06-أبريل-2019

توسعت الاحتجاجات الجزائرية في الجمعة الخامسة رغم الأجواء الماطرة (رويترز)

الترا صوت – فريق التحرير

مثلما راحت مسيرات الحراك الشّعبيّ السلمي في الجزائر، الذي انطلق يوم 22 شباط/فبراير الفائت تكبر من جمعة إلى أخرى وتتعزّز بالتحاق شرائح وتنظيمات وازنة، وصارت مطالبها ترتفع في كلّ مرّة، فمن المطالبة بإسقاط الولاية الخامسة للرّئيس عبد العزيز بوتفليقة (1937) إلى المطالبة برحيل السّلطة القائمة كلّها، راحت الإشاعات وبرامج الذّباب الإلكترونيّ تتكثّف وتلعب على أوتار حسّاسة في الشّارع الجزائري، مثل إثارة النّعرات اللّغويّة والعرقيّة، في محاولة من المحيط الرّئاسيّ لتقسيم قوى الحراك وإقناع بعضه بالحلول، التّي اقترحها الرّئيس في رسالته الثّانية، وهي الانضمام إلى حكومة وندوة توافقيتين يشرفان على الانتقال إلى جمهوريّة جديدة تحت إدارته.

عملت الجمعة الخامسة للحراك الجزائري، اليوم، على جمع الصّفوف وإسقاط كلّ الأوراق الهادفة إلى إرباك الحراك في الماء، إذ لم تنتظر مدن كثيرة نهاية صلاة الجمعة حتّى تشرع في التّظاهر

أبرز ما شهدته الأيّام، التّي سبقت الجمعة الخامسة، اعتراف النّاطق الرّسمي لثاني أكبر أحزاب الموالاة "التجمّع الوطنيّ الدّيمقراطيّ" الصدّيق شهاب بأنّ ترشيح الرّئيس بوتفليقة كان قرارًا "غير متبصّر"، وأنّ البلاد كانت مسيّرة من "قوى غير دستوريّة"، في إشارة منه إلى رجال المال والأعمال.

اقرأ/ي أيضًا: أحمد أويحيى.. رجل المد والجزر و"المهمات القذرة"

مباشرة بعد هذا الاعتراف، اهتزّ بيت بوتفليقة بإعلان المنسّق العامّ للحزب الحاكم "جبهة التّحرير الوطني" معاذ بوشارب مباركة الحزب للحراك الشّعبيّ، واعترافه بكونه "لم يقدّر الوضع بشكل جيّد"، داعيًا أنصاره إلى التّظاهر. حدث هذا بالموازاة مع اعتراف "منتدى رجال الأعمال" الذي يعدّ أكبر الجهات الماليّة تمويلًا لحملات الرئيس المنتهية ولايته واستفادةً من مشاريعه الاقتصادية في عهداته السّابقة، بالحراك وقوله "إنّ المنتدى سيلتزم بكلّ ما يقرّره الشّعب".

فهم الجزائريّون التحاق من يسمّونهم بـ"العصابة" اختراقًا منهم لصفوف الحراك وتمييعًا له، إذ كيف يُعقل أن يقبلوا، حسبهم، من خرجوا أصلًا مطالبين برحيلهم؟

في هذا السياق، يقول الكاتب رشيد بلمومن لـ"ألترا صوت" إنّهم يريدون أن يجدوا لهم موضع قدم في المستقبل، بعد أن يفرض الحراك إرادته. ويضيف: "إذا أرادوا أن يقبلهم الشّعب، عليهم أن يعتذروا له، وأن يردّوا الأموال التّي نهبوها، وأن يستقيلوا من أحزابهم ومنظّماتهم، وينضمّوا إلى الحراك بصفتهم أفرادًا، مع استعدادهم للمحاكمة لاحقًا".

غلبت الرّوح السّاخرة على تعليقات الجزائريّين في مواقع التّواصل الاجتماعيّ، على خبر اعتراف وجوه الموالاة بمطالب الحراك الشّعبيّ. وقالوا إنّهم يتوقّعون أن يجدوا شقيق الرّئيس متظاهرًا معهم ومطالبًا أخاه الرّئيس بالرّحيل. كما دعا البعض إلى الانضمام إلى الرّئيس بوتفليقة، الذّي بقي وحده، حتّى تبقى "العصابة" معزولة مرّة أخرى.

