13-أغسطس-2022

ميناء الجزائر العاصمة (جويل روبين/أ.ف.ب)

أظهرت إحصاءات جديدة للجمارك الجزائرية تحسنًا في أداء اقتصاد البلاد هذا العام، سواء في القطاع النفطي أو خارج المحروقات، وذلك  بتسجيل ارتفاع في عائدات الصادرات قارب 50 بالمائة مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يعيد التساؤل من جديد حول مدى تحقيق الحكومة للالتزامات التي أطلقتها بشأن السير تدريجيًا نحو اقتصاد غير مرتبط بالريع البترولي، فهل يضمن هذا الارتفاع تنويع الاقتصاد الجزائري؟

21.83 بالمائة من الصادرات الجزائرية كانت من نصيب إيطاليا في السداسي الأول من السنة الجارية 

وفي بداية العام الجاري، صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد أن 2022 ستكون سنة اقتصادية بامتياز، بعدما أنهت الحكومة كل الاستحقاقات الوطنية المتعلقة بتنظيم مؤسسات الدولة المختلفة وفق دستور أول نوفمبر 2020، لذلك سيكون تحقيق نمو اقتصادي من حيث الكيف والنوع ضمن الأولويات التي ستسعى لتحقيقها الحكومة.

برميل النفط

تشير أرقام نشرتها منذ أيام وكالة الأنباء الجزائرية إلى ارتفاع قيمة الصادرات الجزائرية إلى 25,922 مليار دولار خلال السداسي الأول من العام الجاري، أي بزيادة قدرها 48,3 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2021.

وأرجع المحلل الاقتصادي جلال بوسمينة هذا الارتفاع إلى ارتفاع الصادرات الجزائرية من المحروقات، بعد ارتفاع أسعار البترول منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حيث وصل متوسط سعر برميل البترول الجزائري (صحاري بلند) إلى 121 دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2022.

ولاحظ جلال بوسمينة زيادة الإنتاج الجزائري من النفط خلال السداسي الأول من العام الجاري بـ2 بالمائة، مقارنة بالعام الماضي، وهو ما ساهم في ارتفاع عائدات النفط وارتفاع قيمة الصادرات.

وتتوقع الجزائر هذا العام عائدات كبيرة من تصدير النفط تصل إلى 50 مليار دولار إيرادات بنهاية عام 2022، وفق ما صرح الرئيس المدير العام لسوناطراك توفيق حكار في وقت سابق.

واستفادت الجزائر هذا العام من تحولها إلى الحل البديل للأوروبيين في إمدادات الطاقة بعد فرض  الغرب عقوبات على روسيا بعد تدخلها العسكري في أوكرانيا، حيث وقعت سوناطراك على عقد يقضي بزيادة إمدادات الغاز نحو إيطاليا التي تحاول التخلي عن الغاز الروسي  بـ6 مليارات مكعب مع نهاية العام الجاري.

وتشير إحصاءات الجمارك إلى أن إيطاليا تتصدر زبائن الجزائر، حيث اشترت 21,83 بالمائة من الصادرات الجزائرية خلال الأشهر الستة الأولى من 2022.

 تحسن

وتشير أرقام الجمارك الجزائرية إلى أن صادرات البلاد خارج المحروقات قد بلغت 3,507 مليار دولار خلال السداسي الأول من 2022، مقابل 2,047 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من 2021، وهو ما يمثل نصف الهدف المسطر لسنة 2022 والبالغ 7 مليارات دولار.

وتظهر هذه الأرقام أن الصادرات خارج المحروقات في تطور مستمر، فقد كانت لا تعدى عام 2020 مبلغ 2.6 مليار دولار.

وأوضح المحلل الاقتصادي جلال بوسمينة أن التحسن يعود بالدرجة الأولى إلى ارتفاع أسعار الأسمدة والحديد في الأسواق العالمية بفعل ارتفاع أسعار المحروقات التي تدخل في العملية الإنتاجية لكل من المادتين اللتين تشكلان 75% من قيمة الصادرات خارج المحروقات.

وتعمل الحكومة في السنوات الأخيرة على تطوير قطاع الحديد والصلب بإقامة مصانع جديدة في هذا المجال، يتقدمها مركب الحديد و الصلب توسيالي ببطيوة بوهران الذي حقق في السداسي الأول من العام الجاري عائدات تصدير بقيمة 450 مليون دولار، وهو ما مكن من ارتفاع نسبة صادرات هذه المركب التركي بـ10 بالمائة مقارنة بالعام الماضي الذي بلغت فيه قيمة الصادرات بـ 900 مليون دولار.

والأسبوع الماضي، تم إطلاق المرحلة الأولى لاستغلال منجم غار جبيلات بتندوف، والذي سيزود مصانع بطيوة وبلارة بجيجل والحجار بعنابة بالمادة الأولية، وهو ما سيرفع الصادرات الجزائرية من هذه المادة في السنوات المقبلة.

