بعد أيام معدودات فقط، ينقضي عام آخر في الجزائر يوثّق لفشل الحكومة للمرّة الثالثة على التوالي في حل أزمة السيارات، ومعه تزداد الحظيرة الوطنية للمركبات قدمًا سنة أخرى، وذلك بالنظر إلى إخفاق السلطات في تجديدها بسبب عدم التمكّن من إقامة مصانع حقيقية لتركيب وصناعة السيارات، وكذا عدم التمكّن من سن دفتر شروط يسمح باستيراد المركبات دون التأثير على الاقتصاد الوطني.
ولا يريد تبون تكرار التجربة السابقة في تصنيع السيارات التي كبدت الجزائر خسائر بلغت 3.2 مليار دولار
ورغم الوعود التي أٌطلقت بشأن العودة إلى استيراد السيارات بعد فشل تجربة التصنيع المحليّة التي حدثت في عهد الرئيس الراحل السابق عبد العزيز بوتفليقة، إلا أن هذه الالتزامات لم تجد طريقها للتنفيذ، الأمر الذي ساهم في ارتفاع قياسي لأسعار السيارات المستعملة في ظلّ غياب المنتج الجديد من المركبات.
اقرأ/ي أيضًا: وزير الصناعة يكشف جديد دفتر شروط السيارات
5 سنوات
في سنة 2017، خلال الولاية الرابعة للرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، قررت الحكومة التوقف عن استيراد السيارات بعد أن تراجعت مداخيل البلاد من العملة الصعبة بسبب تهاوي أسعار النفط، ولجوء الحكومة لخطة تقشّف مست القطاعات التي كانت تعرف تبذيرًا باذخًا، وفي مقدمتها استيراد السيارات.
وبرّرت الحكومة وقتها اللجوء إلى هذا القرار بتشجيع التصنيع المحلي للمركبات، خاصّة وأن الإجراء جاء بعد أربع سنوات من الترخيص لأوّل مصنع للسيارات تمثل وقتها في العلامة الفرنسية رونو التي أقمت مصنعها بمنطقة تليلات بولاية وهران غرب الجزائر.
وواصلت الحكومة في عهد بوتفليقة العمل بهذا القرار، مبرّرة ذلك بخطة تقليص فاتورة الاستيراد وتشجيع الإنتاج المحلي المتمثل في ما عرف بـ"مصانع نفخ العجلات"، التي أثبتت المحاكمات التي جرت عقب حراك 22 شباط/فيفري 2019 أنها كانت مجرد مطية لفساد كبير وتهريب للعملة بطريقة مختلفة، استفاد منها وقتها رجال الأعمال المحسوبين على الرئيس السابق والعلامات الأجنبية التي أصبحت تصدّر السيارات إلى الجزائر بطريقة مختلفة في شكل قطع غيار.
وشهدت الجزائر في 2013 أكبر عملية استيراد للسيارات بجلب نحو 650 ألف مركبة من الخارج بفاتورة بلغت 6.4 مليارات دولار، لذلك تحججت الحكومات المتعاقبة بعد حراك 2019 بتبريرات مختلفة بهدف العودة إلى هذا الوضع رغم صدور قرار الغلق الكلي لمصانع "نفخ العجلات"، وتضمن قانون المالية قرارًا يسمح باستئناف استيراد المركبات.
ووعد وزراء الصناعة المتعاقبون بإصدار دفتر شروط جديد من شأنه يضمن حق الجزائريين في شراء سيارة جديدة، دون التأثير سلبًا على الخزينة العمومية، إلا أن كل الوزراء فشلوا في هذا الامتحان وبقيت وعودهم مجرد كلام، ولعل أبرزهم وزير الصناعة السابق فرحات آيت علي الذي أقيل بداية العام الجاري بسبب إطالته هذا الملف وفشله الذريع في إخراج دفتر شروط يسمح باقتناء الجزائريين سيارات جديدة.
تدخل رئاسي
قبل أقلّ من شهر من نهاية العام الجاري، أعلنت الرئاسة الجزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون أمر بالإسراع في حل ملفّ السيارات الذي أصبح نقطة سوداء في ولايته الرئاسية التي أنهى السنة الثانية منها في 12 كانون الأول/ديسمبر كانون الأول الماضي.
وأمر تبون في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في الخامس كانون الأول/ديسمبر الماضي، بـ"مراجعة فورية لدفتر شروط استيراد السيارات، والإسراع في الإعلان عن الوكلاء الذين يحوزون على الموافقة".
وشدّد الرئيس الجزائري على "إلزامية توفير شبكة خدمات ما بعد البيع، جهويًا وفي المدن الكبرى، كشرط لقبول ملفات وكلاء السيارات، وألا يمنع القانون الاستيراد الفردي للسيارات".
وقال تبون بداية الشهر الجاري خلال افتتاح الندوة الوطنية للإنعاش الصناعي أن الجزائر متمسكة بتصنيع السيارات محليًا، لذلك سيتم "تصنيع قطع الغيار أولًا وتوفيرها للسوق الوطنية وتصديرها للخارج، ثم البحث عن تركيب وتصنيع السيارات".
ولا يريد تبون تكرار التجربة السابقة في تصنيع السيارات التي كبدت الجزائر خسائر بلغت 3.2 مليار دولار، وذهبت هباءً منثورًا في نفخ العجلات، مثلما قال في تصريح سابق شهر أيلول/سبتمبر الماضي.
ضبابية الملف
رغم تعليمات الرئيس تبون القاضية بالتعجيل بإصدار دفتر شروط استيراد السيارات وتركيبها محليًا، إلا أن التصريحات الصادرة عن وزارة الصناعة المعني المباشر بالملف لا تبعث على كثير من التفاؤل، بالنظر إلى إعطائها أجندات مختلفة بشأن موعد صدور دفتر الشروط الجديد، ودون تقديم تاريخ محدد للشروع فعليًا في الاستيراد.
وفي الثامن كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، أعلن وزير الصناعة أحمد زغدار تنصيب لجنة تقوم بإعداد دفتر شروط جديد لاستيراد السيارات، تنفيذًا لتعليمات الرئيس تبون.
وقال زغدار إنه سيتم الانتهاء من إعداد هذا الدفتر مع نهاية كانون الأول/جانفي المقبل مع تسليم اعتمادات فورية للوكلاء المعنيين.
غير أن الوزير غيّر تصريحاته، فقد قال بداية الأسبوع الجاري أن دفتر شروط الاستيراد لا يزال محلّ دراسة على مستوى لجنة قطاعية، وسيتم حل الأزمة إما في الثلاثي الأول أو الثاني من السنة المقبلة، عند مطابقة الوكلاء لما ينصّ عليه دفتر الشروط الخاص بالاستيراد.
تأخّر ملف استيراد السيارات سيتسبب في تهالك الحظيرة الوطنية للمركبات
ورغم أن السلطة تظهر أنها أكثر جدية هذه المرّة في حل مشكل تصنيع واستيراد السيارات مقارنة بالمرات السابقة، إلا أن التضارب في إعطاء موعدٍ لطي هذا الملف يفتح المجال لإمكانية بقاء الجزائر لعام جديد دون مركبات، وهو وضع سيتسبب في تهالك الحظيرة الوطنية للمركبات أكثر فأكثر والتي تعد حسب المختصين احد أهم العوامل المتسببة في آلاف حوادث المرور التي تعرفها الجزائر سنويًا.
اقرأ/ي أيضًا:
3 تسهيلات جديدة في دفتر شروط استيراد السيارات
نباش: استيراد السيارات المستعملة لن يتماشى مع القدرة الشرائية