11-ديسمبر-2022
القمة الرقمية الأفريقية (Getty)

القمة الرقمية الأفريقية (Getty)

في ظلّ التطورات والتغيرات الكبيرة والمتسارعة التي يعرفها العالم، خاصّة خلال الفترة الأخيرة، وحدوث حركية على مستوى كثير من الدول وسياساتها الاقتصادية في مختلف المناطق في العالم، وتداعيات الأزمة الصحية العالمية كوفيد 19، والحرب الروسية الأوكرانية، تبين أن تكوين تكتلات إقليمية أضحى من الظواهر الاقتصادية البارزة التي ستشكل خارطة طريق للنظام العالمي الجديد، وهو ما دعت إليه الجزائر منذ حزيران/ جوان 2022.

يوضح مختصّون أن الجزائر تتوفر على معظم الشروط المطلوبة للانضمام إلى مجموعة بريكس

الجزائر والنظام العالمي الجديد

وقال رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون في كلمة له، عبر تقنية التحاضر المرئي عن بعد، في جلسة الحوار رفيعة المستوى للتنمية العالمية نهاية حزيران/ جوان الفارط: "إن التوتر والتأزم الذي تشهده العلاقات الدولية اليوم يستوقفنا جميعا ليس فقط بالنظر لحجم الحوكمة العالمية، بل تحديات الأوضاع الراهنة التي تواجه الجهود الرامية لإحلال السلم وإنهاء النزاعات والدفع بالتنمية المستدامة، وإنما أيضًا لما تولد عنها من مخاطر استقطاب وما يعكسه من بوادر إعادة تشكيل موازين القوى على الساحة الدولية ورسم معالم النظام الدولي الجديد".

في السياق نفسه، شدد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون قائلًا: "لا شك أن ما عايشناه من تجارب سابقة يثبت أن انعدام التوازن على الساحة الدولية واستمرار تهميش الدول النامية ضمن مختلف مؤسسات الحوكمة العالمية يشكل مصدرًا مؤكدًا لعدم الاستقرار وغياب التكافؤ والتنمية".

تجدر الإشارة، إلى أن الجزائر تقدمت منذ ما يقرب من 50 سنة بطرح حول ضرورة السعي نحو إقامة نظام اقتصادي جديد يضمن التكافؤ والمساواة بين مختلف الدول، وأبدت الجزائر منذ مداخلة الرئيس، في حوار التنمية العالمية، ميولها لمزيد من التكامل والتعاون الاقتصادي في إطار ثنائي أو إقليمي.

عودة الجزائر للواجهة الاقتصادية

يجمع مختصون في حديثهم لـ"الترا جزائر"، على أن التحول الكبير والمتسارع الذي يعرفه الاقتصاد العالمي خلال الفترة الأخيرة، فرض على الجزائر، التحرك والتوجه نحو خلق فضاءات تعاون في إطار ثنائي وإقليمي، من أجل فرض نفسها خاصة بعد الانتهاء من تسوية الهيكلة المؤسساتية للبلاد، وأخيرًا صدور قانون الاستثمار الذي ساهم في انقشاع الضباب حول مناخ الأعمال في الجزائر.

هنا، يؤكد أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية، البروفيسور فريد بن يحيى في تصريحه لـ"الترا جزائر"، على أن عودة الجزائر إلى الواجهة العالمية حتم عليها انتهاز الفرصة، من أجل فرض نفسها دوليًا عبر تكتلات اقتصادية قوية ومختلفة.

ويضيف البروفيسور، فريد بن يحيى، قائلًا "إن حرص الجزائر على دعم مقترح إعادة تشكيل موازين القوى على الساحة الدولية ورسم معالم النظام الدولي الجديد جاء من خلال تجارب سابقة على إثبات انعدام التوازن على الساحة الدولية واستمرار تهميش الدول النامية ضمن مختلف مؤسّسات الحوكمة العالمية".

التفتح الاقتصادي للجزائر إقليميًا

من جهته، أستاذ الاقتصاد في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر، سليمان ناصر، في بحث علمي مهم حول التكتلات الإقليمية الاقتصادية، يقول فيه "إن التجارة الخارجية الجزائرية في الثلاثين سنة الماضية، شهدت مستجدات كبيرة غيرت مجرى تركيبة توازن صادراتها ووارداتها، خاصة في ظلّ عالم عرف قوة النمو السريع للصين ودول شرق آسيا، وتوسع الاقتصاد الأوروبي، ضمن تكتلات إقليمية رائدة، وتتزايد فيه الشراكات التجارية، ويدفع إلى التجارة متعددة الأطراف انطلاقًا من تحريرها إقليميًا، تماشيًا وتطور المنظمة العالمية للتجارة وطلبات الانضمام إليها".

