12-مارس-2022

المسجد الأعظم بالجزائر العاصمة (الصورة: البلاد)

أثار تعيين أحد شيوخ الطريقة الرحمانية الصوفية، محمد مأمون القاسمي الحسيني، عميدًا للجامع الجزائر العظيم برتبة وزير، مواقف متباينة بين مرحب ومتحفظ ورافض لفكرة التعيين، وذهب النقاش إلى المرجعية التي ينحدر منها الإمام وأسباب اختياره.

الزوايا شكلت قاعدة دينية ومجتمعية خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة

السجالات التي اشعلت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد اختيار محمد مأمون القاسمي، تُبرز أهمية ومركز وسلطة الجامع الكبير الدينية والمرجعية، وتَكشف بالمناسبة مدى التباعد والخلافات المتواجدة على الساحة الدعوية والدينية والمرجعية، كما بدا واضحًا أن السلطة السياسية ما تزال تَعقُد تَحالفًا سياسيًا ودينيًا بالمؤسسة الصوفية والزوايا، إذ يُشار هنا، أن الزوايا شكلت قاعدة دينية ومجتمعية، خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

اقرأ/ي أيضًا: مستشار تبون: الزوايا حافظت على الهوية الوطنية وصدّت الاستعمار

انتصار للمرجعية الدينية

في السياق، قال يونس حدييي، صاحب مركز الموطأ، على صفحة بموقع فيسوك، إن تعيين الشيخ الفقيه محمد المأمون القاسمي سليل الدوحة القاسمية الشريفة لعمادة المسجد الكبير، خبر يفرح أصحاب المرجعية، وأضاف في منشوره أن "الخبر يُغيض أصحاب الفكر المؤزم المعطل للمساعي الوطنية الصادقة".

وأشاد حديبي بخصال شيخ الطريقة الرحمانية وقال "وليعلم الأظناء أن الشيخ أعماله وأشغاله في خدمة البلاد والعباد أعظم عنده من المناصب".

يُذكر أن الحسني من مواليد بلدة الهامل بولاية المسيلة جنوب العاصمة، مقر الزاوية الهاملية ببوسعادة (جنوب الجزائر)، بتاريخ 25/شباط 1944، وهو أحد علماء الدين في الجزائر، تولى مناصب بوزارة الشؤون الدينية، وهو عضو ناشط في الملتقيات الدعوية الإسلامية الدولية، ويعد من قادة الطريقة الرحمانية.

الاعتبارات السياسية

في سياق متصل بالموضوع، يَحملُ اختيار محمد المأمون القاسمي المنتمي إلى الطريقة الرحمانية أبعاد سياسية ودينية سواء، فالزاوية الرحمانية حافظت على مسافة بعيدة بالسلطة السياسية خلال حكم عبد العزيز بوتفليقة، ما أكسبها نوع من المصداقية، رغم اهتمام واعتناء الرئيس السابق بالزوايا، التي جعل منها وعاء انتخابي، ومركز توازن سياسي-اجتماعي داخل النظام السياسي، وقد أولى بوتفليقة العناية بالطرق الصوفية بحكم انتماءه الجغرافي، أي الغرب الجزائري، إذ تتواجد الزاوية بشكل قوي، وتُشكل المؤسسة الدينية التقليدية، أُسس التحالفات القبلية والعشائرية، تعود إلى فترات من الحكم الإسلامي بالغرب الجزائري.

 في هذا الصدد أيضا، تَمكن عبد العزير بوتفليقة من استرجاع بعد المرجعيات الصوفية، في إدراة التنافس الناعم مع الجارة الغربية، زوايا وطرق صوفية تمتلك بُعد عالميًا، وانتشارًا وتوسعًا إقليمًا على غرار الزاوية التيجانية بعين الماضي بلدة الأغواط (جنوب الجزائر)، الطريقة العلوية التي مقرها مدينة مستغانم والتي تمتد إلى غاية الأراضي المغربية، والزاوية البلقايدية الهبرية والشاذلية. 

وتَملك الطريقة الرحمانية أتباعًا ومريدين من كافة أنحاء الوطن، خاصّة بالمنطقة الوسطى، خُصوصًا منطقة القبائل، إذ تُشكل الطريقة الصوفية الرحمانية المرجعية الدينية للمنطقة، وأغلب قادة الثوار المنطقة تَشبعوا بالتربية الروحية الصوفية الرحمانية على غرار المجاهد محمدي السعيد، الراحل حسين آيت أحمد، والشهيد عميروش.

