لم تختلف تحضيرات الأندية الجزائرية لكرة القدم هذا الصيف عن المواسم السابقة، فالوجهة المفضلة لديها هي التوجه نحو الخارج وغالبا ما تكون تونس، رغم معاناة بعض الفرق من قلة الإمكانات، ووصول الأمر بها إلى حد عدم دفع أجور بعض اللاعبين والمدربين، الأمر الذي يطرح تساؤلا إن كان هذا النزوح للخارج ضرورة رياضية متعلقة بالاحتراف والتحضير الجيد، أم أن الأمر لا يتعدى اعتياد النوادي على عادة الإسراف والتبذير جراء غياب المسيرين الرياضيين المحترفين في الجزائر.
رغم الانتقادات التي توجه للأندية الجزائرية بسبب إصرارها على إجراء معسكرات تحضيرية خارج البلاد، إلا أن هذه الفرق ترجع في غالب الأحيان هذا الخيار إلى أسباب متعددة
ورغم الانتقادات التي توجه من بعض النقاد الرياضيين للأندية الجزائرية بسبب إصرارها على إجراء معسكرات تحضيرية خارج البلاد، استعدادا للموسم الرياضي الجديد، إلا أن هذه الفرق ترجع في غالب الأحيان هذا الخيار إلى أسباب متعددة تقول إنها رياضية بحتة.
الغالبية
تشير معظم التقارير التي نقلتها الصحافة العمومية والخاصة بأن العدد الأكبر من أندية المحترف الأول لكرة القدم الجزائرية قد اختاروا التربص خارج البلاد، بحجة التحضير للموسم الكروي الجديد الذي سينطلق شهر أيلول سبتمبر الداخل.
ونقلت تقارير إعلامية أن 11 ناديا جزائريا سافر إلى تونس للتحضير للموسم الكروي الجديد، حيث يتعلق الأمر بكل من وفاق سطيف، وشبيبة الساورة، وترجي مستغانم، ونجم مقرة، وأولمبيك آقبو، واتحاد خنشلة، وشباب قسنطينة، ومولودية البيض، واتحاد العاصمة،واتحاد بسكرة، وجمعية الشلف.
ومن الفرق التي اختارت تونس للتحضير، شباب قسنطينة الذي استطاع أن يتأهل إلى الدور الثاني من كأس الكاف بعد فوزه ذهابا وإيابا على الشرطة الرواندي، ما يجعل الطاقم الفني للسنافر بقيادة المدرب خير الدين مضوي مقتنعا لحد الآن بالمكان الذي اختاره للتحضير، بما أنه حقق الهدف الأول المتمثل في مواصلة المشوار القاري.
أما حامل اللقب مولودية الجزائر فاختار مدربه أمير بومال فرنسا للقيام بالمعسكر التحضيري لتشكيلته لخوض الدور التمهيدي الأول لمنافسة رابطة أبطال أفريقيا، والتي استطاع اجتيازه هو الآخر، لمواصلة المشور نحو الأدوار المتقدمة بحثا عن اللقب القاري الغائب عن خزانة عميد الأندية الجزائرية منذ سبعينات القرن الماضي، وكذا للعمل على بقاء لقب البطول ببيت المولودية للعام الثاني على التوالي.
لا مناص
يوضح المدرب كمال جابر، أن أغلب الأندية الجزائرية تجد نفسها عند نهاية كل موسم مضطرة للتوجه نحو الخارج لإقامة معسكراتها التحضيرية، بالنظرإلى أن البلاد ما تزال تحتاج إلى جهد أكبر لتوفير مراكز تحضير تليق بالنوادي المحترفة لكرة القدم، بالرغم من وجود مراكز عبر الوطن في سرايدي بعنابة والسلف وتلمسان وعين البنيان، لكنها ما تزال تفتقد لعديد الإمكانات.
وأشار جابر في تصريح لـ"الترا جزائر" إلى أن مركز تحضير المنتخبات بتيكجدة بولاية البويرة تحسن كثيرا لكن ما يزال يفتقد لملعب تحضيري مناسب، مضيفا أن حتى ملاعب التحضير الموجودة تفتقر أحينا للحد الأدنى من المقاسات.
المدرب كمال جابر لـ "الترا جزائر": مركز تحضير المنتخبات بتيكجدة بولاية البويرة تحسن كثيرا لكن ما يزال يفتقد لملعب تحضيري مناسب
ويرى الصحفي الرياضي عبدلي ياني أن لجوء الأندية الجزائرية للتحضير للموسم الجديد بالخارج هو رياضي احترافي بالدرجة الأولى، بالنظر لقلة مراكز التحضير داخل البلاد، مبينا في حديثه مع "الترا جزائر" أنه "ورغم جهود السلطات، ما زلنا نفتقر إلى المنشآت التي تضمن تحضيراً مثالياً للأندية قبل استئناف البطولات".
لكن ياني أشار كذاك إلى أن التحضير بالخارج "يبقى أيضاً خياراً شخصياً لبعض الأندية التي تفضل التحضير في الخارج، مثل نادي مولودية الجزائر الذي اختار التحضير في فرنسا بعد نجاح المعسكر التدريبي الذي أجراه العام الماضي".
وبين التقني كمال جاير أنه من المنطقى أن تلجأ الأندية التي تتوفر على إمكانات مادية للتحضير في الخارج في مراكز مكتملة تسمح بـ"التحضير النفسي للاعبين والتحكم في عملهم في مكان واحد يتوفر على قاعات للتقوية والتدريب والاسترجاع، وهو ما يساعد المدرب على العمل والتحضير بالشكل المناسب، حيث يتيح له السفر إلى الخارج إجراء بعد المباريات الودية التحضيرية، وهو ما قد يفتقده عند البقاء داخل الوطن".
