على ذلك بتفويض منهم، وعليها أن تراجع حساباتها حتى لا نقع في العنف من جديد. إذ ما معنى أن تظهر دعوات إلى حرق وقتل من يستجيب لنداء يوم 07 آب/ أغسطس؟ هل نحن في غابة؟".
وفي الوقت الذي يتساءل فيه الباحث في التراث الإسلامي سعيد جاب الخير: "هل ستتحوّل الجزائر إلى جنّة إذا امتنعت النساء عن الذهاب إلى البحر أصلًا؟"، يقول الجامعي حمزة عبد المؤمن لـ"الترا صوت" إن الخطوة تمثل هلوسة شابات وتهدف إلى تشويه سمعة المرأة الجزائرية، "إن الحدث سيفرض نفسه في إعلام العالم بحكم كونه غريبًا، وهو ما يعطي انطباعًا بأنه يسري على الجميع في بلادنا، وهو سلوك علينا أن ندينه".
ولا تزال المواقف في تصاعد خاصة مع ما قيل إنه لباس جديد قد ظهر على الشواطئ الجزائرية، يدعى الرأس كيني وهو يغطي الرأس بأكمله ويمتد إلى الوجه والرقبة ولا يظهر منها سوى العينان والأنف والفم، في جدل صيفي مألوف لم يخلص إلى تقارب جزائريًا منذ عشرات السنوات.
اقرأ/ي أيضًا: