حين ظهر برنامج "جورنال القوسطو"، ويعني جريدة المزاج، على الفضائية الخاصة "الجزائرية"، قبل خمس سنوات، كانت البرامج الفكاهية التي تُبث خلال الساعة التي تلي أذان المغرب في رمضان، وهي ساعة حميمة جدًّا لدى الجزائريين، قد بلغت مستوًى متقدمًا من الترهل والابتذال، فصارت ميزتها أنها تثير الضحك على سطحيتها، عوض أن تثيره بمواضيعها وروحها.
اقرأ/ي أيضًا: الصحافة المكتوبة مهددة في المغرب أيضًا
نخبة من الممثلين والممثلات، من الجيل الجديد، ينتمون إلى مناطقَ ولهجاتٍ تمثّل معظم القارة الجزائرية، يتحركون داخل فضاء بسيط جدًا، مثل أي مقهى شعبي، ويُطلقون سهامهم من غير أي قناع، على "صاحب السطح"، وتعني في القاموس الجزائري صاحبَ العقد والربط في البيت أو العمارة، ويُقصد به هنا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وعلى محيطه من الوزراء والمدراء.
تفضح سياسات المنع الإعلامي في الجزائر طبيعة نظر النظام إلى الحريات إجمالًا
بلغة شعبية نظيفة كانوا يتحدثون عن وسخ الحكومة، وبوضوح كانوا يشيرون إلى غموض سياساتها، وبشجاعة كانوا ينتقدون جبنها في مواجهة الشعب بالقرارات المتعسفة، وكانوا يودّعون مشاهديهم نهاية كل حلقة، بروح من يدرك أنه لن يعود.
لقد كسروا قاعدة أن الجزائري لا يهتم بالسياسة والسياسيين، خاصة الشاب الجديد، فصار موعد بث البرنامج سقفًا مشتركًا يجمع الشاب والشيخ والمرأة والرجل والطفل والمتعلم والمتسرّب من المدرسة، و"الموركانتي"/الغني و"الزوالي"/الفقير، ليضحكوا جميعًا على واقع جزائري بات يحكمه كرسي لا يتحرك إلا في نشرات التلفزيون الرسمي.
من تجليات تبني الشعب الجزائري لهذا البرنامج ولوجوهه الشابة، أن كثيرًا من المقاهي باتت تحمل اسم "مقهى جورنال القوسطو"، وأن الحفلات والمسرحيات والأفلام والتظاهرات التي يحضر فيها وجه من وجوه البرنامج، تحظى بإقبال شعبي لا يحظى به إلا نجوم أغنية الراي ونجوم كرة القدم.
بات البرنامج يشكل إزعاجًا كبيرًا لوجوه الحكم والحكومة، فالوجه المختار في حلقة اليوم، سيصبح مادة للضحك والسخرية غدًا، على أفواه "الأطفال" كما وصفهم وزير الاتصال، في مسعى تبريره توقيف الإشهار الحكومي عن القناة التي تبنت المشروع، وهو ما كان مقدمة لعجزها عن الوفاء بمستحقات عمالها.
اقرأ/ي أيضًا: إيقاف برنامجين سياسيين ساخرين في الجزائر
انتقل الفريق المشاغب إلى قناة أخرى، بعنوان آخر هو "ناس السطح"، فانتقل معه رعب الحكومة منه، بل إنه تفاقم بحكم أن قناة "الخبر" مستغنية عن إشهارها، ولا سلطة لها عليها إلا استخدام القوة العمومية، في توقيف تسجيل البرنامج الذي يهندس فقراته المسرحي عبد القادر جريو، وهذا الذي حدث ليلة البارحة، بحسب ما أعلن عنه بعض وجوه البرنامج على صفحاتهم في فيسبوك.
هنا على الحكومة والرئاسة أن تواجها هذه الأسئلة، متى تتفطنان إلى أنكما تتعاملان مع جيل جديد، لا ينفع معه منطق القمع والقطع والتعتيم؟ ماذا ستفعلان لو قرّر فريق البرنامج نقله إلى اليوتيوب؟ هل تظنان أنكما قادرتان على إقناع إدارة اليوتيوب بتوقيف البرنامج؟ هل قام من أشار عليكما بتوقيف "ناس السطح"، ومعه برامجُ أخرى في الأسبوع نفسِه، بدراسة علمية أكدت له أن تعلق الجمهور به سيقل؟ أم أنكما لا تملكان ثقافة الاستشارة أصلًا؟ وإذا استشرتما، فباللجوء إلى وجوه منتهية الصلاحية، والدليل أن الرئيس عيّن قبل أيام، مستشارًا ولد عام 1930؟
يبدو أنه إذا كان خروج فرنسا من الجزائر، على أيدي الرجال، منهم من مات، مليون ونصف مليون، ومنهم ينتظر، بعضهم بدّل تبديلًا، فإن خروج وجوه النظام الحالي من الحكم، سيكون على أيدي "الأطفال".
اقرأ/ي أيضًا: