19-سبتمبر-2024
في مدرسة بالعاصمة الجزائرية (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

(الصورة: Getty)

أصبح  تمكّن التلاميذ الجزائريين من إجادة اللغات بما فيها العربية موضوعًا يُطرح في كل موسم دراسي من قبل الأساتذة والمختصين بهدف النظر في أسبابه، والتي يرجعها البعض إلى تكوينه الأساسي في المرحلة الابتدائية بتلقينه بين ثلاث وأربع لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية والأمازيغية، التي تظل اختيارية حتى اليوم.

مختصة في علم النفس لـ"الترا جزائر": تعليم التلاميذ أكثر من لغة في فترة مُبكّرة أمرٌ محمود، لكن تظلُّ طريقة تلقين هذه اللغات هي الجانب الذي تختلف بشأنه الآراء والذي قد يحتاج إلى إعادة نظر

ويدور جدل حول تلقين هذه اللغات لتلاميذ الطور الابتدائي بين من يرى في ذلك أفضلية في التعليم كونها تتزامن مع فترة الاكتساب المميزة للتلاميذ، فيما يعتقد آخرون أنها تزيد من كثافة البرنامج الدراسي للتلميذ وتصبح عبءًا تعليميا على عاتقه.

ورغم أن وزارة التربية أدخلت إصلاحات على التعليم الابتدائي خلال الموسم الدراسي الجديد، إلّا أنها أبقت على تدريس أربع لغات للتلميذ في هذا الطور، مما يعني أنها ما تزال مقتنعة بهذا الرأي، بالرغم من حديث بعض الأساتذة عن تراجع حتى في مستوى إجادة اللغة العربية بسبب الإجهاد التعليمي اللغوي للأطفال في هذه المرحلة من العمر.

امتياز

في السنة الدراسية 2022/2004، باشرت الجزائر تدريس الإنجليزية في الطور الابتدائي لتكون اللغة الأجنبية الثانية التي تلقن للتلاميذ بعد الفرنسية، ليُصبح بذلك الطفل الجزائري يتعلم ثلاث لغات في مدرسته باحتساب العربية الممتدة منذ بداية السنة الدراسية. ويرتفع العدد إلى أربع لغات بالنسبة للتلاميذ الذين يدرسون أيضًا الأمازيغية التي يظل تعلمها حتى اليوم اختياريًا على عكس باقي اللغات الثلاث.

ولقي قرار تعليم الإنجليزية ترحيبًا من كافة الجزائريين يستمر حتى اليوم، كونها لغة العلم والعصر، ودراستها منذ الصغر يُسهِّل إجادتها.

وبالنسبة لأستاذ اللغة العربية بالطور الابتدائي، محمد كرميش، فإنّ "تضمّن البرنامج الدراسي للطور الابتدائي تلقين أربع لغات للتلميذ الجزائري هو امتياز تعليمي، قد لا يتوفر في بلد آخر."

غير أن كرميش أوضح في حديثه مع "الترا جزائر" أن "تعليم أربع لغات لتلميذ الابتدائي يكون إيجابيًا وميزة إضافية لمّا يحرص مُعِدو البرامج التربوية على توازن الحجم الساعي، مع تدرج مناسب في تعليم هذه اللغات، حيث يجب أن تظل  الأولوية للغة الأم."

وأشارت أستاذة علم النفس التربوي بجامعة قالمة، فاطمة الزهراء بورصاص، في حيدثها مع "الترا جزائر" إلى توصل دراسة ميدانية أجريت في مرحلة الماستر بجامعة قالمة حول تدريس الإنجليزية والفرنسية في الابتدائي إلى ردود إيجابية من قبل الأساتذة والأولياء المستجوبين.

وأرجع المستجوبون استحسانهم لتدريس لغتين أجنبيتين في الابتدائي إلى كون الإنجليزية لغة العصر والعلم، فيما تبقى الفرنسية  تحتفظ بعوامل تاريخية تجعل جزائريين يرغبون بدراستها، حسب الدكتورة بورصوص.

إرهاق

رغم إقرار الأستاذ محمد كرميش بأن دراسة أربع لغات في الابتدائي هي "ميزة تعليمية للتلميذ الجزائري"، إلّا أنه ينبّه في الوقت ذاته أنها "تشكل في الوقت ذاته إرهاقًا بالنسبة لبعض التلاميذ".

