تعوّل الحكومة في الجزائر كثيرا على قطاع الصناعة للمساهمة أكثر في رفع الناتج المحلي الخام للبلاد، وزيادة صادراتها خارج المحروقات، لذلك قامت بعدة إجراءات تشجع على إنشاء المؤسسات المنتجة التي من شأنها توفير مناصب شغل جديدة، وزيادة النمو في قطاع الصناعة، إلا أن هذا النمو رغم ارتفاعه في المُجمل إلا أنه يظل دون المستوى المنتظر من الناشطين الصناعيين.
رغم ارتفاع الاستثمارات في القطاع الصناعي مقارنة بسنوات سالفة، إلا أن ثمارها تظل في بعض القطاعات أقل من الطموحات المأمولة، وهو ما يستدعي من الحكومة اتخاذ إجراءات تجعل من الصناعة عنصرا أساسيا في رفع عادات البلاد من العملة الصعبة
رغم ارتفاع الاستثمارات في القطاع الصناعي مقارنة بسنوات سالفة، إلا أن ثمارها تظل في بعض القطاعات أقل من الطموحات المأمولة، وهو ما يستدعي من الحكومة اتخاذ إجراءات تجعل من الصناعة عنصرا أساسيا في رفع عادات البلاد من العملة الصعبة.
إيجابية
كشف الديوان الوطني للإحصاءات أن الإنتاج الصناعي في القطاع العام سجل ارتفاعا بنسبة 3.8% خلال الربع الثاني من 2024، مقارنةً بـ 2.1% في الفترة ذاتها من العام الماضي، وهو مؤشر مشجع حتى وإن كان التحسن طفيفا، وذلك بسبب اختلاف أداء المجالات الصناعية من تخصص إلى آخر.
وتشير أرقام الديوان إلى نمو قطاع الطاقة بلغ (+10.2%)، بينما سجلت الفترة السابقة انخفاضًا بنسبة -0.2%، فيما بلغ نسبة النمو في قطاع المناجم والمحاجر +4.6% خلال الربع الثاني، والذي يعد رغم إيجابيته أقل مما سجل العام الماضي حينما بلغت نسبة النمو +11.3%.
وسجلت قطاعات مواد البناء زيادة بـ(+8.6%)، والصناعات الغذائية (+6.6%)، وصناعات الجلود (+16.5%).
وأوضح أستاذ الاقتصاد بكلية العلوم الاقتصادية في جامعة المسيلة حمزة طيبي لـ"الترا جزائر" أن تسجيل قطاعات لطاقة والجلود والمواد الغذائية والمناجم نموا تعدى 5 بالمئة، يعود إلى أن الجزائر وفق المبدأ الاقتصادي المتعلق بالتخصص في الإنتاج، تزخر بموارد طبيعية متنوعة تسمح لها بإقامة صناعات قوية في هذا المجال.
وأضاف طيبي أن الجزائر تمتلك رصيدا معتبرا في هذه القطاعات، فمنذ الاستقلال أعطت أهمية لقطاع الطاقة والمناجم والصناعات التحويلية وصناعة الجلود، مما سمح بتراكم الخبرة وتجربة في هذه المجالات، الأمر الذي يجعل تجربتها رائدة في هذه الصناعات ويحفزها على نقل هذه التجربة إلى باقي الصناعات الأخرى.
مؤشرات حمراء
لكن اللون الأخضر الذي طبع أداء هذه الصناعات لم يكن في مجالات أخرى، فقد أشار الديوان الوطني للإحصاء إلى أن قطاعات الصناعات المعدنية والميكانيكية شهدت تراجعا لافتا وصل حتى ( -18.2%)، والخشب (-23.8%)، وصناعات النسيج (-1.9%)، في حين بقيت الصناعات الكيماوية والهيدروكربونية مستقرة مع تسجيل تغيرات طفيفة بـ -0.1% و-0.4% على التوالي.
ويعتقد الأستاذ حمزة طيبي أن تراجع نمو هذه القطاعات الصناعية سببه الأساسي التراجع في حجم الاستثمار المحلي والأجنبي، بسبب تطلب هذه الصناعات استثمارات طويلة المدى وتمويلا كبيرا و تكنولوجيا عالية، إضافة إلى غياب إستراتيجية صناعية واضحة طويلة المدى، والتغيير المستمر لبعض التشريعات.