تميكن المرجعية الوطنية

يَقع الجامع الأعظم وسط مدينة العاصمة (المحمدية) على مساحة 200 ألف مربع، وهو ثالث أكبر مسجد بالعالم بعد الحرمين الشريفين، وتمتد مأذنته إلى حوالي 265 مترًا.

ويتسع المسجد لنحو 120 ألف مصل، وبه مركز علمي وسياحي، وقاعات محاضرات، ومكتبة نموذجية ضخمة، وتباينت أرقام تكلفة مشروع بناء المسجد بسبب التأخير في الإنجاز، لكن مصادر وزراية أكدت أن مبلغ بناء المسجد في حدود 1.5 مليار دولار، تكفلت شركة صينية لإنجاز واتمام الأشغال.

في السياق ذاته، لم يكن اختيار مكان بناء المسجد الأعظم اعتباطيًا، حيث تم اعتماد منطقة المحمدية التي كانت تسمى "لافيجري" إبان فترة الاحتلال الفرنسي، وهي المنطقة التي كانت تَضُم مركز التنصير والتبشير المسيحي، وعُرفت المنطقة بانتشار ديار لتنظيم الآباء البيض الكاثوليكي، وقد ارتبط التنصير بالجزائر بخدمة الأهداف الكولونيالية والاستيطانية والاندماج.

المسجد الأعظم والأيدولوجيات

في هذا الموضوع، ارتبط المسجد الأعظم وخلال كامل أطوار تشيده بنقاشات أيديولوجية بين التيار المحافظ المؤيّد والمناصر لي استكماله، وبين التيّارات العلمانية التي تحفظت على المشروع، فقد تزامن انطلاق أشغاله أزمة مالية خاصة بعد تراجع أسعار النفط، واشتد النقاش خلال الأزمة الصحيّة وندرة الأسرة الاستشفائية، لكن السلطات عزمت على استكمال المشروع إلى غاية تشدينه نهاية العام 2020.

وبعد تعيين شيخ الطريقة الرحمانية محمد مأمون القاسمي، عبرت صفحات وأصوات من التيار السلفي على شبكات التواصل الاجتماعي، عن صدمتها وخيبتها من تعيين أحد قادة التيار الصوفي.

يجدر الإشارة، عن وجود خصومة بين التيار السلفي الوهابي، ومؤسّسات الزاوية التقليدية، ويُعود الصراع إلى فترة الحركة الإصلاحية التي أسسها عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي، إذ تباعدت المنهجية العقائدية والتربوية بين التيار الصوفي وجمعية العلماء المسلمين.

اختيار موفق لكن..

بالمقابل، يرى مصطفى راجي، أستاذ في علم الاجتماع، أن تعيين شخصية ذات مرجعية طرقية وصوفية يؤكّد تمسك السلطة إلى حد ما بالمؤسّسة الدينية التقليدية، وأضاف أن هذا التعيين يُشكل دعمًا قويًا للمرجعية الدينية الوطنية، في مقابل التيارات الفقهية والعقائدية الدخيلة على المجتمع.

وزاد محدث "التر جزائر" أن اختيار عبد مأمون القاسمي مُوفق نسبيًا، فهو من قادة الطريقة الرحمانية، وهي من أشهر وأكبر الزاوية في الجزائر على غرار العلوية والتيجانية، معلقًا بالقول: "عمدة الجامع الأعظم يَشهد له بالعلم والاعتدال والتسامح".

في مقابل ذلك، يرى أستاذ علم الاجتماع أن الجامع الكبير مؤسسة دينية كبيرة ومنبر وصوت يحمل أبعاد عالمية، غير أنه بحسب المتحدث، "كان من المستحسن تعيين شخصية لها أبعاد متعددة، تجمع بين التكوين الديني والثقافي والأكاديمي، متحكمة في اللغات، وقادرة على تناول المسائل والتحديات العصرية، على غرار حوار الأديان والتسامح العالمي والسلام الدولي".

 جاء تعيين عبد مأمون القاسمي عميدًا للجامع الأعظم لينهي الجدل القائم حول كل محاولات استحواذ على أهم مؤسسة دينية بالجزائر

على العموم، جاء تعيين عبد مأمون القاسمي عميدًا للجامع الأعظم لينهي الجدل القائم حول كل محاولات الاستحواذ على أهم مؤسسة دينية بالجزائر، وتمسك السلطة بشخصية فقهية عقائدية وصوفية يَعكس مستوى نظرة السلطات العليا إلى الدور المنوط إلى ثالث أعظم مسجد في العالم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الزاوية التيجانية.. قِبلة العشاق ومورد النُسّاك في الصحراء الجزائرية

الطرق الصوفية.. محل استغلال سياسي جزائريًا