04-أبريل-2020

أعداد المهاجرين السريين تراجعت بعد انتشاء وباء كورونا في أوروبا (الصورة: في بلادي)

يبدو أن الارتفاع المتواصل والسريع لعدد الإصابات بفيروس كورونا في أوروبا وفي الجزائر، لم يؤثّر فقط على القطاعات الاقتصادية وحركة تنقّل الأشخاص النظامية، وإنّما أيضًا على رحلات الهجرة السرّية؛ فخلال الأسابيع الماضية، تراجعت سفريات الجزائريين عبر قوارب الموت نحو الضفّة الشمالية للبحر الأبيض المتوسّط بشكلٍ لافت.

يبدو أن سبب هذا الإعراض عن السفر سرًا إلى أوروبا، يعود إلى الهلع الذي مس الجزائريين كغيرهم من سكان العالم

غالبًا ما ترتبط الهجرة السرّية للجزائريين، مع الأحداث التي تعرفها البلاد أو دول المقصد، فعلى سبيل المثال تراجعت نسبة "الحراڨة" في الأسابيع الأولى للحراك الشعبي، والأمر يبدو كذلك بالنسبة لما تعيشه الجزائر والعالم من خطر سببه فيروس كورونا.

اقرأ/ي أيضًا: رغم وعود الرئيس.. "الحراقة" يواصلون شقّ البحر نحو أوروبا

تراجع أعداد المهاجرين

خلت معظم بيانات وزارة الدفاع الصادرة بشكلٍ شبه يومي خلال شهر آذار/مارس الماضي، من أيّة معلومة تتضمّن إحباط حرس الحدود لهجرات سرّية لجزائريين نحو أوروبا.

ولم تتضمّن هذه البيانات منذ بداية شهر آذار/مارس الحالي، سوى مرة واحدة  معلومات تخصّ التصدّي لمحاولات هجرة سرّية، كانت بتاريخ 12 آذار/مارس الحالي، لما أحبط عناصر حرس السواحل بوهران محاولة هجرة 16 شخصًا نحو أوروبا.

 وتخالف هذه الحالة، ما كانت تعرفه مختلف الشواطئ الجزائرية قبل ارتفاع حالة الخطر من كورونا في الجزائر، ودول المقصد في أوروبا مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، ففي 29 شبّاط/فيفري الماضي، تم توقيف 13 شخصًا حاولوا التنقل إلى الجانب الآخر من المتوسّط على متن قارب تقليدي الصنع بوهران.

وفي 27 شباط/فيفري الماضي، أحبط حرس السواحل بسكيكدة محاولة هجرة سرية لـ 8 أشخاص كانوا على متن قارب تقليدي الصنع، وهي الولاية نفسها التي عرفت في 25 من الشهر ذاته، إحباط حرس السواحل لمحاولتي هجرة غير سريّة لأشخاص كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع بمدينة القلّ شرقي البلاد.

كما لم تورد على غير العادة وسائل الإعلام الأوربية خاصّة الإيطالية والإسبانية، أخبارًا عن توقيف مهاجرين جزائريين بالسواحل الجنوبية للمتوسط.

حالة طوارئ

يبدو أن سبب هذا الإعراض عن السفر سرًا إلى أوروبا، يعود إلى الهلع والخوف الذي مس الجزائريين كغيرهم من سكان العالم، خاصّة مع ارتفاع نسب الإصابات والوفيات في إسبانيا وإيطاليا.

ظهر ذلك جليًا على متن رحلة لقطار وهران العاصمة، كان على متنه نحو 20 جزائريًا أعيد ترحيلهم جوًا من إسبانيا وإيطاليا نحو وهران غرب الجزائر، والذين استقلوا هذه الرحلة البرّية لدى عودتهم إلى العاصمة والبليدة التي ينحدرون منها، لكن رحلة القطار شهدت حالة من الهلع وسط الركاب بعد أن اكتشفوا وجود "حراڨة" عائدين من أوروبا التي تفشّى فيها وباء كورونا بشكلٍ كبير.

وتطلب تهدئة حالة الهلع في القطار، تدخّل مصالح الأمن واحتجاز المهاجرين السرّيين بمحطة القطارات في البليدة، ثمّ تحويلهم على الحجر الصحّي والفحص الطبي للكشف عن حالتهم الصحيّة، وعدم حملهم لأعراض وباء كورونا.

ما زاد أيضًا في  العزوف عن "الحرڨة" إلى أوروبا هذه الأيام الفيديوهات التي ينشرها جزائريون مقيمون في القارة العجوز، تشير إلى حجم انتشار الوباء هناك، خاصّة في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، وكذا هروب آخرين من هناك والعودة إلى أرض الوطن في هذه الفترة خوفًا من وصول العدوى إليه.

إجراءات مشدّدة

ولا يعود التراجع اللافت لهجرة الجزائريين سرًا نحو أوروبا في شهر آذار/مارس الماضي، فقط للخوف من الإصابة بفيروس كورونا، إنما أيضًا بسبب إجراءات المراقبة المشدّدة التي اتخذتها الدول الأوربية على مستوى النقاط الحدودية لتطويق فيروس كورونا المستجد، ومنع أي شخص من دخول بلد معين حتى وإن كان من دول الاتحاد الأوروبي، بعد قرار غلق الحدود الذي اتخذته عدة عواصم.

وبعد اكتساح جائحة وباء كورونا لإيطاليا، قررت الأخيرة غلق الحدود وإعلان الحجر الصحي في عدة مدن، وهو وضع لا يشجع المهاجرين السريين على المغامرة في رحلة نحو الشمال، بالنظر إلى إنهم يفضلون الازدحام الذي قد يسمح لهم بالتسلسل إلى داخل البلد الذي يقصدونه، وعدم الوقوع في حواجز عناصر حرس السواحل والشرطة.

قد يكون لقرار غلق الحدود الفرنسية الإيطالية هو الآخر يد في تراجع عدد المهاجرين السرّيين، بالنظر إلى أن فرنسا تبقى الوجهة الأولى المفضّلة للجزائريين بسبب فرص الاندماج السريع، ووجود عائلات يمكنها احتضان المهاجرين الجدد، بسبب الأعداد الكبيرة لأفراد الجالية هناك، الأمر الذي جعل البعض يؤجّلون رحلتهم بعد غلق الحدود بين البلدين.

كما أن إيقاف الرحلات البحرية من الجزائر نحو أوروبا، واتخذا الجارتين تونس والمغرب لهذا القرار أيضًا بسبب فيروس كورونا، قلّص هو الآخر فرص المهاجرين السرّيين في التسلسل خلسة عبر رحلات البواخر.

قوارب الموت تنتظر استئناف مغامراتها نحو إيطاليا وإسبانيا على أحرّ من الجمر بعد التغلّب على فيروس كورونا

وإذا كان فيروس كورونا قد تسبّب في تجميد رحلات الباحثين عن مستقبل جديد، في الضفّة الشمالية للبحر الأبيض المتوسّط، فإن الأكيد أن هذا التجميد لن يكون قرارًا نهائيًا، لأنّ الأسباب التي تقف وراء لجوء الجزائريين نحو الهجرة لازالت قائمة، ما يعني أن قوارب الموت تنتظر استئناف مغامراتها نحو إيطاليا وإسبانيا على أحرّ من الجمر، والتي ستكون فور إعلان البلدين تغلّبهما على هذا الوباء العالمي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترجمة | الهجرة السرّية إلى الجزائر.. أكبر مما تستقبله أوروبًا يوميًا

التعرّف على هويّة جثث 3 "حراﭬـة" جزائريين في بنزرت بتونس

 

 

 

.