06-أكتوبر-2023

(الصورة: المسار العربي)

وجد أولياء تلاميذ المدارس الخاصة الذين كانوا يدرسون بالمنهاج المزدوج الجزائري والفرنسي أنفسهم في ورطة، بالنظر إلى الحالة التي يوجد عليها أبناؤهم، وذلك بعد أن شددت وزارة التربية الرقابة على هذه المؤسسات التربوية غير العمومية، وطالبتها بضرورة التقيد بتطبيق المقرر الجزائري، وأي مخالفة ذلك ستؤدي إلى الغلق النهائي للمدرسة وحتى إمكانية المتابعة القضائية، وفق ما نقله أولياء أمور لـ"الترا جزائر".

ستجعل هذه التفتيشات الصارمة لوزارة التربية، تلاميذ المدارس الخاصة الذين لم يسجلوا في المنصة الرقمية يعيدون السنة تلقائيًا

وأصبح هذا الموضوع حديث الأولياء على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالخصوص صفحة "أولياء تلاميذ المدارس الخاصة في الجزائر" على فيسبوك التي تضم أكثر من 36 ألف عضوًا.

قرار قطعي

يقول رضا أحد المشرفين  على صفحة "Parents d'élèves des écoles privées en Algérie DZ"، وهو ولي تلميذ في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي بمدرسة خاصة ببئر مراد رايس بالجزائر العاصمة لـ"الترا جزائر" أنه تم إبلاغه وجميع الأولياء أن تدريس المواد العلمية وفق المنهاج الفرنسي قد توقف نهائيا، بالنظر إلى التحذيرات التي وجهت لوزارة التربية للمدارس الخاصة.

لكن مديرة مدرسة خاصة ببلدية برج البحري بشرق العاصمة الجزائر أكدت لـ"الترا جزائر" أن مدرستها باعتبارها لم تطبق يوما المنهاج الفرنسي لم تصلها أي تعليمات في هذا الشأن، ما يعني أن التحذيرات وجهة للمدارس التي كانت تعتمد المنهاج المزدوج، والتي تعرفها الوزارة جيدا، داعية إلى وقف الأحكام التعميمة التي تطلق على كل المدارس الخاصة

واعتبر رضا الذي يقول إنه كان من بين الأولياء الذين تحركوا خلال جائحة كورونا، وكانوا وراء توقيع عقد نموذجي بين وزارتي التربية والتجارة يتعلق بنشاط المدارس الخاصة أن وقف العمل بالمنهاج المزدوج سيؤثر سلبا على التلاميذ الذين ليس في استطاعتهم فهم أسباب التخلي عن المنهاج المزدوج، خاصة أولئك الذي درسوا لسنوات بالمقررين الجزائري والفرنسي.

ويعترف رضا أن كل الأولياء يعلمون مسبقا أن التدريس بالمنهاج الفرنسي غير قانوني، لكن يضيف أن وزارة التربية كانت سابقا تتغاضى عن هذه التجاوزات، مشيرا أن سبب تسجيل ابنه بهذه المدرسة، كون "المؤسسات التربوية التي تطبق المنهاجين تكون نتائجها جيدة في الامتحانات الرسمية والعادية، ومستوى التعليم بها جيد مقارنة بباقي المدارس الخاصة، لأنها توظف الأساتذة الأكفاء الذين يمتلكون الخبرة الطويلة في مجال التعليم، إضافة إلى دفع رواتب عالية لهم، للحفاظ على "ماركتها" في التعليم".

لكن مديرة مدرسة خاصة بشرق العاصمة لا توافق هذا الٍرأي، وقالت لـ" التراجزائر" إن نجاح التلاميذ لا يتعلق بالمنهاج المدرس، إنما يعود بالدرجة الأولى للفروقات والإمكانات الموجودة عند تلميذ وافتقارها عند آخر، بالنظر إلى وجود علماء جزائريين متفوقين خارجيا لكن تعلموا وفق البرنامج الجزائري، داعية الأولياء إلى عدم تشويش تفكير أبنائهم، بإدخالهم في كل صغيرة وكبيرة تخص الجانب التعليمي، والتي ستؤثر على مستوى أدائه. 

المنهاج المزدوج

وكشف المصدر ذاته، أن تأثير قرار وزارة التربية بتطبيق القانون بحذافيره على المدارس الخاصة سيكون كبيرًا على تلاميذ الطور الثانوي بالدرجة الأولى، لأن من يتبعون المنهاج المزدوج غير مسجلين في المنصة الرقمية التابعة لوزارة التربية، كون باقي الأطوار تكون فيها المدرسة ملزمة بتسجيل المنتسبين في هذه المنصة، بالنظر إلى أن التعليم إجباري حتى 16 سنة الذي يوافق نهاية التعليم، لذلك فعدم تسجيله يعني أنه تخلى عند الدراسة.

واشتكت والدة طالب يدرس في السنة الثانية ثانوي حاولت تحويل ابنها إلى ثانوية عمومية من مطالبة هذه الأخيرة بتنزيله إلى السنة الأولى ثانوي، بالنظر إلى أنه غير مسجل في المنصة الرقمية التابعة للوزارة لما كان في السنة الأولى، وهو حال أغلب تلاميذ هذا الطور الذي يدرسون بمدارس خاصة تطبق البرنامج المزدوج، لأنهم يبنون تعليمهم على اجتياز امتحان البكالوريا الفرنسي، وليس الجزائري.

