07-مارس-2024
ميناء الجزائر

(الصورة: EPA)

رفعت الحكومة السقف عاليًا بشأن تطوير الصادرات خارج المحروقات، والمتمثل في تحقيق ميزان تجاري متوازن في هذا المجال بحلول سنة 2040، والوصول قبلها إلى 30 مليار دولار عائدات للبلاد مما يصدر خارج النفط والغاز عام 2030.

أستاذ الاقتصاد فارس هباش لـ"الترا جزائر":  طريق رفع الصادرات خارج المحروقات تمّ تعبيده بالبنى التحتية والتشريعية ومشاريع مناطق التبادل الحرة مع دول الجوار وفتح البنوك الخارجية، لذلك وجب تسريع تنفيذ مختلف الإجراءات لتحقيق الأهداف المرسومة

وإن كان الطموح مشروعًا في الاقتصاد، وبالخصوص لبلاد كالجزائر التي تمتلك جميع مقومات تنويع اقتصادها وتحقيق نتائج تفوق تلك المرسومة من قبل الحكومة، إلّا أنه بالنظر للظروف والتجارب السابقة التي عرفتها البلاد تجعل البعض ينظر إلى هذه الأهداف بعين حَذِرة لأن الوصول إلى هذه الطموحات في ست سنوات و16 سنة ليس بالأمر السهل، فما هي فرص تحقيق طموحات الحكومة المتعلقة بالصادرات خارج المحروقات؟

توازن

يكرّر وزير التجارة، الطيب زيتوني، في معظم لقاءاته الأهداف التي وضعتها الحكومة للتخلص من التبعية للمحروقات، بالحديث عن ورقة طريق التجارة الخارجية التي تم تحديدها والهادفة للوصول إلى توازن بين الواردات والصادرات خارج المحروقات عام 2040.

وقال زيتوني، في تصريحات سابقة أمام البرلمان، إن "من بين الخطوط العريضة لورقة طريق 2024 وضع سياسة للتجارة الخارجية تعتمد على معادلة اقتصادية تسمح بتحقيق توازن بين الواردات والصادرات خارج المحروقات من خلال ترقية المنتوج الوطني وتنويعه".

وكشف زيتوني في زيارته الأخيرة لولاية بومرداس أن الحكومة تتوقع تحقيق هذا الهدف سنة 2040، ومعلوم أنه بالرغم من تحقيق فائض في الميزان التجاري الجزائري عام 2023، إلّا أنه في القطاعات خارج المحروقات تظل الكفة تميل لصالح الواردات.

ووضعت الحكومة أهدافا تتعلق بالوصول إلى 10 أو 13 مليار دولار صادرات خارج المحروقات عام 2023، إلا أنها لم تنشر أرقاما بشأن تحقيق هذا الهدف إلى اليوم، حيث توقفت تصريحات وزير التجارة الأخيرة عند 7 مليارات دولار، وهو الرقم المسجل عام 2022.

وقال زيتوني في شباط/فيفري الماضي إن الجزائر سجلت فائضًا في الميزان التجاري، خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/جانفي حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2023، قدر بــ 10.42 مليار دولار أمريكي، حيث بلغت الواردات 44,32 مليار دولار والصادرات 54.75 مليار دولار، فيما لم تتعد الصادرات خارج المحروقات حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2023 معدل 5.07 مليار دولار.

لكن وزير التجارة يرى أن تحقيق أهداف 2030 و2040 ممكنة التحقيق لأنها معتمدة على "مقاربة تشاركية وتشاورية" مع كل الشركاء المهنيين والفاعلين في المجال الاقتصادي، حيث تعتمد فيها الدولة على عصرنة الترسانة القانونية التي تحكم التموين والرقابة حتى تواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.

طموح مشروع

وقبل الوصول إلى توازن في الصادرات والواردات خارج المحروقات، كشف زيتوني أن ذلك سيسبقه بلوغ معدل 30 مليار دولار صادرات في هذا المجال، وهو طموح مشروع  يمكن الوصول إليه، وفق ما أوضحه أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف فارس هباش لـ"الترا جزائر".