ويكمل: "أصبح بعض التلاميذ لا يتقن أي لغة، ولا يجيد حتى اللغة العربية الأم، إلا أن ذلك يبقى أمرًا نسبيًا مع وجود اختلاف في إجادة كل لغة".

وبدورها أشارت أستاذة علم النفس التربوي بورصاص إلى أن "هذه الظاهرة موجودة حتى المستوى الجامعي، حيث لاحظت وجود طلبة لا يحسنون أي لغة، بل حتى إجادتهم للغة العربية محدودة ويرتكبون أخطاء بدائية."

ويعتقد الأستاذ كرميش أن "سبب هذه الظاهرة هو عدم وجود  توزيع متوازن لتدريس اللغات، وبالخصوص بالنسبة للغة العربية التي يرى أنه من الواجب زيادة حجمها الساعي، من خلال رفع حصص القراءة والتعبيرين الكتابي والشفهي."

إعادة نظر

تُشير الدكتورة بورصاص إلى أن "الدراسة التي أجريت على مستوى جامعة قالمة رصدت أيضًا أن أغلب الأساتذة والأولياء المستجوبين أبدوا تخوفهم من تدريس الفرنسية والإنجليزية في المستوى نفسه في الابتدائي بسبب الإرهاق الذي قد يتعرض له التلاميذ".

ودعوا، في الدراسة، إلى "تخفيف البرنامج الدراسي، بالإبقاء على تدريس اللغات الأجنبية، مع حذف بعض المواد وإدماجها ضمن مواد كالتربية المدنية التي يمكن إن تدمج ضمن دروس القراءة بطريقة منهجية تسمح للتلاميذ بالاستيعاب الجيد."

وبيّنت بورصاص أن "تعليم التلاميذ أكثر من لغة في فترة مبكرة أمر محمود، لكن تظل طريقة تلقين هذه اللغات هي الجانب الذي تختلف بشأنه الآراء والذي قد يحتاج إلى إعادة نظر."

أستاذ اللغة العربية بالابتدائي محمد كرميش: تعليم أربع لغات لتلميذ الابتدائي يكون إيجابيًا وميزة إضافية لمّا يحرص مُعِدو البرامج التربوية على توازن الحجم الساعي

وهنا لفتت محدّثتنا إلى أنّ "تعلم اللغة لا يقتصر فقط على الدروس التي تلقن في القسم، إنما للمحيط  دور في تنمية مستوى إجادة التلميذ للغات وبالخصوص الأجنبية منها."

وتقترح بورصاص "عدم تدريس الفرنسية والإنجليزية في المستوى نفسه، بتأجيل إحداهما إلى سنة أعلى لتقليل الضغط على التلاميذ."

ويؤيد أستاذ التعليم الابتدائي محمد كرميش هذا الرأي، حيث يدعو إلى "تأجيل تدريس الفرنسية وعدم إدراجها ضمن برنامج السنة الثالثة ابتدائي". ملحا في الوقت ذاته على تدريس الإنجليزية قبلها، كونها لغة العلم والبحث، إضافة إلى أن الجيل الجديد من الجزائريين يميلون إليها جراء الاستعمال الرقمي لها منذ الصغر، على عكس ما كان عند جيل الستينات وما بعده الذي كانت لديه أرضية لتعلم الفرنسية أولا بسبب الرواسب اللغوية التي بقت من فترة الاستعمار، وفق تعبيره.

ومن المؤكد أن تعليم أكثر من لغة للتلميذ أمرٌ لا مفرَّ منه في الوقت الحالي الذي أصبح يتطلب ضرورة إجادة الإنسان لأكثر من لسانٍ للاندماج في الحياة العملية وحتى المجتمعية أحيانا. إلّا أن تحقيق هذا الهدف وتمكين الطفل من حقه في التعليم المتميز يتطلب في الوقت ذاته اختيار الطريقة السليمة، لأنّ تلقين أربع لغات في مرحلة عمريّة مُبكّرة ليس بالأمر الهين لطفل ما يزال في مرحلة الاكتشاف والاكتساب حتى وإن تعدى عمره سبع أو ثماني سنوات.