أعلن وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي عن ارتفاع عدد أحكام الطلاق التي تشهدها المؤسّسات القضائية في مختلف ولايات البلاد، في ظاهرة صارت تُطرح بشأنها العديد من التساؤلات إن كان السبب اجتماعيًا أم قضائيًا.
تشير أرقام فك الرابطة الزوجية الخاصة بالسداسي الأول من 2021 المنقضية إلى تسجيل 44 ألف حالة طلاق وأكثر من 10 ألاف حالة خلع
وأصبح الارتفاع المتزايد لمعدلات الانفصال بين المتزوّجين سواءً عبر الطلاق أو الخلع في السنوات الأخيرة يثير قلق مختصين، بالنظر إلى أن هذا الارتفاع تحوّل إلى عنصر مهدّد لمجتمع كان الطلاق فيه إلى وقت قريبًا يشكّل عارًا يحاول الزوجان تفاديه بمختلف الطرق، بسبب ما له من تبعات خطيرة على الأطفال والأسرة ككل.
شاهد: تغطية لهذا الملف والملفات الإخبارية الراهنة عربيًا ودوليًا على شاشة التلفزيون العربي أخبار
أرقام مرعبة
قبل أسابيع، نشرت صحيفة "المساء" الحكومية إحصاءات تتعلق بعدد حالات الطلاق والخُلع المسجلة من قبل وزارة العدل، ما يعني أن هذه الأرقام تخص الحالات المصرح بها والزواج المسجل فقط، ولا تحصي حالات الانفصال الخاصة بالزواج العرفي الذي يبقى موجودًا رغم منعه من قبل السلطات.
وتشير أرقام فك الرابطة الزوجية الخاصة بالسداسي الأول من 2021 المنقضية إلى تسجيل 44 ألف حالة طلاق وأكثر من 10 ألاف حالة خلع خلال الفترة ذاتها، وكادت أن تعادل هذه الأرقام الصادمة المعدلات السنوية المسجلة في الأعوام الماضية، ففي 2020 سجلت الوزارة 66 ألف حالة طلاق، فيما توقف العدد عند 65 ألف حالة في 2019.
وبالنسبة لإحصاءات النساء اللواتي خلعن أزواجهن، فقد كانت لا تتعدّى 13 ألف حالة في 2019، لكنها ارتفعت إلى 15 ألف في 2020.
خلل إجرائي
قبل أيام، قال وزير العدل عبد الرشيد طبي، في رده على انشغالات نوّاب المجلس الشعبي الوطني المتصلة بقانون الأسرة وما يرتبط به من قضايا الطلاق وغيرها، إن الخلل ليس في القانون، وإنما في المنظومة الأخلاقية للمجتمع والتي تؤثّر بشكّل مباشر في ارتفاع عدد هذه القضايا، متعهدا بالتكفل بهذا الانشغال مستقبلًا.
غير أن المحامية فتيحة رويبي لا توافق رأي طبي في بعض الجوانب، وتؤكّد في حديثها مع "الترا جزائر" أن النظام القضائي الجزائري يتحمل جزءًا من ذلك، خاصّة فيما تعلق بجلسة الصلح بين الزوجين.
وقالت رويبي إن "جلسة الصلح تظل بنظري شكلية، كونها تعقد في الغالب بشكلٍ مستعجل من قبل القاضي الذي يكون معنيًا في اليوم الواحد بالإشراف على ما بين 15 إلى 20 جلسة صلح".
وأضافت رويبي أن "عقد جلسة الصلح بهذه الطريقة غير مقبول، كون القاضي قد ينشغل بكيفية إنهاء العمل المكلف به وتوزيعه زمنيًا، أكثر من تركيزه على الصلح بين الزوجين".
وتثير المحامية التي مرت عليها عديد القضايا المتعلقة بفك رابط الزوجية مسألة عدم دراية كل القضاة وإلمامهم بالطرق المناسبة للإصلاح بين الزوجين، مشيرة إلى أن بعضهم يكون أحيانًا مجرد شاب أعزب لا يملك خبرات في العلاقات الزوجية، لذلك تحبذ لو تلجأ السلطات إلى إعطاء مهمّة إدارة جلسات الصلح لمختصين اجتماعيين ونفسانيين.
ولفتت رويبي أيضًا إلى أن المشكل يكمن في أنه رغم تلقي القضاة تكوينًا متخصصًا في مسارهم الأكاديمي، إلا أنه عند مباشرة وظيفتهم الميدانية لا يتم احترام هذا الاختصاص، إذ أن القاضي الذي ينظر في القضايا التجارية والعقارية وقضايا الإجرام يشرف هو كذلك على ملفات التقاضي المتعلق بالطلاق ومختلف القضايا بقانون الأحوال الشخصية.
اقتصادية واجتماعية
لا ينكر أستاذ علم الاجتماع الدكتور نور الدين بكيس المشاكل القضائية التي تكون قد ساعدت هي الأخرى في ارتفاع معدلات الطلاق في الجزائر، إلا أنه يوضح في حديثه مع "الترا جزائر" أن سبب هذا الارتفاع هو ما يسميه "التأزم الاجتماعي الاقتصادي" الذي يعيشه الجزائريون بسبب تبعات فيروس كورنا، والتي أثرت بشكل كبير على مداخيلهم المالية بالنقصان.
وقال بكيس إن هذا الوضع ولّد ضغطًا اقتصاديًا وتباعدًا اجتماعيًا أفرز عنفًا انعكس على الروابط الأسرية، وفجر العلاقة الزوجية التي هي في حاجة لموارد تعالج الأزمات والطلبات التي تواجهها يوميًا.
غير أن بكيس يشير إلى أن هذه الظاهرة ليست خاصة بالجزائر فقط، إنما مختلف المجتمعات في العالم شهدت ارتفاعًا في معدلات الطلاق بسبب جائحة كورونا.
ويربط الدكتور بكيس أيضًا ارتفاع معدلات الطلاق في الجزائر، بتغير نظرة المجتمع إلى الرابط الزوجي، مبينًا أن العلاقات الزوجية لم تعد اليوم مشروعًا عائليا كما كانت سابقًا، حينما كانت تحمى بفضل الرقابة الاجتماعية التي تمثلها العائلة الكبيرة المكونة من الأجداد وصولًا إلى الأخوال والأعمام.
ولاحظ بكيس أنه في السنوات الأخيرة بعد الانسحاب القهري للأسرة الكبيرة من مشروع الزواج جراء الظروف الاقتصادية، أصبح شريك الحياة يفضل الانفصال على مواصلة المغامرة الزوجية والتغلّب على مصاعبها، ويميل إلى الانحراف على المجتمع في كل مستوياته، خاصة مع ارتفاع تكاليف تربية الأولاد وتلبية حاجياتهم، مبينًا أن البيئة الحالية الجزائرية هي من توفر سبل الانحراف على قوانين ومقومات المجتمع، وهو ما يعمل على تفكك الأسرة وانتهاء العلاقة الزوجية.
أصبح التفكير في إحالة هذا الملف إلى الهيئات القانونية والاجتماعية مطلبًا ملحًا لإعادة صياغة قوانين تتماشى ومتطلبات هذه المرحلة
ورغم غياب بوادر حقيقية من السلطات لمعالجة هذه الظاهرة التي صارت تتفشى أكثر فأكثر في الجزائر، أصبح التفكير في إحالة هذا الملف إلى الهيئات القانونية والاجتماعية مطلبًا ملحًا لإعادة صياغة قوانين تتماشى ومتطلبات هذه المرحلة، ومواكبة التغيّرات التي طرأت على المجتمع الجزائري في الفترة الأخيرة، وبات على كل راغب في بدء مشروع الزواج تحمل مسؤولية إكمال بناء هذه المؤسسة رغم الصعاب التي تواجهها، وعدم إعلان إفلاسها في أول كبوة تواجهه، والتي يكون الخاسر الأكبر فيها دائمًا الأطفال.
اقرأ/ي أيضًا:
5 سلبيات للعمل مع شريك حياتك وسبل مواجهتها
حفلات للطلاق عند صحراويات المغرب!