تبذير
تتهم بعض الأندية التي تفضل الذهاب إلى الخارج للتبرص بتبذير الأموال، خاصة وأن بعضها يعاني مشاكل مالية، رغم أن ذهاب فرق كرة القدم في جولات إعدادية بدول أجنبية ظاهرة عالمية لا تقتصر على الجزائر فقط، فكبرى النوادي الأوروبية تخرج في معسكرات صيفية إلى شمال أمريكا وإلى شرق آسيا.
ولفت الصحفي الرياضي عبدلي ياني أن هذه الآراء تملك جانبا من الحق، لأن بعض الأندية ما تزال تعتمد على الدعم العمومي ااقيام بتحضيراتها الخاردية، مبينا أنه " يجب على الأندية الجزائرية أن تجد مصادر تمويل لإنشاء مراكز تدريب خاصة بها، والبحث عن رعاة، وذلك من خلال إعادة هيكلة كرة القدم الجزائرية. لا ينبغي للأندية أن تعتمد على الدولة في كل شيء. في لحظة ما، يجب أن يشمروا عن سواعدهم ويباشروا العمل كأندية محترفة حقيقية. نحن محظوظون أننا لدينا بلد يتمتع بمساحات واسعة تتيح إمكانية التدريب في ثلاثة مناخات مختلفة، إلا أننا لا نستفيد من ذلك".
ونبه المدرب كمال جابر أنه قد يكون من الأفضل للأندية التي لا تملك إمكانات أن لا تتوجه إلى الخارج للقيام بتدريباتها التحضيرية، وذلك اقتصادا في نفقاتها، إلا أنها في بعض المرات تجد نفسها مضطرة لتفضيل الوجهة الخارجية على التحضير محليا، لأن أسعار بعض الفنادق أغلى من الأسعار المعروضة في الخارج، وبالخصوص في تونس.
إعادة هيكلة
بالنسبة لكمال جابر، فإن المشكل في الكرة الجزائرية لا يتعلق بإقامة معسكرات تحضيرية داخل البلاد أو خارجه، إنما الأمر يتعلق بالجانب التسييري المعتمد من قبل الأندية والذي ما يزال يحتاج إلى عمل أكثير وإلى استغلال الكفاءات اللازمة.
وقال جابر إن " كرة القدم الجزائرية تتوفر على إمكانات فنية عالية، فاللاعبون موجودون والملاعب تحسنت، لكن الجانب الإداري والتسييري يحتاج إلى عمل. الاحتراف الذي يجب أن تنفذه النوادي يتطلب أن يشمل الشكل والمضمون، لأن بعض الفرق لا تملك إدارة مهيكلة، حيث تجد شخصا أو اثنين يسيران النادي بطريقة فوضوية لذلك وجب إعادة هيكلة الإدارة الرياضية في أسرع وقت".
وتابع جابر " يمكن تغيير اللاعبين و المدرب، لكن عندما يتعلق الأمر بالإدارة، فمن الأفضل تحقيق الاستمرارية والاستقرار، بهدف الوصول إلى توازن مالي يحقق التسيير الجيد والمقنن".
وبين الصحفي الرياضي عبدلي ياني في حديثه مع " الترا جزائر" أننا "بحاجة إلى مسيرين حقيقيين حاصلين على شهادات ولديهم معرفة كافية بإدارة أندية كرة القدم. إذا أردنا التقدم، حيث لا يجب أن تُسند إدارة نادي كرة قدم محترف لأي شخص، بل يجب اختيار الشخص الكفء، للأسف يوجد اليوم بعض رؤساء الأندية الذين لا يمتلكون المؤهلات اللازمة لتولي هذا المنصب، وهذا هو السبب في أن كرة القدم الجزائرية لا تستطيع النهوض."
وتابع ياني قائلا " يعتقد البعض أن رئاسة النادي تشبه لعبة "الفيفا"، بينما في الواقع، شراء اللاعبين ليس كافيًا؛ لأن التسيير الجيد يتمثل في ضمان تحقيق توازن مالي إيجابي في نهاية الموسم للاستعداد للموسم المقبل".
ويرى ياني أنه "يجب على السلطات الرياضية أن تفرض الحصول على الشهادات كشرط قبل تولي بعض المناصب، مثل رئاسة وإدارة نادي محترف. لا يمكن تعيين أي شخص بشكل عشوائي. المشكلة الرئيسية للأندية الجزائرية تكمن في الإدارة المالية والتحضير، ببساطة بعض الإدارات ليست مؤهلة لتولي مثل هذه المناصب ولا تمتلك المتطلبات الأساسية اللازمة. إذا كنا نريد أن نحقق الاحترافية، فعلينا أن نفكر أولاً بعقلية المحترفين".
ولتحقيق هذا الهدف، يدعو كمال جابر إلى "وضع قوانين من قبل الفاف بإصدار تشريعات تتعلق بالتسيير وكفاءة المسيرين المشرفين على المدرين واللاعبين، حيث يمكن الاستنجاد بالكفاءات الموجودة بالخارج في هذا الشأن، لأن الكرة الحديثة تتطلب وجود أخصائيين في مجالات متعددة لتسير النوادي التي أصبحت تدار كما تسير الشركات، لذلك على الوزارة وضع ضوابط لتسيير شؤون الأندية. لقد تجاوزا هذا الجانب في العالم، لذلك بدأت الكاف تتحرك قليلا لتدار تأخرها، وهو ما يحتم علينا في الجزائر العمل على أن نكون السباقين قاريا في هذا المجار لتطوير مجال تسيير الأندية"