وفي العادة لا يجري المنتسبون لهذه المدارس الخاصة البكالوريا الجزائرية، لأنهم يجرون امتحان البكالوريا بالتسجيل في المركز الفرنسي للتعليم عن بعد (CNED)، وهو الامتحان الذي كان يجرى سابقًا بالثانوية الدولية الفرنسية الكائن مقرها ببن عكنون، فإن ذلك غير مسموح ابتداءً من هذا العام، وفق صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، حيث سيضطرهم ذلك للسفر إلى فرنسا لاجتياز امتحان البكالوريا.

وستجعل هذه التفتيشات الصارمة لوزارة التربية، تلاميذ المدارس الخاصة الذين لم يسجلوا في المنصة الرقمية يعيدون السنة تلقائيًا حتى ولو كانوا في السنة الثالثة ثانوي، لأن اجتياز البكالوريا يتطلب الخضوع للامتحانات وفق المنهاج الجزائري في السنوات الثلاث للطور الثانوي، والمرتبط بالتسجيل كل سنة في المنصة الرقمية.

وحسب المصدر ذاته، فإن البعض فضل عدم إعادة السنة وإكمال دراسته بالمنهاج الفرنسي من خلال مدارس الدعم، سواءً تلك التي تتبع لهذه المدارس الخاصة، أو مدراس دعم التعليم المستقلة التي ليست ملزمة بتطبيق بنود القانون المطبق على المؤسسات التربوية الخاصة.

لكن منال والدة تلميذ في السنة الرابعة متوسط بمدرسة خاصة بالعاصمة اشتكت هي الأخرى من هذا القرار، رغم أن ابنها ليس معنيًا بـ"ورطة المنصة الرقمية"، ولا ترغب في إرساله بعد البكالوريا إلى الخارج، بالنظر إلى أنها ترى أن البرنامج الجزائري معقد، وهو ترجمة لمناهج أجنبية، لذلك سجلت ابنها بمدرسة خاصة لتلقي العلوم من مصدرها الأول دون ترجمة، خاصة وأن هذه الترجمة سيئة، على حد قولها.

وقالت منال لـ"الترا جزائر" إن ابنها الذي اعتاد على تعلم المواد العلمية باللغة الفرنسية لم يرقه هذا القرار مطلقًا، ولا يرغب اليوم في الذهاب إلى المدرسة لأنه يجد صعوبة في تعلم العلوم العلمية بالعربية، بالرغم من حبه لها وتفوقه فيها بدرجة لافتة، متسائلة عن الهدف من منع التلميذ من الدراسةبالفرنسية، إذ أنه حين ينتقل إلى الجامعة يجد نفسه مضطرًا لتعلمها بلغة موليير.

وأوضحت المتحدثة أن ابنها كان يتلقى دروسًا في الإنجليزية وفق منهاج كامبريدج، لكن مع التعليمات الأخيرة تم وقف هذا الأمر أيضًا، فالقرار لا يخص المنهاج الفرنسي فقط، متسائلة في الوقت ذاته ما فائدة هذه القرارات وابنيها الذان يدرسان في مؤسسة عمومية ما يزلان يدرسان وفق مناهج الوزيرة السابقة للتربية نورية بن غبريت، وهي التي يعرف الجميع أنها أفسدت التعليم الجزائري، بتطبيقيها برامج مستوردة، على حدّ قولها.

المتسبب الأول؟

بالنسبة للمصادر التي تحدثت لـ"الترا جزائر"، فإن المتسبب الرئيس في هذه القضية والتشديدات المتخذة من قبل وزارة التربية، وعدم مواصلة المرونة والتغاضي الذي كان سابقًا حول تطبيق المنهاج المزدوج هو المجمع المدرسي "Les Glycines" لصاحبته رشيدة بن منصور، والذي ينشط بالشراقةوبوزريعة بالعاصمة، ويتوفر على 12 مدرسة وفق نظام تعليمي ينطلق من مرحلة الروضة عند عمر  السنتين حتى 18 سنة، وفق ما هو مذكور بموقع هذا المجمع المدرسي.

ويضم المجمع أكثر من 1200 تلميذ يشرف عليهم أكثر من 200 أستاذ، حيث تعود بداية نشاط هذه المدرسة المتهمة بتطبيق المنهاج الفرنسي بحذافيره إلى سنة 1999.

وترتبط سنة تأسيس المجمع سياسيًا في الجزائر بوصول الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم، حيث عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية هدوءًا طويلًا، تُرجم في مجال التعليم بإصلاح المنظومة التربية لسنة 2003 التي أدخلت الرموز اللاتينية في المواد العلمية الجزائرية، وقضت على المصطلحات العربية، بالنظر إلى استعانة ما يعرف بـ"لجنة بن زاغو" وبعده "إصلاحات الوزيرة السابقة للتربية نورية بن غبريت" بخبراء فرنسيين في مراجعة المنهاج التعليمي الجزائري.

ويوجّه هذا الاتهام إلى  مجمع "ليغليسين" بالنظر إلى تكريم صاحبة المجمع من قبل السفير الفرنسي السابق بالجزائر فرانسوا غويت التي كانت طريقة مغادرته الجزائر مهينة، إضافة إلى أنها عضو ضمن جمعية " الفرنسية في العالم".

اتصل فريق "الترا جزائر" بالمجمع المدرسي "ليغليسين" إلا أنه رفض الإجابة عن الأسئلة الموجهة له

واتصل فريق "الترا جزائر" بالمجمع المدرسي "ليغليسين" إلا أنه رفض الإجابة عن الأسئلة الموجهة، متفاديًا في  الوقت الحالي التعليق على قرار وزارة التربية المتعلق بمنح تدريس المنهاج الفرنسي رغم أنه من المنعيين به، كما لا يرغب حاليًا في الرد على الاتهامات الموجهة لمديرة المدرسة.