ولا حظ جلال بوسمينة ارتفاعًا في حجم الصادرات بعد التوجه نحو بعض الدول الأفريقية، والتسهيلات التي منحتها الحكومة للمصدرين بهدف دعم احتياطي الجزائر من العملة الصعبة والذهب.

وجدد الرئيس عبد المجيد تبون الأسبوع الماضي في لقائه التلفزيوني الدوري التأكيد على ضرورة تعزيز الصادرات والتبادل التجاري في القارة الأفريقية، حيث أكد في هذا الشأن سعي جزائر للظفر بحصتها في فضائها الإفريقي، لاسيما من خلال مراجعة بعض النقائص وإطلاق العديد من مشاريع التكامل الإفريقي الهامة، وثمن الرئيس توجه رجال الأعمال الجزائريين نحو أفريقيا، مبينا أن "الاقتصاد هو المتحكم اليوم".

ويعتقد المحلل الاقتصادي جلال بوسمينة أن تحقيق هدف سبعة ملايير دولار عائدات من الصادرات خارج المحروقات أصبح جد ممكن، خاصة إذا استمرت أسعار البترول في المستويات الحالية مما يجعل أسعار الحديد والأسمدة مرتفعة، كما أن توجه الدولة  لدعم التصدير كلها دلالات تنبئ بتجاوز هذا الرقم في نهاية السنة.

وبدوره، يعتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي أن "الحكومة تسير في النهج الصحيح للوصول إلى تحقيق عائدات بسبعة مليارات دولار من الصادرات  خارج المحروقات"، مبينًا أن ما سيساعد على تحقيق هذه النتائج هو التوجه نحو  الأسواق الإفريقية، وذلك عبر الطرق البرية والوجهات البحرية والرحلات الجوية المستحدثة مؤخرا من طرف الحكومة.

التخلص من التبعية النفطية

وأوضح عبد الصمد سعودي لـ"الترا جزائر" أن رفع  الصادرات للتخلص من تبعية الاقتصاد الجزائري لتقلبات السوق النفطية يكون بالمواصلة في استهداف الأسواق الإفريقية، عن طريق تطوير قطاع الصناعات الغذائية التحويلية، والصناعات الخفيفة، بالنظر إلى وجود حاجة  لهذا النوع من السلع على المستوى القاري.

ويشير المحلل الاقتصادي جلال بوسمينة في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أنه رغم الرغبة الواضحة للحكومة في تنويع الاقتصاد الجزائري إلا انه "من الصعب أن نقول أن الجزائر في طريقها للخروج من تبعية للمحروقات، والدليل على ذلك تأثير سعر برميل النفط على القيمة الإجمالية للصادرات الإجمالية بما فيها تلك غير المعنية بقطاع المحروقات".

ويربط جلال بوسمينة تحرير الاقتصاد الجزائري من ارتباطه بتقلبات سعر برميل النفط، بانتهاج الحكومة سياسة اقتصادية مبنية على  دعم حقيقي للقطاع الخاص، والتقليل من الإنفاق الحكومي تدريجيًا، وتحرير التجارة الخارجية، والابتعاد التدريجي عن الاقتصاد الإداري، والاهتمام بالاستثمار الأجنبي المباشر خارج القطاعات الإستراتيجية مما سيخلق في المستقبل شركات جزائرية قادرة على المنافسة، إضافة إلى إصلاح القطاع المصرفي.

 ومن المؤكد أن العمل على تنفيذ هذه المقترحات سيكون له انعكاس إيجابي في رفع المنتوج الوطني في مختلف القطاعات، وبالتالي خفض الواردات التي بلغت 20,223 مليار دولار في السداسي الأول من 2022 أي بزيادة قدرها 7.41 بالمائة، مقارنة بالفترة ذاتها من 2021 التي بلغت فيهل 18.829 مليار دولار.

أستاذ الاقتصاد عبد الصمد سعودي: الإنعاش الاقتصادي يتطلب استيراد الخاصة بعمليات الإنتاج

ورغم ارتفاع حجم الواردات، إلا أن أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي،  يعتبر هذا الرقم معقولًا بسبب ارتفاع واردات القمح والمنتجات الصحية بسبب جائحة كورونا، إضافة إلى أن عمل الحكومة على انفتاح الاقتصاد على العالم عبر برنامج الإنعاش الاقتصادي يتطلب استيراد بعض الآلات الضرورية في عمليات الإنتاج، وهو ما يعكسه الارتفاع المسجل في قيمة الورادت التي لن تعرف التراجع الحقيقي إلا برفع الإنتاج الوطني وزيادة الصادرات خارج المحروقات.