ولأجل أن يساير الاقتصاد الوطني متغيرات التبادلات الدولية في عالم سريع التطور، يضيفالباحث الاقتصادي، أنه لابد من وضع خطط انفتاحيه ليتأقلم نظام الواردات والصادرات إيجابًا مع البلدان المسايرة لهذا الانفتاح، مع بناء منظومة اقتصادية للتبادلات التجارية تبعًا لإمكانياتها الصناعية وتكييف المؤسّسات المحلية التي يمكن أن تقاوم المنافسة الأجنبية، ولذلك يؤكّد الأستاذ ناصر سليمان في بحثه العلمي، أنه على الجزائر، التحكم في سوقها الداخلي والتكيف مع الخارجي طبقًا لسياسة جزائرية رشيدة في اتخاذ مواقع حمائية اتجاه البلدان المنظمة في أقوى التكتلات الإقليمية".

البريكس أولوية للجزائر

ومنذ أن تحدث الرئيس عبد المجيد تبون، في لقائه مع الإعلام نهاية تموز/ جويلية الماضي، عن مشروع انضمام الجزائر إلى منظمة "بريكس"، وهي منظمة ذات بعد اقتصادي في المقام الأوّل، تتكون من خمسة دول قوية وهي البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب افريقيا، أخذ الموقف جدلًا كبيرًا خاصة وأن الجزائر أضحت تلعب دورًا استراتيجيًا في مجال الطاقة خلال الفترة الأخيرة.

وأعلنت الجزائر على لسان مسؤولة ملفات الشراكات الكبرى بوزارة الخارجية، على طلب رسمي للانضمام لمجموعة البريكس، خلال الآونة الأخيرة، وهو ما رحبت به كل من الصين وروسيا، في انتظار رد رسمي من المنظمة والتي ترأسها حاليًا خلال هذه العهدة جنوب أفريقيا.

وفي هذا الشأن، يوضح مختصّون أن الجزائر تتوفر على معظم الشروط المطلوبة للانضمام إلى مجموعة بريكس، حيث يشير خبير العلاقات الاقتصادية الدولية إلى ضرورة عمل المسؤولين على فرض القيمة المضافة للجزائر في هذه المجموعة، خاصّة أنها أصبحت بوابة رئيسية للقارة الأفريقية.

"البريكس" والجزائر بالأرقام

وتعتبر مجموعة البريكس قوة عالمية لا يستهان بها وفق المعطيات الاقتصادية، إذ أن معدل نمو المبادلات التجارية بين مجموع دولها بلغ من 2014 إلى 2017 نسبة 17 بالمائة، في حين شكل متوسط النمو مقارنة بالمعدل العالمي 23 بالمائة، بارتفاع قارب نصف معدل الارتفاع العالمي خلال 10 سنوات، مع ناتج داخلي خام يساوي 25 % من الناتج العالمي.

وتصدر البريكس 24 بالمائة من صادرات العالم و40 بالمائة من الطاقة، في وقت يقارب فيه عدد سكانها 40 بالمائة (3 مليارات نسمة) من مجموع سكان العالم، يعيشون فوق ثلث اليابسة، كما أنها أنشأت "البنك الجديد للتنمية" لتحقيق توازن في السياسة النقدية والمالية العالمية.

تلك المعطيات جعلت من البريكس قوة اقتصادية وجيو إستراتيجية وديمغرافية واعدة بوتيرة نموّ متصاعدة، يمثل الانتماء إليها حلم دول كثيرة، وفي هذا السياق، الجزائر رقم مهم للمجموعة في نظر كثير من المتتبعين، بصفتها ثاني دولة لإنتاج النفط في أفريقيا بقدرة تصدير تصل 1.2 مليار برميل سنويًا.

حلم بناء تكتل اقتصادي عربي

يستند التكتل الاقتصادي على مجموعة من المقومات الاقتصادية والسياسية والثقافية، التي تعززه وتضمن استمراره، ومن الناحية السياسية فإن ضعف مستوى التقارب بين توجّهات الأنظمة السياسية كان هو العائق الأهم في وجه معظم تجارب التكتل في الدول النامية وبخاصة في العالم العربي.

ويبقى أهم تكتل "حلم" يراود الجزائر هو تكتل الاقتصادي للوطن العربي، حيث ورغم تأسيس المجلس العربي الاقتصادي والاجتماعي منذ خمسينيات القرن الماضي إلا أنه بقي يراوح مكانه دون قرارات موحدة لخلق مجموعة اقتصادية قوية تنافس على كل المجالات.

وهو ما أكدت عليه الجزائر بمناسبة القمة الـ31 لجامعة الدول العربية، والتي انتهز فيها الفرصة، ودعا إلى بناء تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ المصالح المشتركة للدول العربية.

الرئيس تبون: يتعين علينا جميعا بناء تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ مصالحنا المشتركة

وجاء في كلمة الرئيس مخاطبًا قادة الدول ورؤساء الوفود: "يتعين علينا جميعا بناء تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ مصالحنا المشتركة مع تحديد الأولويات والتركيز على مجالات العمل المشترك، ذات الأثر الإيجابي السريع والملموس على الشعوب العربية".