بين تحديات الداخل وضغوط الخارج، يقف الرئيس عبد المجيد تبون في بداية عهدته الثانية أمام تحد اقتصادي مصيري يهدف إلى تحقيق طموح لم يسبق له مثيل في تاريخ الجزائر وهو رفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 400 مليار دولار.
وسط تطلعات الشعب والوعود الانتخابية، تتشابك مصالح الدولة مع تعقيدات السوق الموازية، وضرورات الإصلاح الجبائي، في وقت تُلقي الأزمات العالمية بظلالها على كل قرار
ووسط تطلعات الشعب والوعود الانتخابية، تتشابك مصالح الدولة مع تعقيدات السوق الموازية، وضرورات الإصلاح الجبائي، في وقت تُلقي الأزمات العالمية بظلالها على كل قرار.
ومع تسارع الأحداث وتنامي الاحتياجات الاجتماعية، تزداد حدة الضغط على الحكومة لاتخاذ قرارات حاسمة، فهل ستنجح في رسم خارطة الطريق نحو تحول اقتصادي جذري، أم أن هذه الطموحات ستظل مجرد أرقام على الورق؟
كيف سيحقق الرئيس تحدي 400 مليار دولار؟
يرى الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي أن تجسيد الالتزامات الاقتصادية التي تضمنها البرنامج الانتخابي للرئيس عبد المجيد تبون يتطلب من السلطات، وعلى رأسها الرئيس المنتخب لولاية ثانية، اتخاذ خطوات حاسمة وشاملة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
وأكد الحيدوسي، في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن هذه الخطوات يجب أن تتضمن إصلاحات هيكلية عميقة في النظام الجبائي، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة على السوق الموازية، بهدف توسيع قاعدة الإيرادات وتنظيم الاقتصاد بشكل أكثر فعالية، وهو ما سيساهم في خلق بيئة اقتصادية مستقرة ومستدامة.
وبحسب الحيدوسي، فإن تجسيد هذه المشاريع التي وعد الرئيس بتحقيقها في ولايته الثانية تم تحديد آلياتها مسبقًا من خلال إقرار قانون الاستثمار الجديد، الذي وضع الإطار القانوني للاستثمار وحدد الإجراءات الإدارية المصاحبة، مثل تنصيب الوكالة الجزائرية للاستثمار واللجنة العليا للطعون، إلى جانب تجهيز القانون النقدي والمصرفي.
الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي لـ"الترا جزائر": المشاريع الاستثمارية، التي بلغ عددها 9 آلاف مشروع، بالإضافة إلى مشاريع الشراكة الكبرى مع الأجانب، مثل غار جبيلات ومنجم الفوسفات، ودخول مشروع "بلدنا" بالشراكة مع القطريين بحلول عام 2026، ستساهم بشكل كبير في رفع نسبة الناتج الداخلي الإجمالي
وأضاف المتحدث أن التحدي الأكبر الذي يواجه السلطات اليوم هو توفير المرافقة المالية لهذه المشاريع، وهو ما تعمل عليه وزارة المالية من خلال تحديث وتسريع وتيرة الاستثمار قائلاً: "الصورة اليوم أصبحت أوضح، إذ يعوّل على إسهام القطاع الصناعي والقطاعات الأخرى مثل الزراعة والفلاحة، باعتبارها مفاتيح الانطلاقة الاقتصادية التي تهدف للوصول إلى 400 مليار دولار كناتج داخلي إجمالي".
كما أشار حيدوسي إلى أن المشاريع الاستثمارية، التي بلغ عددها 9 آلاف مشروع، بالإضافة إلى مشاريع الشراكة الكبرى مع الأجانب، مثل غار جبيلات ومنجم الفوسفات، ودخول مشروع "بلدنا" بالشراكة مع القطريين بحلول عام 2026، ستساهم بشكل كبير في رفع نسبة الناتج الداخلي الإجمالي.