لم يكن اعتراف وجوه المحيط الرّئاسيّ بشرعيّة مطالب الحراك الشّعبيّ المحاولة الوحيدة لإرباكه، بل تزامن ذلك مع دعوة وجوه تقدّم نفسها على أنّها معرضة للنّظام القائم، لكن قطاعًا واسعًا من الجزائريين يعتبرهم خدّامًا له، إلى أمور يرفضها شباب الحراك حتّى يحافظوا على السلمية، التّي يعتبرونها سلاحهم الأقوى، منها دعوة رئيس "حركة رشاد" المحظورة محمّد العربي زيتوت إلى حرق أعلام الدّول، التّي استقبلت وزيرة الخارجية الجديد رمضان العمامرة، حيث يشاع أنّه طلب منها التدخّل للاعتراف بورقة الطّريق التّي قدّمها الرّئيس بوتفليقة، ودعوة النّاشط السّياسيّ رشيد نقاز إلى اقتحام مقر رئاسة الجمهوريّة.

على غرار الجمعات الأربع السّابقة، عملت الجمعة الخامسة، اليوم، على جمع الصّفوف وإسقاط كلّ الأوراق الهادفة إلى إرباك الحراك في الماء، إذ لم تنتظر مدن كثيرة نهاية صلاة الجمعة حتّى تشرع في التّظاهر. فقد بدأت المسيرات الرّافضة لتمديد العهدة الرّابعة للرّئيس بوتفليقة والمطالبة برحيله مع محيطه كلّه، في الجزائر العاصمة وباتنة وبرج بوعريريج ووهران وتندوف مع السّاعات الأولى للنّهار.

اقرأ/ي أيضًا: جمهورية بوتفليقة.. كشف حساب

ومع حلول الموعد المتّفق عليه وطنيًّا في الظّهيرة، اكتظّت الشّوارع والسّاحات العامّة في بقيّة المدن، بما فيها تلك التي لا تشكّل عواصم للولايات، بالمتظاهرين، متحدين الثّلوج والأمطار، التّي تسبّبت في قطع طرق بعض المدن، خاصّة في الشّرق. إذ هيمنت المطّاريات الحاملة لألوان العلم الوطنيّ على المسيرات، بما منحها منظرًا زاهيًا، وصفه كثيرون بأنّه ربيع محمول فوق الرّؤوس.

بانسحاب رؤوس التّحالف الرّئاسيّ من حلبة الموالاة، وإصرار الجزائريّين على تحقيق مطالبهم،  لم يبق للرّئيس بوتفليقة مبرّر للاستمرار في ما قال إنّه يُشكل فرصةً لانتقال سلس للسّطلة

بانسحاب رؤوس التّحالف الرّئاسيّ من حلبة الموالاة، وإصرار الجزائريّين على تحقيق مطالبهم، إذ رأى مراقبون أنّ مسيرات اليوم تعدّ الأكبر منذ انطلاق الحراك، لم يبق للرّئيس بوتفليقة مبرّر للاستمرار في ما قال إنّه يُشكل فرصةً لانتقال سلس للسّطلة. وما عليه إلا أن يستعمل الورقة الوحيدة، التي بقيت له لخروج مشرّف هي إعلان استقالته قبل انتهاء عهدته يوم 28 نيسان/أبريل الدّاخل، فيتمّ اللّجوء إلى تطبيق المادة 102 من الدّستور، حيث يتولّى رئاسة الدّولة رئيس مجلس الأمّة، الذي سيكون ملزمًا بتنظيم انتخابات رئاسيّة لا يترشّح لها في أجل أقصاه تسعون يومًا.      

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تعتيم إعلامي على حراك الشعب الجزائري.. الرد في الشارع وفيسبوك

جمعة الغضب في الجزائر.. شارع موحد أمام ارتباك النظام