وبين أستاذ الاقتصاد أن البيروقراطية والفساد الموجود في بعض الإدارات يقوضان محاولات الحكومة النهوض بالاقتصاد الوطني، الأمر الذي يتسبب في عدم تحسين ترتيب البلاد عالميا في مجال التنافسية والإنتاج.
حمزة طيبي: تراجع نمو هذه القطاعات الصناعية سببه الأساسي التراجع في حجم الاستثمار المحلي والأجنبي، بسبب تطلب هذه الصناعات استثمارات طويلة المدى وتمويلا كبيرا و تكنولوجيا عالية
وجاء في تقرير تنافسية الاقتصاديات العربية الصادر عن صندوق النقد العربي في أيار ماي 2023 أن الجزائر احتلت المرتبة الـ11 عربيا بعدما كانت في المرتبة 14 في السنوات التي قبلها، ما يعني أن هناك تحسن في هذا المجال لكنه يظل حسب المتابعين ليس في مستوى الإمكانات التي تتوفر عليها الجزائر، خاصة بعدما صنف اقتصادها هذا العام الثالث أفريقيا من قبل صندوق النقد الدولي .
إجراءات
لا أحد ينكر أنه بالرغم من التراجع الذي شهدته بعض الفروع الصناعية، إلا أن القطاع بدأ يشهد في السنوات الأخيرة انتعاشا، وبالخصوص بعض قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بمعالجة ملف المشاريع المتوقفة، وذلك بهدف تحقيق مساهمة أكبر للصناعة في الناتج المحلي الخام للجزائر.
ولا يمثل قطاع الصناعة حاليا سوى 5 إلى 6 بالمائة من الناتج المحلي الخام، وهو "ما يعطي نظرة عن حجم التحدي الذي يتعين على الجزائر رفعه"، وفق ما قاله الرئيس تبون خلال افتتاح أشغال الندوة الوطنية حول الإنعاش الصناعي في نيسان أفريل الماضي.
ويرى تبون أنه من الضروري"رفع نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الخام إلى نسبة تتراوح بين 10 و 15 بالمائة، على الأقل"، مبينا أنه يمكن بلوغ نسبة 10 بالمائة من الناتج المحلي الخام "بمجهودات معقولة، لكن إذا أردنا القيام بثورة صناعية حقيقة يجب بلوغ نسبة 15 بالمائة".
وبيّن الأستاذ حمزة طيبي في حديثه مع "الترا جزائر" أن سعي الحكومة لجعل قطاع الصناعة مساهما ذا تأثير إيجابي في الاقتصاد الجزائري يتطلب "توفير مناخ استثماري ملائم، وإعادة الثقة للمستثمر المحلي والأجنبي وتقديم ضمانات، وتبني الحكومة إستراتيجية اقتصادية طويلة المدى، واضحة الرؤى والأهداف تعتمد على الانفتاح وحرية السوق والاستثمار، وتطوير المنظومة البنكية، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومحاربة البيروقراطية والفساد من خلال سن قوانين مرنة تسهل عمل المستثمرين".
ومنذ تعديل قانون الاستثمار الذي سيصمد لعشر سنوات، جذبت التشريعات الجديدة المستمثمرين المحليين والأجانب، فقد سجلت الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار, إلى غاية سبتمبر الماضي 9684 مشروعا استثماريا، بقيمة مالية تفوق 4170 مليار دج.
وأضاف طيبي أنه من الضروري " التوجه نحو رقمنة جميع القطاعات بما فيها الصناعية والبنكية، وانسحاب الدولة من السوق وترك المنافسة بين الخواص، مع استثناء القطاعات الصناعية الإستراتيجية مثل النفط والغاز والكهرباء وغيرها التي تبقى من اختصاص الدولة، وتشجيع المؤسسات الناشئة والفكر المقاولاتي وريادة الأعمال بين المستثمرين الشباب".
من المؤكد أن أحد لا يمكنه إنكار انطلاق عجلة الإنتاج في عدة مجالات كالصيدلة والتعدين والبناء، إلا أنها تظل غير كافية لجعل قطاع الصناعة مساهما فعالا في الناتج المحلي الخام الذي تهدف الحكومة إلى رفعه ليبلغ أكثر من 400 مليار دولار عام 2027، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات تحفيزية جديدة تجعل رأس المال سواء كان عموميا أو خاصا لا يخشى خوض تجربة التصنيع في الجزائر.