ولفت هباش إلى أن الحكومة تبنّت في السنوات الأخيرة إستراتيجية اقتصادية تهدف إلى تنويع مصادر الثروة وفك التبعية للمحروقات بتنويع الصادرات خارج المحروقات، وهو ما ظهر واقعيًا بتحقيق 7 مليارات دولار صادرات خارج المحروقات في 2022 بعدما كانت سابقًا لا تتعدى 1 مليار في سنوات عدة.

لكن الأرقام لم تكن جيدة في  السداسي الأول من  2023، فقد أشار وزير المالية لعزيز فايد في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إلى أن حجم الصادرات خارِج المحروقات بلغت 2,5 مليار دولار، أي بنسبة 9.4% من إجمالي الصادرات، مقابل 3,2 مليار دولار في السداسي الأول من سنة 2022، مسجلا بذلك انخفاضا بـ 22,4%.

وأرجع الوزير وقتها هذا الانخفاض أساسا إِلى التراجع في الصادرات للمنتوجات نصف المصنعة التي مثلت نسبة 80% من إجمالي الصادرات خارج المحروقات.

وزير المالية لعزيز فايد قدّر حجم الصادرات خارِج المحروقات في السداسي الأول من 2023 بـ 2,5 مليار دولار، أي بنسبة 9.4% من إجمالي الصادرات

 لكن رغم هذا، يعتقد هباش أن الاستمرار بهذه الإستراتيجية المتعلقة بتنويع الاقتصاد يجعل تحقيق 30 مليار دولارا من عائدات الصادرات خارج المحروقات هدفًا في المتناول، وهو ما يتطلب تشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي، وتحسين البيئة الاستثمارية، و إحداث مرونة في القوانين، وهو ما تم ويتم العمل عليه عبر القوانين المتعلقة بالاستثمار والعقار الصناعي والصرف والنقد والشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص.

وبالنسبة لهباش فإن التطبيق الحقيقي لما تهدف هذه التشريعات المختلفة من شأنه تحفيز آلة الإنتاج والاستثمار، وتحسين أداء قطاعات الصناعة والفلاحة والصيد البحري والسياحة، وغيرها من المجالات التي يمكن ترفع من عائدات الجزائر بالعملة الصعبة بعيدا عن النفط والغاز، مضيفًا أن ما يساعد على ذلك هو توفر البنية التحتية للبلاد وخطوط النقل عبر مشاريع السكك الحديدية، وفتح خطوط جوية وبحرية نحو عدة دول أفريقية.

تصحيح أخطاء

لاحقت صفة "الريع البترولي" لسنوات طويلة وما تزال، وهو ما يجعل التخلص من هذه الصفة ضرورة لابد منها إذا كانت الحكومة جادة في سياستها المتعلقة ببناء اقتصاد قوي، مثلما جاء في الالتزامات الـ54 للرئيس تبون.

ويرى أستاذ الاقتصاد فارس هباش أنه من  خلال الميكانزمات التي تم ارساؤها تشريعيًا يظهر أن الإرادة السياسية موجودة اليوم لفك التبعية البترولية، والتي يظل تحويلها ميدانيًا مرتبطًا بالحفاظ على الوتيرة التي حققت في مجال الصادرات خارج المحروقات في السنتين الماضيتين.

وأضاف أن تسجيل أكثر من  5 ألاف مشروع على منصة المستثمر مؤشر محفز اليوم لتنويع الاقتصاد ولدخول الأسواق الأجنبية، وفي مقدمتها الأفريقية.

وبدوره، يرسم البنك العالمي أرقامًا إيجابية بشأن الاقتصاد الجزائري حتى وإن كانت تتعلق فقط بعام 2024، حيث تشير توقعاته إلى أن  قطاع الزراعة أصبح مع قطاع النفط من العوامل التي تسهم في تسجيل مؤشرات نمو إيجابية.

وتوقع تقرير صادر عن البنك العالمي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي " أن يعود النمو في الجزائر إلى المسار الذي كان عليه قبل الجائحة بحلول عام 2024، مدعومًا بشكل خاص بقطاعي المحروقات والزراعة".