ويرى المُحلل الاقتصادي أن التحدي الحقيقي اليوم لتحقيق هذه الأهداف يكمن في تسريع وتيرة منح العقارات الصناعية والاقتصادية للمستثمرين.
ملفات أخرى مستعجلة تنتظر الحكومة المقبلة
وفي سياق ذي صلة يؤكد الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي أن الولاية الثانية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ستكون ذات طابع اقتصادي بامتياز، نظرا لنوعية المشاريع المُتواجدة ضمن جدول أعماله، والتي ستحظى باهتمام كبير من الرئيس، خاصة وأنها تأتي ضمن تعهداته الرئاسية.
وسيكون قانون المالية لسنة 2025 أول الملفات المستعجلة التي سينظر فيها الرئيس بعد أن أتم كافة المراسيم الدستورية التي تسمح له بمباشرة مهامه بصفة رسمية.
وستشمل الملفات الهامة يقول سلامي مشاريع ربط السدود الكبرى لتحويل المياه إلى السدود الفارغة، بالإضافة إلى ربط العديد من البلديات بمحطات تحلية المياه، وذلك في إطار تحقيق الأمن المائي في البلاد.
أما على الصعيد الاجتماعي، سيركز الرئيس على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين من خلال خفض نسبة التضخم إلى مستوى لا يتجاوز 4.5 بالمائة في المرحلة الأولى، وكذا السيطرة على الأسعار، ورفع العلاوات، والأجور، ومنحة التقاعد.
كما التزم الرئيس المنتخب خلال عهدته الثانية برفع الناتج الداخلي الخام إلى 400 مليار دولار، مما يؤهل البلاد لدخول قائمة الدول الصاعدة، بحسب سلامي.
الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي : الولاية الثانية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ستكون ذات طابع اقتصادي بامتياز، نظرا لنوعية المشاريع المُتواجدة ضمن جدول أعماله، والتي ستحظى باهتمام كبير من الرئيس، خاصة وأنها تأتي ضمن تعهداته الرئاسية.
ومن بين الملفات ذات الأولوية للرئيس، يقول محدث :" الترا جزائر " تعزيز الصادرات خارج قطاع المحروقات، حيث يسعى تبون إلى تحقيق هدف 15 مليار دولار خلال العهدة الثانية، وذلك من خلال اصطياد أسواق جديدة للمنتج الجزائري، ناهيك عن تعزيز جاذبية الاستثمار وزيادة عدد المشاريع الاستثمارية المسجلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار من 9 ألاف مشروع إلى 20 ألف مشروع.
وفي السياق ذاته، يهدف الرئيس إلى زيادة عدد المؤسسات الناشئة من 200 إلى حوالي 20 ألف مؤسسة، مع منح القطاع الصناعي أهمية كبيرة حيث تعهد تبون برفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام بنسبة تصل إلى 12 بالمائة خلال عهدته الثانية.
ومن بين المشاريع ذات الأولوية كذلك، تعزيز الإنتاج الزراعي والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح الصلب والشعير، وتقليص فاتورة الاستيراد إلى أدنى مستوياتها من خلال توسيع المساحات المسقية بمليون هكتار إضافي.
وبالنسبة لقطاع السكن، فهذا الأخير يحظى باهتمام كبير من قبل الرئيس المنتخب حيث سيكون على رأسها أولوياته من خلال تعهده بإنجاز مليوني وحدة سكنية، إلى جانب رفع منحة البناء الريفي إلى مليون دينار.
من جهة أخرى، أكد أبو بكر سلامي أن الرئيس بحاجة إلى الاعتماد على فريق قوي، أي طاقم حكومي جديد يضم الكفاءات والرجال الذين يؤمنون بمشروعه لتحقيق التعهدات، إضافة إلى الإسراع في إجراء إصلاح جبائي شامل وعميق لخلق مصادر دخل متنوعة، والعمل على احتواء السوق الموازية، ومكافحة التهرب الضريبي، وتبسيط النظام الجبائي ورقمنته.