وقال التقرير ذاته أن "زيادة الاستثمارات، ومنها الاستثمار في المشروعات الصناعية الكبرى ساعدت في دفع عجلة النشاط الاقتصادي في الربع الأول من عام 2023، ومن المتوقع أن تستمر في دعم النمو بين عامي 2023 و2025. وسيكون استمرار الجهود من أجل تحسين بيئة الأعمال في الجزائر واجتذاب استثمارات القطاع الخاص من العوامل الرئيسية في الحفاظ على هذا المنوال".

وبين أستاذ الاقتصاد فارس هباش في حديثه مع "الترا جزائر" أن  بناء اقتصاد متنوع أصبح ضرورة لا مفر منها لتجنب الصدمات المالية والبترولية، لأن التجربة بينت مدى تأثر اقتصاد الجزائر بهذه الصدمات التي رهنت أهداف البلاد، لدرجة وصل الأمر بأن تصبح الخزينة فارغة وغير قادرة على سداد أجور الموظفين.

وما تزال الأزمة المالية التي عاشتها الجزائر في فترة التسعينات لمّا تهاوت أسعار النفط عالقة في أذهان الجزائريين، لما اضطرت البلاد للاستدانة الخارجية من البنك العالمي وصندوق النقد الدوي، حيث أصبح نادي باريس المتحكم وقتها في تسيير شؤون البلاد بطريقة غير مباشرة، فأغلقت المؤسسات العمومية وبيعت بالدينار الرمزي وسرّح آلاف الموظفين، إضافة إلى التعديلات الغربية التي أدخلت على قطاعات التربية والعدالة والتعليم العالي والمرتبطة بمصير الأمة وهويتها.

ويعتقد هباش أن الخطوات المنتظر من الحكومة اتخاذها ليس كما يريد البعض تصويره. هو تجاهل قطاع النفط، إنما الأمر يتعلق بإحداث تكامل بين قطاع الطاقة وباقي المجالات الاقتصادية الأخرى كالصناعة والفلاحة والسياحة والمؤسسات الناشئة، لأن الأمن الطاقوي أصبح ذا أهمية خاصة في ظل الصراعات الدولية المتصاعدة حول الطاقة، ولعل ما تعيشه أوروبا اليوم أكبر دليل على ذلك.

البنك العالمي أكّد في آخر تقرير له بأنّ الاقتصاد الجزائري سيستمر في النمو بين عامي 2023 و2025 مدعومًا بقطاعي المحروقات والزراعة

وبالنسبة للدكتور فارس هباش، فإن الرهان الحقيقي الذي يواجهه الاقتصاد الجزائري هو مدى قدرة الحكومة على إزالة الإجراءات البيروقراطية من أمام مبادرات الاستثمار، لأنه كلما تم الفصل بين الإدارة والاقتصاد سيتطور الاقتصاد ويصبح أكثر تنوعا وتنافسية.

ويرى الدكتور هباش أن طريق رفع الصادرات خارج المحروقات قد تم تعبيده بالبنى التحتية والتشريعية ومشاريع مناطق التبادل الحرة مع دول الجوار وفتح بنوك خارج البلاد كموريتانيا والسنغال، لذلك وجب اليوم تسريع تنفيذ مختلف الإجراءات والإصلاحات المتخذة لتحقيق الأهداف المرسومة، لأن المنتجات الجزائرية تمتلك بالفعل ميزات تنافسية رغم الإقرار بتسجيل ضعف في الجانب التسويقي، لكنه يبقى أمرا يمكن تداركه.

وبالنسبة للممثل المقيم للبنك الدولي في الجزائر كمال براهم، فإن الجزائر  "تتمتع بالقدرة على تنويع اقتصادها، والحد من اعتمادها على الواردات، وزيادة الصادرات خارج المحروقات، مع توفير فرص عمل بصورة مستدامة في القطاع الخاص. وبالرغم من أنه من المبكر إرجاع ذلك إلى الإصلاحات الأخيرة، فإن الأداء الاقتصادي المستدام يبعث على التفاؤل، كما ينبغي تعزيز الجهود الرامية إلى تحفيز استثمارات القطاع الخاص."